اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ٨ تشرين الأول ٢٠٢٥
شاركت المديرة العامة السابقة لوزارة العدل، القاضية ميسم النويري، والمحامي البروفيسور رزق زغيب في مؤتمر بعنوان 'القضاء ما بين الاستقلالية والقانون'، بدعوة من المؤتمر الوطني اللبناني، وبالتعاون مع معهد العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف في بيروت، وبحضور إعلامي مباشر من تلفزيون 'أم تي في' قبل مداخلة وزير العدل اللبناني عادل أمين نصّار، وقد تمحور السؤال الأبرز في هذا المؤتمر حول استقلالية القضاء بشكل عام، واستقلالية القضاة في ظل السلطة السياسية.
رأت القاضية النويري أنه لا ينبغي الحديث عن استقلالية القضاة، لأنهم جميعًا مستقلون، وفقًا للدستور اللبناني، وللقوانين المرعية، وحتى من الناحية الأخلاقية. فقد شددت في بداية حديثها على االابتعاد عن أسئلة مفروغ منها مثل استقلالية القاضي وأهمية حرية رأيه ونقاوة ضميره وعصاميته ومراجع مراقبته ومحاسبته.
ثم طرحت سؤالًا على الحضور: لماذا يُنظر إلى القضاة على أنهم غير مستقلين بالفعل؟ فجاءت الإجابات متنوعة، منها من اعتبر أن الدستور لا يُطبّق، وآخرون أشاروا إلى غياب المحاسبة، وبعضهم رأى أن هناك قضاة منتسبين سياسيًا، أو أن مقاربة التعيينات القضائية غير سليمة، بالإضافة إلى التبعية الطائفية والسياسية.
ودعت النويري الحضور إلى رد فعل تجاه الممارسات غير السليمة التي يرونها، مؤكدة من جديد أن القانون يضمن استقلالية القاضي، وأن التغيير ممكن إذا تحققت المحاسبة. وشددت على أن المسؤولية تقع على من يسكت عن الخطأ، لا على السلطة السياسية. وطرحت سؤالًا جوهريًا: بما أن القضاة مستقلون في سلطتهم، كيف نقنعهم باستقلاليتهم؟ وكيف ندعم القاضي في ممارسة استقلاليته؟ حتى في ظروفهم الصعبة الأخيرة ولو أن معاشهم تضرر كما تضررت كل معاشات الناس.
وأكدت أن هناك قضاة مستقلين قانونًا، وفقًا للدستور، لكنها لم تنكر وجود من لا يمارسون استقلاليتهم، ولديهم اعتبارات خاصة، معتبرة أن هذا الأمر مرفوض ويجب رفع الصوت حياله لتسليط الضوء على من يحمونهم من السياسيين وتجار المصالح اللذين يستغلون القضاء لخدمة المصالح الخاصة ما يجعل التعيينات القضائية مرتبطة بضغوط المافيات التجارية والسياسية وفي بعض الأحيان المخابراتية.
كما أشارت إلى وجود عدد كبير من القضاة النزهاء، إلا أن وسائل الإعلام لا تسلط الضوء عليهم. كما أنها تحدت وسائل الإعلام 'الحزبية'، بان تسلط الضوء على المخالفات، بخاصة الأكثر فضاحة، ولا تتهاون بكشف المخالفين ومطالبة المراجع المختصة بملاحقاتهم، والقيام بواجب حماية القضاء الشريف النظيف أيضا والذي لايقل أهمية عن تسليط الضوء على المخالفات بهدف نهوض دولة العدل والمؤسسات التي تحترم شعبها. وهذا التحدي الذي أطلقته لم يأت من فراغ، ففي أحد المحطات التلفزيونية تم ّ توقيف مديرته أكثر من مرّة وتهديد المراسلين المتخصصين بالإعلام الاستقصائي...
وأوضحت أن هناك هيئات ذات سلطة، مثل مجلس القضاء الأعلى، وهيئة التفتيش القضائي، والمدعي العام التمييزي، فضلًا عن كل قاضٍ في محكمته ومجال عمله. وبحسب القانون، فإن هيئة التفتيش القضائي مسؤولة عن ملاحقة من لا يلتزمون بواجباتهم. وطرحت من موقعها كقاضية سؤالًا. آخر: هل هناك قاضٍ لم يُلاحق وفق الأصول؟ وهل هناك من ثبتت مخالفته للقانون ولم تتحرك هيئة التفتيش؟ وأجابت من موقعها القانوني أن الرد يجب أن يكون ضمن المعايير القانونية، ومن موقعها كمواطنة لبنانية، قالت إنها تعلم بوجود قضاة يخالفون القانون، لكنها لا تعرف إن كانت هيئة التفتيش قد لاحقتهم أم لا.
ثم توجهت إلى الشعب اللبناني، والمجتمع المدني خاصة، وحتى السياسيين من وزراء ونواب، داعية إلى عدم التزام الصمت حيال أي مخالفة قانونية حصلت أو قد تحصل. وكأنها أرادت العودة إلى إحياء سلطة الشعب وممارستها بإعطاء رأيه ورفض المخالفات القانونية التي تمارس من قبل بعض القضاة واستعمال حق محاسبة القضاة من الشعب مباشرة وكأنها تريد أيضا أن يردد الشعب، عند وقوع الظلم، أن الحكم ليس باسمه وهم براء من حكمهم! وأكدت مرارا وتكرار أهمية وقوف الشعب بجمعياته المدنية المتخصصة والإعلام الاستقصائي بوجههم، وتحركه في التأييد أيضا للقاضي العادل المتضرر كما التشهير والتعيير بالقضاة الفاسدين.
أما البروفيسور زغيب، فاعتبر أنه يجب أولًا تحديد مفهوم استقلالية القضاء كسلطة واضحة، كما ورد في مقدمة الدستور التي تنص على أن النظام قائم على مبدأ فصل السلطات وتوازنها وتعاونها. وبالتالي، فإن القضاء هو سلطة، وهنا يُطرح السؤال: ما مضمون هذه السلطة؟ مضمونها أن القضاة مستقلون في تأدية وظائفهم، والدستور لم يتناول هذه المضمون بشكل مباشر، بل أوكل إلى القانون تحديدها.
وهذا يعني أن السلطة التشريعية هي التي تضع القوانين التي تتضمن الضمانات المطلوبة، والسلطة التنفيذية تمارس رقابتها، لذلك تصدر التشكيلات القضائية بمرسوم. والتعثر الحاصل لا يعود إلى النص، بل إلى من يطبّق النص. بحسب بروفسور زغيب هناك ميزات للقضاء في لبنان:
الميزة الأولى، أن القضاة مستقلون في تأدية وظائفهم، ويصدرون الأحكام باسم الشعب اللبناني، لكنهم لا يخضعون لتسلسل إداري في شؤونهم الحياتية، شأنهم شأن سائر الإدارات والمرافق العامة. الميزة الثانية، أن السلطة القضائية غير مركزية؛ فالسلطة التنفيذية ممثلة برئيس الجمهورية ومجلس الوزراء، والسلطة التشريعية ممثلة اليوم بمجلس النواب، وربما في المستقبل بمجلسين، مع إنشاء مجلس الشيوخ. الميزة الثالثة، أن السلطة القضائية غير منتخبة، ما يجعلها سلطة مناهضة للسلطات المنتخبة، وضمانة لدولة القانون في لبنان، وهذا يتطلب من القاضي سلوكيات معينة للحفاظ على ثقة الشعب بهذه المؤسسة العريقة.
واعتبر أن هذه المؤسسة نشأت منذ عهد المتصرفية، وتربى فيها العديد من القضاة والمحامين على القانون، وصولًا إلى الجمهورية الوليدة، فالانتداب الذي ساهم في بناء مؤسسات قضائية راسخة. وأشار أن المبادئ السليمة والقوانين وبنود الدستور التي تكفل استقلالية القضاء والقاضي هي محترمة في لبنان منذ ما قبل الاستقلال 1943.
ورأى أن القضاء اللبناني متقدم على كافة دول الشرق الأوسط ودوره بارز في حماية الديمقراطية، والجمود الذي يزعج البعض، رغم ما فيه من تزمت أحيانًا، ضروري للمحافظة على الهيبة، ولا يجب للشعب أن يجلد نفسه باعتباره مؤيدا للفساد فالأخير بات أمرا شائعا في العالم كل ه وهذا لا يعذر عدم التركيز على تمتين السلطة القضائية في لبنان وتأمين الأمور المالية والعملانية لحماية كرامة القضاة والقضاء وصحة علاقتهم بالمحامين وبالتالي خدمتهم جميعا لخير الشعب اللبناني العام.
كما أشار إلى أن لبنان دولة في طور الاكتمال، ولم تعرف ظاهرة 'القضاء المهداوي'... لكنها بعد عام 2005 والمحطة الخطيرة التي مرّ بها لبنان، زاد تأثير الأحزاب والطوائف في البلد وأصبح كل منها وصيا على الشعب والموظفين، وبالتالي على القضاة المنتمين إليها. وهذا قد شكل تحديًا كبيرًا للقضاء ما زال قائما إذ لا يجوز استباحة مؤسسات الدولة بحجة تمثيل حزب ما أو طائفة ما. والخلل المشكو منه والمعيق لقيام دولة القانون يعود إلى حرب 1975 وتأثير الأحزاب والميليشيات، وحكم الوصاية على القضاة...
كما شدد على أن القضاء والمؤسسة العسكرية هما المؤسستان الوحيدتان اللتان تُعتبران إلى حدٍّ ما بمنأى عن هذه التدخلات السافرة.. وقال أيضًا إن القضاء، بأغلبية قضاته، يعمل وفق المبادئ الأساسية، وأهمها الاستقامة، والأخلاق، والعلم، والشجاعة، ليكون سدًّا منيعًا أمام أي تدخل. وأكد أن الشعور العام السائد اليوم لا يعكس بالضرورة الحقيقة، ففي أغلب المحاكم، وخصوصًا المدنية، لا تزال الأحكام تصدر باسم الشعب اللبناني، لا باسم أصحاب النفوذ. أما التدخلات التي تُسجَّل في بعض المحاكم الأخرى، فيمكن معالجتها من خلال سلوك القاضي نفسه.
بما يخص القانون الأخير المقترح لاستقلالية القضاء، والذي أعاده رئيس الجهورية لمجلس النواب، أصر د. زغيب على أن هذا الموضوع جوهري بين السلطات الدستورية وبأنه بالرغم من استقلالية السلطات الثلاث إلى أن الدستور يؤكد على تعاونها، وهنا ركز على الأهمية القصوى لوجود وزير العدل كمدافع عن حقوق وواجبات سلطة القضاء في الحكومة وبالوقت نفسه ضامنا بأن لا تقف سلطة القضاء المستقلة ضد الحكومة بما يخص سياستها بالتشريع العام.
لميس شقير