اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ٥ شباط ٢٠٢٥
القاضي نواف سلام، دولة رئيس الوزراء المكلف، تحية طيبة وبعد،
نيابة عن 'هيومن رايتس ووتش'، نتطلع إلى العمل مع حكومتكم بشأن قضايا حقوق الإنسان والحوكمة، وقد تابعنا باهتمام كبير عملكم في 'محكمة العدل الدولية' وندعم تعليلكم القرار بأن إسرائيل ترتكب الفصل العنصري ضد الفلسطينيين، ودعوتكم في 2019 إلى حصول سكان جزر تشاغوس على تعويضات عن تهجيرهم القسري.
تحديات هائلة تنتظر لبنان، فقد أدت الأعمال العدائية مع إسرائيل إلى تفاقم أزمات قائمة أصلًا وقوّضت حقوق الناس في لبنان على نطاق واسع، كما قوض السياسيون اللبنانيون القضاء وأخضعوه لتدخل سياسي مستمر لأجل حماية ضالعين بشكل ذي مصداقية في جرائم وانتهاكات من المساءلة، ومنهم مسؤولون في الدولة، من هذه الانتهاكات انفجار مرفأ بيروت، والجرائم المالية، وسوء الإدارة والفساد اللذان أديا إلى تقويض حقوق الناس في التعليم، والصحة، والضمان الاجتماعي، والكهرباء، كما دُمِّر الاقتصاد وأفقرت الأزمة المالية معظم السكان وسلبتهم مدخراتهم، وتحوي سجون لبنان ثلاثة أضعاف طاقتها الاستيعابية، و70 في المئة من نزلائها موقوفون احتياطيًّا.
صرحتم في خطاب تكليفكم بفتح فصل جديد في لبنان، وهو فصل نريده لمواطنين لبنانيين أحرار ومتساوين في الحقوق والواجبات، مع ضرورة بناء القرى المهدمة، وتكريس اقتصاد حديث ومنتِج، وإدارة شفافة وفاعلة، ودولة تجسد المبادئ العالمية لحقوق الإنسان، ونؤيد بقوة تأكيدكم الحاجة إلى قضاء مستقل، وتحقيق العدالة لضحايا انفجار مرفأ بيروت، وإنصاف المودعين الذين فقدوا مدخراتهم.
وبالاتجاه نفسه تعهد الرئيس المعين حديثًا جوزاف عون في خطابه أمام مجلس النواب 'بحماية قدسية الحريات الفردية والجماعية'، وبأنه لن يكون هناك تدخل في عمل القضاء في عهده، أو أي 'حصانات لمجرم أو فاسد'، ووعد بإصلاح نظام السجون، وتعزيز نظام الضمان الاجتماعي، والبنية التحتية، والتعليم العام، واحترام حرية الإعلام والحق في حرية التعبير ضمن الأطر الدستورية والقانونية، والعمل مع الحكومة الجديدة على تبني قانون جديد بشأن استقلالية القضاء، وإضفاء الطابع المهني على عمل النيابات العامة، وإجراء التعيينات القضائية على أساس معايير النزاهة والجدارة، ما يعني تمكين لبنان من القطع مع الماضي وترسيخ سيادة القانون.
نشجعكم على التقدم بإصلاحات أساسية تشمل المساءلة عن جرائم الحرب المرتكبة على الأراضي اللبنانية، ووقف الانهيار الاقتصادي، وبناء قضاء مستقل ومؤسسات الدولة الخاضعة للمحاسبة، على أن تعطى الأولوية للمجالات التالية:
1. إعادة الإعمار
قتلت إسرائيل منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 أكثر من 4,285 شخصًا وجرحت أكثر من 17,200 آخرين، ولا يزال 115 ألف شخص نازحين وغير قادرين على العودة إلى ديارهم، وحوَّلت 100 ألف وحدة سكنية في عشرات القرى أنقاضًا، وتسببت بخسائر اقتصادية تقدر بـ 8.5 مليار دولار، بحسب 'البنك الدولي' و'مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية'، وعليه تنبغي مواصلة العمل مع المانحين لإعادة الإعمار، بشرط تقييم التكاليف الصحيحة لأضرار الحرب ونشر معلومات بانتظام عن النفقات والإنجازات، لمنع سوء إدارة الأموال وضمان تمكن المتضررين من التعويضات والإسكان والتعليم والطبابة وإعادة إعمار فعالة وطويلة الأمد وشفافة وخاضعة للمحاسبة وحقوق أخرى.
2. المساءلة عن جرائم الحرب
وثَّقت هيومن رايتس ووتش ومنظمات حقوقية لبنانية ودولية أخرى قتل الهجمات الإسرائيلية بين تشرين الأول 2023 تشرين الثاني 2024 عشرات الأشخاص في لبنان من دون أن تتخذ الحكومة خطوات مساءلة دولية لضمان العدالة للضحايا حتى أبريل/نيسان 2024، حين أصدرت قرارًا تاريخيًّا بتقديم إعلان إلى قلم 'المحكمة الجنائية الدولية' بموجب المادة 12(3) من 'نظام روما الأساسي'، يمنح المحكمة الاختصاص للتحقيق في الجرائم الجسيمة المرتكبة على الأراضي اللبنانية منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 وملاحقتها.
وللأسف، لم تتابع وزارة الخارجية القرار، وألغته الحكومة لاحقًا، ولذلك ندعو الحكومة اللبنانية إلى التصديق على نظام روما ومنح المحكمة الاختصاص بالتحقيق بأثر رجعي في ما وثّقته هيومن رايتس ووتش من سلسلة هجمات غير قانونية وجرائم حرب مفترضة ارتكبها الجيش الإسرائيلي في لبنان، بما فيها الهجمات المتعمدة على الصحفيين وقوات حفظ السلام والمسعفين والمدنيين، والاستخدام غير القانوني للأجهزة المفخخة والواسع النطاق للفوسفور الأبيض حتى في المناطق السكنية.
كما تدعو هيومن رايتس ووتش لبنان والدول الأعضاء إلى عقد جلسة خاصة في 'مجلس حقوق الإنسان' التابع للأمم المتحدة لإنشاء آلية تحقيق دولي في انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة من جميع أطراف النزاع في لبنان، وتوثيق الجرائم المستمرة، وجمع الأدلة، ونشر نتائج التحقيق علنًا، ودعوة 'المفوض السامي لحقوق الإنسان' التابع للأمم المتحدة للقيام بتحقيق يوثق الهجمات غير القانونية وجرائم الحرب في الفترة المذكورة سابقًا، ونشر تقارير علنية عنها.
3. استقلالية القضاء
وقد وثّقت منظمات حقوق الإنسان اللبنانية والدولية لسنوات تدخلًا سياسيًّا متكررًا في عمل القضاء اللبناني، وتحقيقات معيبة في جرائم قتل ذات حساسية سياسية عالية، وقضاء غير مستقل سمح لثقافة الإفلات من العقاب بالازدهار. وترى هيومن رايتس ووتش ضرورة ملحة لعمل الحكومة اللبنانية الجديدة والبرلمان على سن قانون بشأن استقلال القضاء يفي بالمعايير الدولية، وإصلاح قانونَيْ أصول المحاكمات الجزائية والمدنية لضمان وقف التدخلات السياسية في التحقيقات القضائية التي استَخدَمت المادة 52 من القانون الأول[1] والمادة 751 من الثاني[2] لشل التحقيق في انفجار مرفأ بيروت وتحقيقات أخرى في جرائم مالية واحتيال، وقدَّم
بناء عليه تسعة أعضاء في البرلمان اللبناني في مارس/آذار 2023 مشروعَيْ قانونين لتعديل هاتين المادتين هما: 'مشروع قانون استقلالية القضاء وشفافيته' لعام 2018 و'مشروع قانون القضاء الإداري' لعام 2020 ، وقد بقيا قيد المراجعة لدى 'لجنة الإدارة والعدل' ووزير العدل، الجهتين اللتين انتقدت منظمات حقوقية لبنانية محاولاتهما لتعديل مشاريع القوانين بطريقة تتعارض مع المعايير الدولية.
وقد اعتمدت 'اللجنة الأوروبية للديمقراطية من خلال القانون' (The European Commission for Democracy through Law) (المعروفة باسم لجنة البندقية) رأيين منفصلين حول مشروعَي القانون سالفَي الذكر إلى الحكومة والبرلمان اللبنانيين، اللذين ينبغي عليهما العمل معًا لضمان أن تعكس مشاريع القوانين توصيات لجنة البندقية وغيرها بشأن استقلالية القضاء، مثل 'المبادئ الأساسية للأمم المتحدة لعام 1985
وقد اعتمدت 'اللجنة الأوروبية للديمقراطية من خلال القانون' (The European Commission for Democracy through Law) (المعروفة باسم لجنة البندقية)[1] رأيين منفصلين حول مشروعَي القانون سالفَي الذكر إلى الحكومة والبرلمان اللبنانيين، اللذين ينبغي عليهما العمل معًا لضمان أن تعكس مشاريع القوانين توصيات لجنة البندقية وغيرها بشأن استقلالية القضاء، مثل 'المبادئ الأساسية للأمم المتحدة لعام 1985 بشأن استقلال القضاء'، و'التعليق العام رقم 32' للجنة حقوق الإنسان بشأن المادة 14 من 'العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية'، وكذلك العمل سويًّا لإنهاء اختصاص المحاكم العسكرية في لبنان بمحاكمة المدنيين.
المحكمة العسكرية
واستخدمت السلطات اللبنانية الولاية القضائية القانونية للمحكمة العسكرية على المدنيين لترهيبهم ومعاقبتهم على النشاط السياسي أو لقمع المعارضة. وكشف تحقيق أجرته هيومن رايتس ووتش عام 2017 عن انتهاكات هذه المحكمة للإجراءات القانونية الواجبة وللقانون الدولي في محاكمة المدنيين من قضاة عسكريين يخضعون لوزير الدفاع، ما يقوض استقلالية المحكمة، فكان هؤلاء القضاة يحتجزون من يمثلون أمامهم بمعزل عن العالم، ويستجوبونهم بدون محام، ويسيئون معاملتهم، ويعذبونهم، وينتزعون اعترافاتهم تحت التعذيب، مع محدودية قدرة المعترفين على الاستئناف.
ترى هيومن رايتس ووتش أنه لا يحق للمحاكم العسكرية محاكمة المدنيين، بل يجب أن ينحصر عملها القضائي في المسائل العسكرية البحتة، ويجب على الحكومة والبرلمان العمل على إنهاء هذا الانتهاك عبر سن قانون يزيل المدنيين من اختصاص المحكمة العسكرية بالكامل.
4. المساءلة عن انفجار بيروت
عرقلت السلطات اللبنانية مرارًا التحقيق في انفجار مرفأ بيروت المدمِّر في أغسطس/آب 2020 وحمت السياسيين والمسؤولين المتورطين فيه من الاستجواب والملاحقة القضائية والاعتقال، ولم تتخذ خطوات مهمة لتمكين التحقيق المحلي ومنع التدخل فيه، وكانت النتيجة أنه لم يُحاسَب أحد، بل توقُّف التحقيقات فعليًّا منذ كانون الأول 2021 بسبب سلسلة طعون ضد ولاية القاضي طارق بيطار من سياسيين متهمين بالانفجار.
وحتى عندما اتخذ بيطار في كانون الثاني 2023 خطوات لإزالة حواجز قانونية في وجه عمله وأمر بالإفراج عن خمسة من المشتبه بهم وادّعى على آخرين واستدعاهم للاستجواب، بمن فيهم المدعي العام السابق غسان عويدات، أمر الأخير الأجهزة الأمنية تحت يديه بعدم تنفيذ الأوامر واعتبرها 'باطلة'، واتهم بيطار بـ'اغتصاب السلطة'، بل وأمر بالإفراج عن جميع المعتقلين في القضية.
وبعد أن استأنف بيطار عمله في التحقيق اليوم واستدعى 10 أشخاص إضافيين، ومن المقرر عقده جلسات التحقيق في آذار ونيسان، ترى هيومن رايتس ووتش أنه ينبغي على مجلس النواب والحكومة العمل على إزالة الحواجز القانونية والسياسية من أمام البيطار، عبر إتمام التعيينات القضائية بما يتماشى مع معايير دولية لاستقلالية القضاء، وإزالة الحصانات عن المسؤولين، وضمان قدرة قوات الأمن على اعتقال كل من يطلبهم بيطار.
5. إصلاحات اجتماعية وسياسية تحترم الحقوق
وقد أشار الرئيس عون في كلمته إلى عقود من سوء الإدارة والفساد أفرغت مؤسسات لبنان وحرمت الناس من الحق في التعليم، والصحة، والضمان الاجتماعي، والكهرباء.
وبحسب البنك الدولي، كانت أزمة لبنان الاقتصادية من بين 'أشد الأزمات حدة على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر'، وتكشف بيانات البنك عن أرقام مثيرة للقلق تشير إلى 80% من السكان يعانون الفقر. وعليه، ينبغي على الحكومة والبرلمان العمل بشكل عاجل لإقرار قوانين وافق عليها لبنان سابقًا وكانت جزءًا من اتفاق مع صندوق النقد الدولي في 2022، وخصوصًا قانونَي 'الكابيتال كونترول' والسرية المصرفية، لأجل الإفراج عن مليارات الدولارات المخصصة للبنان ومن شأنها وضعه على طريق التعافي المستدام، كما وإقرار الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد 2020 – 2025، وإعطاء اللجنة الوزارية المكلفة بمكافحة الفساد الصلاحيات الكافية والموارد لتنفيذ الاستراتيجية ومراقبتها.
الضمان الاجتماعي
تؤكد الأزمة الاقتصادية الحاجة الملحة إلى نظام ضمان اجتماعي شامل في لبنان لا يستثني أحدًا، ويوفّر مجموعة من الحقوق مثل تقديمات الأطفال والأمومة والإعاقة والبطالة، بالإضافة إلى معاشات الشيخوخة. وقد اتخذت الحكومة اللبنانية خطوات منذ 2023 لإنشاء ضمان اجتماعي أكثر انسجاما مع الحقوق، فأطلقت وزارة الشؤون الاجتماعية بدعم مالي من اليونيسف ومنظمة العمل الدولية، برنامج 'البدل النقدي' لذوي الإعاقة (40 دولارًا للمعوّق بين سن الـ 18 والـ 28). وفي كانون الأول 2023 أقر البرلمان القانون 319 الذي يسمح بالاشتراكات للمعاشات التقاعدية. وبرغم إقرار الحكومة في شباط 2024 'الاستراتيجية الوطنية الأولى للحماية الاجتماعية'، لتحويل الضمان الاجتماعي الفاشل إلى نظام أكثر شمولًا، لا يزال 20% فقط من السكان مضمونين، لعدم استفادة السلطة من خيارات متعددة لجمع الأموال، كمكافحة التهرب والتجنب الضريبيين، واعتماد إصلاحات ضريبية تصاعدية، وزيادة الاستثمارات في الضمان، ومن دون هذه الإصلاحات ستتفاقم أزمة الفقر وحقوق الإنسان في لبنان.
فاقمت أزمة الكهرباء في لبنان عدم المساواة، وقيدت قدرة الناس على التمتع بحقوق أخرى، وعلى الحكومة اللبنانية إصدار مراسيم تطبيق القانون 462/2002 المنظِّم قطاع الكهرباء وإنشاء 'هيئة تنظيم قطاع الكهرباء' واختيار أعضائها بشفافية وبناء على الجدارة، وضمان قدرتها على العمل باستقلال وذاتية.
كما ينبغي على الحكومة ضمان تغذية مستمرة من الكهرباء النظيفة وبأسعار معقولة كحق من حقوق الإنسان اللبناني، والعمل على زيادة توليد الطاقة: الكهرومائية، والرياحية، والشمسية.
6. حرية التعبير
في السنوات الأخيرة، استخدمت شخصيات سياسية ودينية نافذة في لبنان قوانين القدح والذم (التي تسمح بالسجن من سنة حتى ثلاث سنوات) انتقائيًّا لإسكات الصحفيين والنشطاء ومن يكتبون عن فساد المسؤولين أو يبلّغون عن سوء سلوك الأجهزة الأمنية، وشهدت البلاد زيادة مقلقة في الانتهاكات ضد حرية التعبير والخطاب السلمي. وتُظهر حالات حققت فيها هيومن رايتس ووتش استخدام هذه القوانين لإسكات خطاب ليس مشروعا فحسب، بل هو ضروري ليكون المجتمع فاعلًا وحيويًّا ويحكمه القانون، ولذلك هي تدعو إلى إلغاء نصوص القدح والذم والتحقير من قانون العقوبات ومن مشروع قانون إعلام مقترح. كما نحثّ على حماية حرية التعبير والتجمع وتكوين الجمعيات والخصوصية والمساواة وعدم التمييز بين الجميع، بمن فيهم المثليون/ات، ومزدوجو/ات التوجه الجنسي، وعابرو/ات النوع الاجتماعي (مجتمع الميم-عين).
7. حقوق المرأة
تميّز قوانين الأحوال الشخصية المختلفة في لبنان ضد المرأة، وتسمح للمحاكم الدينية بالتحكم بمسائل الزواج والطلاق والحضانة، وتمنع النساء من إعطاء الجنسية لأطفالهن وأزواجهن، وتعتبر المرأة متمردة قانونيًّا (ناشز) إذا غادرت منزل الزوجية أو رفضت العيش مع زوجها بدون سبب تعتبره المحاكم الدينية وجيهًا، ولو كانت تعاني من التعنيف، وبالتالي لا تحصل على النفقة الزوجية. وعليه، ينبغي على الحكومة اللبنانية العمل مع البرلمان لإصلاح هذه القوانين التمييزية وضمان المعاملة المتساوية بين الرجال والنساء في جميع المسائل، وإقرار قانون يعزِّز حماية النساء من العنف الجنسي والقائم على النوع الاجتماعي الذي وثّقته منظمات حقوقية لبنانية ودولية، وأثبتت أن ما يعيق هذا القانون هو نظام العدالة الجنائية اللبناني. كما تدعو هيومن رايتس ووتش البرلمان اللبناني إلى إصلاح 'قانون تجريم التحرش الجنسي وإعادة تأهيل ضحاياه' لعام 2020 ليتماشى مع المعايير الدولية.
8. إصلاح السجون
سبق القول أعلاه أن مستويات الاكتظاظ في السجون اللبنانية هي 300%، وأن 70% من نزلائها موقوفون احتياطيًّا، أي بدون إدانة جنائية. وقد تدهورت مستويات التغذية في السجون بشكل خطير منذ بداية أزمة 2019 الاقتصادية، كما بلغ عدد الوفيات بينهم في 2022 – وفقًا لـ 'منظمة العفو الدولية' – الضعف مقارنة بـ 2018، ورغم تخصيص ملايين الدولارات لتحسين ظروف السجون فإن معاملة السجناء في لبنان لا تزال مزرية. وعليه، ينبغي على الحكومة اللبنانية تخفيف اكتظاظ السجون بالنظر في بدائل من احتجاز الموقوفين احتياطيًّا، وتمكين السجناء من الحصول على الغذاء والرعاية الطبية بشكل كاف وموثوق، وتحسين ظروف الاحتجاز.
9. حقوق اللاجئين
لا يزال لبنان يستضيف العدد الأعلى من اللاجئين في العالم، ومن المتوقع أن تؤدي الإطاحة بنظام بشار الأسد إلى عودة الكثيرين من نحو 1.5 مليون لاجئ سوري. تدعو هيومن رايتس ووتش السلطات اللبنانية إلى إبقاء الحماية المعطاة للاجئين السوريين إلى حين اتخاذهم قرارًا طوعيًّا بالعودة، ولا ينبغي إجبارهم قسرًا على العودة، كما على 'مخابرات الجيش' والاستخبارات الأخرى إنهاء الاعتقال، والاحتجاز، وطرد اللاجئين السوريين لعدم حيازتهم وثائق إقامة، أو عدم قانونية وضعهم.
الفلسطينيون
يعيش في لبنان نحو 520 ألف لاجئ فلسطيني لا يزالون يخضعون لقيود حتى على حقهم في العمل والتملك، ويعيش نحو 80% منهم – بحسب 'وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين' (الأونروا) – تحت خط الفقر، بسبب التمييز الهيكلي في فرص العمل والحق في التملك. وعلى الحكومة اللبنانية إعادة النظر في القوانين واللوائح القانونية والإدارية التي تمنع الفلسطينيين من العمل في مهن معينة.
10. حقوق المهاجرين
يخضع الوضع القانوني لنحو 250 ألف عاملة منزلية مهاجرة في لبنان من إثيوبيا، والفيليبين، وبنغلادش، وسريلانكا لنظام الكفالة، الذي يضع تلك العاملات في ظروف بالغة السوء قد تبلغ حد العبودية، فلا يتركن وظائفهن أو يغيرنها بدون موافقة صاحب العمل، وإلا خاطرن بالحرمان من الإقامة والاحتجاز والترحيل، وتستثني المادة 7 من قانون العمل العاملات المنزليات المهاجرات من الحماية التي تؤمنها للعاملات الأخريات، بما فيها الحد الأدنى للأجور، والحد الأقصى لساعات العمل، ويوم العطلة الأسبوعية، وأجور العمل الإضافي، وحرية تكوين الجمعيات، حتى بلغت درجة السيطرة على حياة العاملات حالات من الاتجار بالبشر، والعمل القسري، والاستغلال، وطردهن إلى الشوارع خلال الأعمال العدائية بين إسرائيل وحزب الله، ومنعهن من استخدام الملاجئ.
وعليه، ينبغي على الحكومة اتخاذ خطوات عاجلة لإلغاء نظام الكفالة.
**************
نرحب بشدة بمناقشة هذه التوصيات معكم شخصيًّا، ونشكركم مسبقا على اهتمامكم بطلبنا، ونحن نتطلع إلى الحوار والتعاون في المستقبل لمعالجة هذه القضايا المهمة المتعلقة بحقوق الإنسان.
مع فائق الاحترام والتقدير،
لما فقيه
مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا
مديرة مكتب بيروت
[1] تنص المادة 52 من قانون أصول المحاكمات الجزائية (بدئ العمل بها في 2 آب 2001) على أنه:
(…) يحق لكل من اطراف النزاع [في الدعوى المقدّمة] أن يطلب رد قاضي التحقيق (…) فيُنتدب الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف قاضيا للقيام بها (…).
[2] تنص المادة 751 من قانون أصول المحاكمات المدنية (بدئ العمل بها في 23 آذار1985) على أنه:
للقاضي المنسوب إليه سبب الدعوى التدخل في المحاكمة في أي وقت لإبداء أقواله وطلب الحكم له بالتعويض ضد المدعي عند الاقتضاء، ولا يجوز ادخاله في المحاكمة الا بقرار من الهيئة العامة بناء على طلب المدعى عليها، ولا يجوز للقاضي (…) منذ تقديم استحضارها [الدعوى] ان يقوم بأي عمل من أعمال وظيفته يتعلق بالمدعي.
[3] النواب التسعة الموقعون هم: ابراهيم منيمنه – أسامة سعد – الياس جرادة – حليمه قعقور – سنتيا زرازير – فراس حمدان – مارك ضو – ميشيل دويهي، واقتراحا القانونين أعدهما 'ائتلاف استقلال القضاء' للرد على تعطيل بعض القوى السياسية النافذة أيَّ ادعاء ضد أعيانها باستغلال نصوص في 'قانون اصول المحاكمات المدنية' تسمح بتعليق الملاحقة بمرور الزمن بمجرد تقديم المدّعى عليه منها دعوى برد القاضي الناظر في قضيته او مخاصمة الدولة على خلفية أعمال هذا القاضي أيًّا كانت جدية الدعوى، وتبقى ملاحقته معلقة حتى بت دعوى الرد أو المخاصمة. وقد استخدم مدعى عليهم في قضيه المرفا هذه النصوص فتعطلت التحقيقات في احدى اخطر الجرائم، وسرعان انتقل التعطيل إلى قضايا المصارف والفساد والاثراء غير المشروع. ثم عمد هؤلاء الى آليه لتعطيل الملاحقه ضدهم بمجرد استعداء القضاة لأجل غير مسمى، وعليه تجميد التحقيقات من خلال شل عمل الهيئة العامة لمحكمه التمييز بعدم تعيين بدائل عن اعضائها المتقاعدين، لكي لا يتسنى لهذه الهيئه بت دعوى التعليق وبالتالي تأبيدها، وهكذا تضيع حقوق الضحايا بدل الوصول إلى اسقاط الحصانات عن المرتكبين كافة، ومؤدى ذلك عمليًّا هو إلغاء سلطة القضاء ومبدأ فصل السلطات بالكامل واختزال السلطات بالسياسيين الفاسدين، وإلغاء حقوق الانسان المكرسه دستوريًّا وتحولها حقوقًا نظرية مجردة من أي ضمانة. وقد رحب المناوئون للمحقق العدلي في قضيه المرفا طارق البيطار وحماة المصارف بهذا الاستغلال حتى وصلوا إلى اعتبار البيطار مغتصبًا للسلطة بعد اجتهاده لوضع حد لتجميد التحقيق، وتبنى الأمر رئيس حكومة تصريف الاعمال نجيب ميقاتي طالبًا من وزارة الداخليه منع استجابة الضابطة العدلية لأي طلب من قاضٍ مكفوفة يده، وبذلك تحولت ممارسة الإفلات من العقاب حكوميةً وتُفرض بالقوة القاهرة.
ودعا 'ائتلاف استقلال القضاء' القضاة ونقابتي المحامين لوضع حد لهذا العبث ولتعسف بعض المحامين وتعطيلهم القضاء، وقال إنه ارتأى التعاون مع النواب بعد تحول هذه الممارسة حكومية، تعديل 'قانون اصول المحاكمات المدنية' لمنع هذا الاستغلال بالمطالبة بعدم إيقاف دعويَي الرد والمخاصمه الملاحقة الجزائية بمجرد إرادة المدعى عليه، بل فقط في حال تثبُّت المحكمة المختصة من جدية هذه الدعوى. واعتبر 'الائتلاف' هذه المطالبة تعديلًا بسيطًا لكنه يشكل شرطًا لعدم الإفلات من العقاب الذي لم ينجح الحكم لأجل الوصول إليه في استصدار قانون يُعفي أركانه من المحاسبة على عقود من الفساد لكنه يحققه بتعطيل القضاء.
[4] لجنة البندقية هيئة استشارية لمجلس أوروبا بشأن المسائل الدستورية، وهي تتألف من 47 دولة عضوًا في مجلس أوروبا بالإضافة إلى 15 دولة أخرى (الجزائر، البرازيل، كندا، تشيلي، جمهورية كوريا، كوستاريكا، الولايات المتحدة، إسرائيل، كازاخستان، قيرغيزستان، كوسوفو، المغرب، المكسيك، بيرو وتونس)، ومهمتها تقديم النصائح القانونية للدول الأعضاء وفقًا للمعايير والخبرة الدولية في مجالات الديمقراطية وحقوق الإنسان وسيادة القانون.