اخبار لبنان
موقع كل يوم -نداء الوطن
نشر بتاريخ: ٢٨ نيسان ٢٠٢٥
كتب الأستاذ حازم صاغية بتاريخ السادس من الشهر الحالي مقالاً في 'الشرق الأوسط' بعنوان 'ماذا لو حدث ما لم يحدث؟'، مستعيداً كامب ديفيد واحتلال العراق وتحريره، ومفترضاً أنه لو تعاملت الجامعة العربية بطريقة مختلفة عما هو معروف لكانت الأمور في المنطقة سلكت مساراً مختلفاً، وقد استوحيت من عنوانه هذا المقال مع فارق شقلبة حدث ويحدث ليصبح: ماذا لو لم يحدث ما حدث؟
والمقصود طبعاً ماذا لو لم يحدث 'طوفان الأقصى' الذي أسقط الأذرع الإيرانية الواحدة تلو الأخرى، ونقل لبنان من التبعية لإيران إلى الدولة السيدة على أرضها والتي تحتكر وحدها السلاح للمرة الأولى منذ العام 1965 تاريخ بدء العمل الفلسطيني المسلّح؟
والمفارقة أن 'طوفان الأقصى' لم تفتعله القوى المناوئة لمحور الممانعة سعياً لإسقاط هذا المحور، إنما هو من أعدّ لهذه العملية ظناً منه أنه في وضع متقدِّم يسمح له بتسجيل النقاط على إسرائيل المربكة داخلياً وتشهد تخبطاً غير مسبوق، وفور إتمامها بدأ الحديث عن الهجرة اليهودية المعاكسة والعد العكسي لدولة إسرائيل.
وعلى رغم المآسي التي تخلفها الحروب، إلا أنها غالباً ما تفتح الباب أمام الفرص للتعافي والاستقرار والأمن والتي يستحيل الوصول إليها من دون هذه الحروب، خصوصاً أن العقود الأخيرة قد أثبتت أن التعايش مع محور الممانعة مستحيل، وأن هذا المحور ليس فقط ليس في وارد التخلي عن مشروعه من أجل إرساء الدول الوطنية، إنما عمد إلى تحصينه وتثبيته وتوسيعه، وبالتالي التنويه بما حققه الطوفان ليس من قبيل التشجيع على العنف، لأن العنف مرفوض ويشكل العدو الأول للإنسانية، ولكن التخلُّص من أوضاع مأسوية لا يحصل أحياناً سوى بالأسلوب نفسه، فضلاً عن أن من افتعل الطوفان هو محور الممانعة الذي عليه أن يتحمّل مسؤولية أفعاله.
وهناك من يحلو له القول إن العناية الإلهية وراء 'طوفان الأقصى' كون لبنان يحظى تاريخياً بهذه العناية، إذ في كل مرة وصل فيها البلد إلى مرحلة الاختناق تدخلّت العناية لإنقاذه، ولكن بمعزل عن ذلك، فإن كل ما يقوم على الحرب لا يذهب إلا بالحرب، ومحور الممانعة الذي كان يلعب على حافة الهاوية كان لا بدّ من أن يسقط فيها في يوم من الأيام، لأن لعبة الحرب يمكن أن تخرج، في أي وقت، عن قواعد اللعبة، وهذا ما حصل، ولكن لو لم يحصل ذلك ما الذي كان سيحلّ بلبنان؟
فلو لم يحدث ما حدث في 'طوفان الأقصى' كان استمر الشغور الرئاسي وشل عمل المؤسسات، وكان استمر تآكل الدولة وتمدُّد 'حزب الله' عسكرياً ومالياً، عبر 'القرض الحسن'، وديموغرافياً من خلال اجتياح المناطق، وكان تعمّق يأس اللبنانيين من إمكانية بناء دولة، وكانت الهجرة تواصلت وتضاعفت، وكان 'الحزب' على بعد سنوات قليلة من الإطباق الكامل على البلد، والمواجهة معه كانت نوعاً من قتال تأخيري لمشروعه التهويدي للبنان.
وقد كشفت الحرب وجود تركيبة عسكرية ضخمة لـ'حزب الله'، وصحيح أنها عاجزة عن مواجهة إسرائيل، ولكن لبنان كان عاجزاً أمامها، ولم تكن مراكمة القوة أساساً من أجل مواجهة تل أبيب، إنما الهدف منها استخدام إسرائيل لإحكام السيطرة على لبنان.
كان 'حزب الله' يراهن على عامل الوقت، ولم يكن يتوقّع حرباً مع إسرائيل التي سعى إلى ترييحها بالترسيم، وكان الوضع الذي هندسه بعد حرب تموز 2006 مثالياً ويريده أن يستمر طويلاً، وحتى 'حماس' لم تكن تتوقّع أن تأخذ عمليتها هذا الحجم، ولا أن يكون الردّ الإسرائيلي بهذا الشكل، وبالتالي كان مخطط 'الحزب' الحفاظ على ستاتيكو العداء اللفظي ضد إسرائيل مقابل التمدُّد العملي في لبنان وصولاً إلى الإطباق الكامل عليه من خلال استنساخ تجربة آل الأسد.
لم يكن عامل الوقت لمصلحة لبنان وخصوصيته ودوره، وكان 'حزب الله' يعتبر أن الوقت يعمل لمصلحته، وأنه ليس في حاجة لتسريع عقارب الساعة بانقلاب يلفت الأنظار ويؤدي إلى رد فعل يتجنبه، إنما القوة التي راكمها ستكون كفيلة بتغيير المعطيات الديموغرافية والسياسية، خصوصاً أن الفوضى التي تشكل جزءاً من علة وجوده ستسرِّع في الهجرة وتيئيس الناس ودفعها إلى التسليم بالأمر الواقع.
فلا 'حزب الله' كان يتوقّع زلزال 'طوفان الأقصى' ولا أخصامه، ولكن من الثابت والأكيد والحاسم أنه لولا هذا الزلزال لكان التآكل السرطاني للبنان بصيغته التعددية ما زال مستمراً، وكان بدأ يقترب من القضاء الكلي عليه بتغيير طبيعته وهويته وتركيبته، وبالتالي لولا هذا الزلزال لكان الحلم بدولة وجمهورية وحرية وإنسانية وسيادة واستقرار وازدهار وثقافة حياة، مجرّد وهم وسراب.