اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
من نافل القول إن قاطن البيت الأبيض يتحرّك بوتيرة سياسية سريعة، تتخطّى مفهوم البراغماتية التقليدية، ويتعاطى مع الملفات الإقليمية والدولية الشائكة كتعاطيه في ريادة الأعمال. فالرجل صاحب المزاج المتقلّب والسريع الغضب، الذي جاهر مرارًا قبل أشهر بنيّته تهجير الغزيين من القطاع، وتحويله إلى ريفييرا الشرق الأوسط ووجهة سياحيّة عالمية، ها هو اليوم يتأبّط خطة تهدف إلى كبح جماح الحرب بين إسرائيل وحركة حماس، وإحلال السلام والوئام في قطاع غزة الذي أمسى أثرًا بعد عين، بفِعل الحرب الإسرائيلية المدمّرة عليه، وما رافقها من مجازر ترقى إلى حدّ جرائم الحرب.
لا ريب في أن ما بات يُعرف بـ خطة ترامب للسلام في غزة، والتي كشف البيت الأبيض النقاب عن تفاصيلها وبنودها، بالتزامن مع لقاء قائد سفينة العمّ سام مع حليف بلاده الأعز في الشرق الأوسط رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، سَجّلت أهدافًا عدة في مرمى حماس قبل أن تولد، فالخطة انتزعت أقوى ورقة من يد الحركة، لا بل الورقة الأخيرة المتبقية في جعبتها والتي يمكن أن تساوم عليها وهي ملف الأسرى الأحياء والأموات العالقين في شباكها، فضلًا عن تسديد الخطة ضربة قاصمة للحركة، تمثلت في نزع سلاحها، وهو أمر كانت تعتبره حماس خطًا أحمر.
وما يُثبت أن الخطة الترامبية ترجّح كفة الدولة العبرية، موافقة بيبي السريعة عليها، رغم ما تحمله من تداعيات سياسية سلبية داخلية عليه صدّعت ائتلافه الحكومي، فبعض وزرائه اليمينيين المتطرّفين جُن جنونهم من الخطة، وأبرزهم وزيرا المال بتسلئيل سموتريتش والأمن القومي إيتمار بن غفير، وهما لطالما ناديا بمواصلة الحرب على غزة وبإفراغ القطاع من الغزيين، بالتوازي مع ضمّ الضفة الغربية إلى أراضي الدولة الإسرائيلية.
علاوة على ذلك، نجح قائد العالم الحرّ في حشد مظلّة عربية وإسلامية واسعة تدعم خطته، أبرز أركانها مصر وقطر والسعودية وتركيا، وهي خطوة حشرت حماس في الزاوية، ومنحت الدولة العبرية ضوءًا أخضر مسبقًا لمواصلة الحرب على القطاع المنكوب، في حال رفض الحركة الخطة. في الداخل الإسرائيلي، انتقدت أقلام عبرية خطوة رئيس الحكومة، وعَلَت أصوات كثيرة منتقدة له، اعتبرت أن موافقته على خطة ترامب أتت متأخرة، وأن مماطلته وإطالته أمد الحرب وشراءه الوقت لأغراض سياسية، عوامل تسبّبت في سقوط العديد من القتلى الإسرائيليين العسكريين منهم والأسرى، ورأى معارضو نتنياهو أن خطة ترامب التي باركها بيبي، تُسقط النظرية اليمينية الإسرائيلية المتطرّفة التي لطالما نادت بمواصلة الحرب، وتهجير الفلسطينيين من القطاع إلى غير رجعة.
اللواء المتقاعد في الجيش الإسرائيلي يائير غولان كتب في صحيفة هآرتس أن نتنياهو بوقوفه في البيت الأبيض وإعلان موافقته على خطة ترامب، أحيا الحلّ الوحيد الذي يمكن أن يحقق أمنًا طويل الأمد لإسرائيل وهو حلّ الدولتين، معتبرًا أن النَعَم التي قالها رئيس الحكومة لم تكن مجرّد خطوة سياسية، بل كانت اعترافًا صريحًا بانهيار التصوّر اليميني القائم على إمكان تحقيق الأمن من خلال تجاهُل القضية الفلسطينية، أو من خلال القوّة وحدها. وأضاف غولان أن خطة ترامب كان يمكن أن تكون مطروحة على الطاولة قبل عام ونصف العام، لو بادرت إسرائيل إلى ذلك، لكن نتنياهو، الذي فضل الحفاظ على مقعده بدلًا من الحفاظ على حياة الأسرى والمخطوفين، عمل على إحباط أي فرصة جدّية لمثل هذه الخطة.
الصحافي رافيف دروكر كتب في الصحيفة عينها أن الخطة ليست مجرّد عمل هواة فقط، بل عملية دجل، باعتبار أن الوثيقة منحازة لإسرائيل، وتبدو بصمات وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر جليّة عليها، وهي نوع من التقليد لـ صفقة القرن. وأضاف دروكر أن التنازلات الإسرائيلية هي مجرّد تصريحات فقط، وستتحقق في مستقبل غير محدّد، بينما المكافأة التي تنالها إسرائيل فورية. ففي صفقة القرن كان هناك تنازُل عن الضمّ، وهذه المرّة، المقابل الفوري هو الإفراج الكامل عن الأسرى، أمّا إقامة الدولة الفلسطينية ومشاركة السلطة وانسحاب إسرائيل، فهي أمور ستحدث يومًا ما. وأردف الصحافي الإسرائيلي أن كلّ الرسائل عن الضغط الكبير الذي مارسه ترامب على نتنياهو لقبول الخطة ليست سوى هراء، ربّما بغرض خلق إحساس لدى الدول العربية بأنها اقتراح متوازن، والمشكلة أن الدول العربية فهمت الحقيقة منذ القراءة الأولى للوثيقة.
الكاتبان تامير هايمان وعوفر غوتمان وثّقا في معهد دراسات الأمن القومي أن مشكلة الخطة المركزية تكمن في غياب آلية واضحة لتفكيك حماس بالكامل ونزع سلاح القطاع، بما يشمل معالجة الأنفاق والمجموعات المسلّحة الأخرى، فمن الواضح، بحسب الكاتبين، أن قوة الاستقرار الدولية وكذلك القوة الأمنية المحلية التي ستنشأ، وفق نموذج أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، ربّما لن تكون لديهما الرغبة في مواجهة الحركة بشكل مباشر وكامل، أو لا يمكنهما ذلك، وفي أقصى الأحوال، ستقتصر أنشطتهما على عمليات موضعية.