اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة الديار
نشر بتاريخ: ١٨ نيسان ٢٠٢٥
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رتبة سجدة الصليب على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي 'كابيلا القيامة' عاونه فيها المطارنة بولس الصياح، حنا علوان وانطوان عوكر، امين سر البطريرك الأب هادي ضو، رئيس مزار سيدة لبنان_حريصا الأب فادي تابت، ومشاركة عدد من المطارنة والكهنة والراهبات، في حضور حشد من الفعاليات والمؤمنين.
وبعد تلاوة الاناجيل ورتبة سجدة الصليب القى البطريرك عظة بعنوان:'هوذا عبدي الذي اعضده' (اشعيا 42 : 1). قال فيها: 'نبؤة اشعيا هذه تنبّأ بها عن يسوع الذي خدمنا كعبدٍ، مخلصًا ايانا والبشرية جمعاء بآلامه وصلبه. وبهذا اظهر لنا محبته التي لا حدّ لها. رتبة دفن المسيح هي احتفال واقرار بمحبته اللامتناهية. انه العبد المتألم وهو ايضًا العبد المنتصر، كما تنبّأ اشعيا ايضًا : 'هوذا عبدي يوفّق ويتعالى ويرتفع ويتسامى جدًا' (اشعيا 52 : 13). هو الإله خلّصنا بخدمته لنا. خلّصنا مجانًا لأنه أحبّنا اولًا. خدمنا ببذل حياته من اجلنا. حبّه حمله الى تقديم ذاته لأجلنا، حاملًا كل خطايانا وخطايا البشرية جمعاء. والآب عضده في تحمّل آلامه. الرب خدمنا حتى في تحمّل الأوضاع الأكثر ألماً بالنسبة الى من يحب، ونعني بها : الخيانة والتخلّي.
الخيانة
يسوع اختبر الخيانة من التلميذ الذي باعه بثلاثين من الفضّة، ومن التلميذ الذي خانه، ومن الشعب الذي حوّل الهوشعنا بإصلبه (متى 27 : 22)، ومن خيانة السلطة الدينية التي حكمت عليه بالصلب ظلمًا، ومن خيانة السلطة السياسية التي غسلت يديها. وهو الذي بادل بالحب. فكم كان مؤلماً على قلب الله الذي هو الحب حتى النهاية.
فلنلقِ نظرة على ذواتنا، فنجد الكثير من عدم الأمانة، الكثير من الازدواجية. فكم من نوايا حسنة خنّاها ؟ وكم من مقاصد صالحة خنّاها ؟ الرب يعرف قلوبنا احسن منا، ويعرف كم نحن ضعفاء وغير ثابتين. ويعرف كم مرة نسقط وبأي صعوبة ننهض، وكم يصعب علينا الشفاء من بعض الجراح.
لكن الرب يأتي لمعونة ضعفنا، ليشفينا من خياناتنا، كما وعد بلسان النبي هوشع: 'انا اشفيهم من عدم امانتهم، واحبّهم بسخاء' (هوشع 14 : 5). لقد شفانا آخذاً خياناتنا، ومخلصنا منها. وهكذا نرفع نظرنا الى المصلوب ونقول : 'هذه عدم أمانتي، انت أخذتها. وها انت يا يسوع تواصل خدمتك بمحبتي، وتعضدني، وأنا أسير الى الأمام'.
التخلّي
وعاش يسوع التخلّي المرّ من الجميع، فصرخ من على صليبه :'الهي، الهي، لماذا تركتني؟' (متى 27 : 46). لقد تألم من تخلّي خاصته الذين هربوا. ولكن لم يبقَ له إلاّ ابوه. والآن من عميق وحدته، ولأول مرة يسميه 'الهاً' لا 'أبًا'. ويصرخ اليه بصوت عظيم : 'لماذا انت ايضًا تركتني؟'. انهم بالحقيقة كلمات المزمور 22 : 1، اعتمدها يسوع للدلالة انه حمل بصلاته التخلّي الكبير. بل يبقى في الواقع انه اختبر التخلّي الأعظم الذي ذكره الإنجيليون بكلماته الأصلية'.
وتابع: 'لماذا كل هذا؟ مرةً ثانية نقول احتمل هذا التخلّي من اجلنا، من اجل خدمتنا. فعندما نشعر بتخلٍّ، نتذكر ان المسيح اختبر التخلّي الكامل لكي يكون متضامنًا معنا. فعل كل ذلك من اجلي، من اجلك، من اجلنا جميعًا، فعله ليقول لنا : 'لا تخف، لست لوحدك. انا اختبرت كل هذا الألم لأكون دائمًا بقربك'. هكذا خدمنا يسوع حتى احتماله الخيانة والتخلّي، ويقول لكل واحد منا : 'تشجّع! افتح قلبك على حبّي، تشعر بتعزية الله الذي يعضدك. المسيح خدمنا حتى اختبر الخيانة والتخلّي. نحن موجودون في هذا العالم لنحب الله والآخرين. فلا قيمة للحياة إن لم تكن للخدمة. ذلك ان الحياة تُقاس بالحب، كما ان المصلوب يُقاس بمحبة الله لنا. فلنسأل الله نعمة العيش من اجل الخدمة. لقد علّمنا يسوع من على صليبه كيف نحوّل الخيانة والتخلّي بأربعة أمثلة:
- فيما كان صالبوه يغرزون المسامير في يديه ورجليه، كان يسوع يصلي لأجلهم : 'يا أبتِ، اغفر لهم لأنهم لا يدرون ما يفعلون' (لو 23 : 34). هكذا توسّل الى ابيه ملتمسًا الغفران لصالبيه. وارتضى ان يموت عن المجرمين.
- فيما كان المجرمان اللذان صلبا مع يسوع يجدّفان عليه قائلين: 'ان كنت انت المسيح، نجِّ نفسك ونجّنا نحن ايضًا. ثم تاب لص اليمين ووبّخ رفيقه، وقال ليسوع:'اذكرني يا سيّدي متى أتيت في ملكوتك'. فكان جواب يسوع: 'اليوم تكون معي في الفردوس' (لو 23 : 39-54). هذا ثمن التوبة، مصالحة وغفران بدون حدود وبدون سؤال.
- فيما بطرس خان يسوع خوفًا وبكى بكاءً مرًا، وحده يوحنا ظل امينًا حتى الصليب. فلما رآه يسوع مع امه مريم، سلّمها يسوع امومتها ليوحنا، وسلّم يوحنا بنوّته لها :'يا امرأة هذا ابنكِ، ويا يوحنا هذه أمك' (يو 19 : 26-27). فأصبحت مريم، في قمة الألم، ام المسيح الكلي، اي الكنيسة.
- لما مات يسوع، طعنه أحد الجند بحربة في صدره حقدًا، فأجاب يسوع الميت بالدم والماء اللذين سالا من صدره، لجهة قلبه. فكانا علامة حبّه ورحمته (راجع يو 19 : 23 – 24)، التي قرأت فيها الكنيسة علامتي المعمودية (بالماء) والقربان (بالدم). فكان ميلاد الكنيسة من صدر يسوع المطعون بالحربة.
- ولما اجتمع عظماء الكهنة والفريسيون لدى بيلاطس، يطلبون حرسًا على القبر لئلا يأتي تلاميذه ويسرقونه، كان قائد المئة الوثني يعترف، عندما اسلم يسوع الروح وانشق حجاب الهيكل من فوق الى أسفل، اعترف بإيمانه بيسوع قائلاً: 'بالحقيقة ان هذا كان ابن الله' (متى 27 : 50- 54)'.
وختم الراعي: 'فلنصلِ الى المسيح الرب كي يجعلنا نحوّل بالحب والخدمة كل شرّ الى خير، وكي نتتلمذ دائمًا وفي كل لحظة من حياتنا للمسيح المصلوب تكفيرًا عن خطايانا، والقائم من الموت لتبريرنا. له المجد والشكر والتسبيح مع ابيه وروحه القدوس، الآن والى الأبد، آمين'.