اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٤ تشرين الأول ٢٠٢٥
كتب ناصر قنديل في 'البناء':
نجحت قوى المقاومة في غزة ببلورة ردها المدروس على مبادرة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التي تمّ تصميمها لتصفية القضية الفلسطينية أو تغطية استمرار الحرب، حيث تضمّن ردّ حركة حماس بعد مشاورات بين الفصائل الفلسطينية رداً يقول بقبول أهداف الخطة التي تتضمّن وقف الحرب وتحقيق انسحاب الاحتلال من قطاع غزة، والإفراج الفوريّ عن الأسرى الإسرائيليين في قطاع غزة مقابل مبادلتهم بعدد من الأسرى الفلسطينيين، وتسليم السلطة في غزة إلى حكومة من التكنوقراط الفلسطيني برعاية مصرية، وبدء مفاوضات حول القضايا التي لا يمكن حسمها دون تفاوض ودون مزيد من الوقت ومن الاتفاقات، سواء انتشار القوة الدوليّة وتركيبتها وإطار العمل الذي يحكمها، أو مستقبل القضية الفلسطينية وقيام الدولة الفلسطينية وربط مسار التطبيع وحصر السلاح بقيام هذه الدولة، وجاء الردّ السريع الاحتفاليّ في البيت الأبيض على رد حماس باعتباره قبولاً بالخطة التي عرضها ترامب، بما يعني أن ترامب قبل تجزئة الخطة إلى قسمين، قسم فوري تقبله حماس ويريده ترامب بقوة، وقسم مؤجّل منه يتناول مستقبل السلاح الذي تلح عليه “إسرائيل” فوراً، وتعتبره الثمن الذي بدونه لا تقبل وقف الحرب، ما يفتح الباب للتساؤل حول كيفية التصرف الإسرائيلي وتالياً احتمال تغير الموقف الأميركي، والسؤال المهم عن وجود سياق يتيح تقاطع أميركي عربي إسرائيلي فلسطيني عند شكل من أشكال تجزئة الخطة؟
عملياً تشكل موافقة حماس على إطلاق الأسرى الإسرائيليين مقابل وقف الحرب، وقبولها بتسليم فوري للسلطة لحكومة غير تابعة لها إغراء كبيراً لاعتبار ترامب موقف حماس فرصة لا يجب تفويتها، بسبب محورية قضية الأسرى في خطاب ترامب، كما تشكل مصدر الاهتمام الرئيسي للرأي العام الأميركي الداعم لـ”إسرائيل” والرأي العام الإسرائيلي، بما يجعل التعامل السلبي مع رد حماس سباحة عكس تيار الرأي العام الأميركي والإسرائيلي. وهذا ما سوف يقيّد قدرة “إسرائيل” وحكومة بنيامين نتنياهو على رفض الدخول بوقف الحرب دون الحصول على الثمن الكامل الذي تضمّنته نصوص تفاهمات ترامب ونتنياهو، خصوصاً أن الجانب الإسرائيلي يعلم جيداً أن قضايا مثل تشكيل القوة الدولية وتفويضها، والتحقق من أي كلام عن نزع سلاح المقاومة، والكلام الإنشائي عن مستقبل القضية الفلسطينية، وإعادة الإعمار، قضايا لا يمكن تجاهل الشراكة مع الدول العربية والإسلامية فيها، ولذلك لا مصلحة لـ”إسرائيل” بالمضي قدماً في بنود الخطة، ولو كان الثمن هو التغاضي عن عدم الحصول على بند نزع السلاح سياسياً، طالما أنه أمر يصعب تحقيقه عملياً، و”إسرائيل” لا تمانع بالتخلي عن التطبيع إذا كان ثمناً لرفض قيام دولة فلسطينية، وهي أصلاً غير متحمّسة لتدويل غزة، ولا للانسحاب منها، ولذلك سوف تسعى لرسم تصور لحل جزئي لا يمانع بالتقاطع مع الحل الجزئي الذي تعرضه حماس، والتوقف عنده.
“إسرائيل” سوف تربط الانسحاب من قطاع غزة بمستقبل السلاح، كما ربطت حماس مستقبل السلاح بالدولة الفلسطينية، وبالتالي سوف نكون أمام انسحاب جزئيّ للضرورات العسكرية ووقف إطلاق نار جزئيّ أيضاً، بحيث تفتح المعابر جزئياً ويتاح لمن هم في جنوب غزة الحصول على المساعدات دون شمال غزة، لحماية مكتسبات عملية التهجير، وإيقاف عمليات القصف المتواصل لصالح عمليات منتقاة سوف تتواصل لتدمير البنى التحتية للمقاومة واصطياد كوادرها، وهكذا يجري تسويق فكرة استمرار الحرب مع تغيير وتيرتها، وبقاء الاحتلال مع إعادة نشر القوات بطريقة مختلفة، وتقديم استعادة الأسرى كإنجاز بلا ثمن مقابل غير تبادل الأسرى، كما يجري في اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان، حيث توقف من جانب المقاومة ولم يتوقف من الجانب الإسرائيلي، وتموضع الاحتلال ولم ينسحب، وانتقل ملف السلاح إلى معادلات الداخل اللبناني والضغط العربي والغربي المساند لنزع السلاح، بحيث يتم استنساخ نموذج لبنان في غزة، بعكس ما كان بعض اللبنانيين المعادين للمقاومة يأملون استنساخ نموذج غزة في لبنان.