اخبار لبنان
موقع كل يوم -جنوبية
نشر بتاريخ: ١٢ نيسان ٢٠٢٥
تشهد أروقة النظام الإيراني موجة غير مسبوقة من الخلافات الداخلية، تكشف عن هشاشة متزايدة في بنيته السياسية، بالتزامن مع قرار طهران استئناف المفاوضات النووية غير المباشرة مع الولايات المتحدة. ورغم احتكار الولي الفقيه للنظام الإيراني، علي خامنئي، لصلاحيات السياسة الخارجية، فإن أصواتًا من داخل معسكره باتت تشكك صراحة في شرعية وجدوى هذه الخطوة، في مؤشر على تراجع هيبته داخل النظام نفسه.
فقط قبل شهرين، كان خامنئي قد وصف التفاوض مع واشنطن بأنه “غير ذكي، ولا حكيم، ولا شريف”، لكن اليوم تُستأنف المحادثات رسميًا في سلطنة عمان، ما أثار دهشة أجنحة واسعة داخل النظام، ودفع شخصيات رفيعة إلى إعلان معارضتها علنًا.
جواد لاريجاني، أحد أبرز منظّري النظام والمقرّبين من خامنئي، صرّح في مقابلة تلفزيونية يوم 10 أبريل قائلاً: “كان يمكننا تبادل الرسائل، فما الداعي للقبول بالتفاوض؟… سيقولون الآن: جئت بإيران إلى طاولة المفاوضات حتى بعد قتل قائدكم!”، في إشارة إلى اغتيال قاسم سليماني على يد الولايات المتحدة عام 2020. وأضاف بتحدٍّ: “لن نتنازل حتى بمقدار ضئيل عن قدراتنا النووية… لن نخفض الشعلة حتى”.
إقرأ أيضا: هجوم ناري من «الشيعي الأعلى» على «المنظمات المشبوهة»: لن نسكت بعد اليوم
من جهته، قال محمد إسلامي، رئيس منظمة الطاقة الذرية، عبر التلفزيون الرسمي: “لقد تجاوزنا جميع الخطوط الحمراء التي فُرضت علينا”، في تصريح هدفه تهدئة القواعد المتشددة بعد تصاعد الغضب الشعبي ضد المفاوضات. وبينما يراها الغرب فرصة لخفض التوتر، تؤكد تصريحات إسلامي أن النظام يتفاوض من موقع التحدي، بعد أن قطع شوطًا كبيرًا في تطوير برنامجه النووي.
وفي 11 أبريل، قال أحمد علم الهدى، ممثل خامنئي في مشهد، بلهجة قاطعة: “سواء كانت المفاوضات مباشرة أو غير مباشرة، فهي مرفوضة… إنها تتعارض مع عزتنا الوطنية”.
وفي كرج، ألقى الملا محمد مهدي حسيني همداني خطبة الجمعة قائلاً: “نحن نتفاوض من موقع قوة”، لكنه أضاف فورًا: “العدو يريد النيل من ثقة الناس بالنظام”، في اعتراف ضمني بضعف الجبهة الداخلية.
أما حسين شريعتمداري، رئيس تحرير صحيفة “كيهان”، فسعى لتقليل وطأة الاعتراضات، قائلاً: “لو لم يكن القائد موافقًا، لما جرت المفاوضات”، لكنه حذّر في الوقت ذاته من تجاوز الخطوط الحمراء خلال التفاوض.
علي شمخاني، المسؤول الأمني السابق، حاول اعتماد نبرة معتدلة فقال: “عراقجي يذهب بصلاحيات كاملة، لكننا نسعى لاتفاق حقيقي وعادل، لا استعراض إعلامي”.
وفي خطبة الجمعة بمدينة شيراز، شدد الملا لطف الله دزکام على أنّ “جميع المسؤولين، من الرئيس إلى وزير الخارجية، يجب أن يلتزموا بتوجيهات القائد”، محذرًا من أن تغيّر الأساليب لا يعني التخلي عن مبدأ الطاعة الكاملة.
في طهران، قال كاظم صديقي: “لقد أصبحت إيران دولة نووية، وهذه الصناعة أصبحت محلية بالكامل… لا مجال لأي مفاوضات يمكن أن تغير هذه الحقيقة أو تسلبنا قدراتنا النووية”.
إقرأ أيضا: انتهاء الجولة الأولى من المباحثات.. عراقجي: قابلت ويتكوف فترة وجيزة والأجواء إيجابية
أما في همدان، فقد عبّر الملا حبيبالله شباني عن قلقه من أن تتحول المفاوضات إلى أداة للصراع الداخلي، محذرًا من “الاستقطاب السياسي داخل البلاد”.
غير أن القلق الحقيقي عبّر عنه محمد فاطمي، خطيب الجمعة في شهرکرد، بقوله: “رغم أن القائد والشعب لم يخافوا من الحرب، إلا أن الخشية كانت من الفتنة الداخلية، ومن أن يستغلّ البعض شعار (لا نريد الحرب) لإثارة الفوضى”.
إنّ تسريب هذه الانقسامات إلى الإعلام الرسمي ومنابر صلاة الجمعة، يُعدّ بحد ذاته تطورًا لافتًا. فبينما تواصل الشخصيات الدينية والسياسية إعلان الولاء لخامنئي في ظاهر الأمر، تكشف الوقائع عن تآكل سلطته الفعلية، في ظل أزمة اقتصادية خانقة، وتزايد الغضب الشعبي، وتراجع قدرة النظام على الحفاظ على جبهته الداخلية.