اخبار لبنان
موقع كل يوم -أي أم ليبانون
نشر بتاريخ: ١٧ حزيران ٢٠٢٥
كتب نخلة عضيمي في 'نداء الوطن':
إثباتاً على ذلك، لم تنضج بعد التعيينات المالية ولم تتمكن الاتصالات من تأمين حلقة تعيين نواب حاكم المركزي وأعضاء لجنة الرقابة على المصارف. فكيف يمكن وصف تعيينات لا يقبل الرئيس نبيه بري بها، إلا إذا تم تثبيت وسيم منصوري نائباً للحاكم، في ظل عقبة أخرى تتمثل بإصرار النائب السابق وليد جنبلاط على أن تكون له اليد الطولى في اسم العضو الدرزي؟
وكيف يمكن التباهي بتعيينات مع رفض بري أيضاً، أي مناقشة في اسم المدعي العام المالي متمسكاً بالقاضي زاهر حماده كمدع عام؟
على كل حال، ورغم تبنّي حكومة الرئيس نواف سلام منذ انطلاقتها خطاباً إصلاحياً وإعلانها الالتزام بالشفافية والكفاءة في التعيينات، كشفت سريعاً آلية تعيين موظفي الفئة الأولى المعتمدة انحرافاً عن أهدافها. فقد باتت هذه الآلية واجهة شكلية لتغطية قرارات محسومة سلفاً في وقت يتم فيه الالتفاف على دور الهيئات الرقابية والإدارية، وعلى رأسها مجلس الخدمة المدنية . وبدلاً من أن يكون للمجلس دور حقيقي في اختيار المرشحين، تقلّص دوره إلى المشاركة الصورية في لجان تقييم شكلية، بينما يظل قرار التعيين النهائي خاضعاً للمساومات السياسية. وقد أكّدت مصادر مطلعة أن لجنة آلية التعيينات التي ضمّت رئيسة مجلس الخدمة ووزراء معنيين أجرت مقابلات ورفعت نتائجها إلى مجلس الوزراء، لكن الاعتراضات برزت حول كيفية عرض الأسماء على الوزراء أثناء الجلسة للتصويت. هذه الممارسة أثارت تساؤلات حول جدية عمل لجنة آلية التعيينات وشفافية الإجراءات المتبعة.
كما أنّ بعض التعديلات على الآلية سمح للوزراء والجهات النافذة بالتدخل المباشر في الترشيحات. فمثلاً، في إحدى عمليات التعيين تسرّبت معلومات عن تخفيض المعدّل المطلوب لاجتياز المرشحين لمعايير آلية التعيين، وذلك لإضافة أسماء مرغوبة سياسياً إلى لائحة الترشيحات. واعتُبر هذا الإجراء “تحايلاً” على الآلية، بحيث يتم تعديل الشروط كلما احتاج الأمر لإدخال مرشح محسوب على جهة معينة.
كذلك تحوّلت بعض التعيينات إلى تحاصص مقنّع داخل إطار الآلية. إذ باتت أسماء المرشحين المفضلين للأطراف النافذة تُسرَّب وتُفرض عملياً قبل بدء الإجراءات، فتأتي نتائج الآلية كتحصيل حاصل وفق التسويات المسبقة. في ما يلي أبرز الأمثلة على ذلك:
هذه التعيينات، وغيرها، وإن تم تمريرها شكلياً عبر لجان الآلية والإجراءات المعلنة، إلا أن نتيجتها محسومة مسبقاً بالتفاهمات السياسية. وبالتالي تنتفي فعلياً قاعدة تكافؤ الفرص التي يفترض أن تضمنها الآلية، ويتم الاختيار على أساس التوزيعات السياسية والطائفية.
المحاصصة تطال الهيئات الناظمة أيضاً
لم يقتصر تكريس هذا النهج على تعيينات الإدارات والمؤسسات العامة التقليدية، بل تمدّد ليشمل الهيئات الناظمة. فرغم إعلان الحكومة أنها أطلقت هيئات ناظمة لقطاعي الاتصالات والكهرباء وستعيّن أعضاء مجالس إدارتها قريباً، تفيد المعلومات المتداولة أنه يجري التداول بأسماء محسوبة على مرجعيات سياسية محددة لملء بعض مقاعد تلك الهيئات. على سبيل المثال:
إن عودة نهج التعيين على هذه الشاكلة في هذه الهيئات التنظيمية يفرغها من دورها الإصلاحي. فالقوانين التي أنشأتها هدفت إلى تحرير القطاعات من هيمنة الدولة والأحزاب وإشراك القطاع الخاص على نحو شفاف، وقد حذّرت جهات دولية مانحة كالبنك الدولي من هذا التوجه، إذ ترى أنه يقوّض أي إصلاح حقيقي ويبدّد الثقة، حتى أنها لمحت إلى احتمال إعادة النظر بالدعم في حال تمادت التدخلات السياسية في تشكيل الهيئات.
يتضح مما سبق أن آلية التعيينات التي رُوِّج لها قد تحوّلت إلى وسيلة لتكريس الأعراف القديمة بأساليب جديدة.
بالنتيجة، الأسماء التي عُيّنت تأتي انعكاساً لموازين القوى داخل الحكومة وخارجها، لا ثمرة منافسة شفافة.
في المحصلة إن استمرار هذه المنهجية يُكرّس حالة الشلل في الإدارة العامة، ويبدّد ثقة اللبنانيين بأي إصلاح. فطالما أن ذهنية المحاصصة تطغى على مبدأ الكفاءة وسيادة القانون، ستبقى مؤسسات الدولة رهينة الترضيات وليس الاستحقاقات. وعليه، فإن أي حديث عن الإصلاح الإداري يبقى مجرد شعار فارغ ما لم يقترن بإرادة سياسية حقيقية لكسر قاعدة التعيينات التقليدية. وفي غياب تلك الإرادة، لن تكون آلية التعيينات سوى ورقة توت تُخفي نظام محاصصة مقنع سيؤدي حتماً إلى إفراغ الدولة اللبنانية من مضمونها المؤسساتي والإصلاحي.