اخبار لبنان
موقع كل يوم -ام تي في
نشر بتاريخ: ٢٨ تموز ٢٠٢٥
محزن أن يتحول رحيل أيقونة وأسـطورة بحجم زياد الرحباني إلى مادة جديدة للانقسام بين اللبنانيين. لكن الأزمة ليست في زياد، بل فينا نحن. نحن الذين اعتدنا أن ننقسم على كل شيء، حتى على من وحّدنا بفنه وصوته وكلماته في أصعب لحظات تاريخنا.
زياد لم يكن مجرد موسيقي أو كاتب مسرحي. زياد كان ثائرًا بالفن، متمرّدًا بالكلمة، ساخرًا من السياسة والسياسيين في وقت كان فيه الكلام مكلفًا. من مسرحياته التي أصبحت جزءًا من وجدان اللبنانيين مثل بالنسبة لبكرا شو وفيلم أميركي طويل ونزل السرور إلى ألحانه التي كسرت القوالب التقليدية مثل معزوفة أبو علي، كان زياد دائمًا يحكي بلسان الناس البسطاء.
موسيقاه كانت مزيجًا عبقريًا بين الشرق والغرب، بين الجاز والألحان الشرقية، بين الحداثة والتراث. زياد خلق لونًا موسيقيًا خاصًا به، لونًا يعبّر عن لبنان المختلف والمتنوع. موسيقاه تعيش معنا حتى اليوم، في المقاهي، في المسارح، وفي ذاكرة أجيال لم تعش زمن الحرب لكنها تعرّفت على الحرب من خلال ألحانه وكلماته.
أنا عمر حرفوش، كنت وما زلت متأثرًا بزياد الفنان، زياد المبدع، وليس زياد الذي يحاول كل طرف اليوم أن يلبسه الثوب الذي يناسب مصالحه. زياد لم يكن يومًا أداة بيد أي حزب أو طائفة، بل كان مرآة لكل اللبنانيين. في موسيقاه ومسرحه، تجد السني والشيعي والمسيحي والدرزي، تجد اللبناني بكل تناقضاته وجماله ووجعه.
فن زياد لم يكن هروبًا من الواقع، بل مواجهًا له. عبر موسيقاه ومسرحه، فضح الفساد، سخر من الطائفية، وصرخ بوجه الأنظمة الفاشلة. في زمن كان فيه الخوف سيّد الموقف، تجرأ زياد على قول ما لا يُقال.
في أعماله نرى لبنان الحقيقي، لبنان الذي يحب الحياة لكنه محاصر بالحروب والانقسامات. زياد وضع مرآة أمامنا، وأجبرنا أن نرى أنفسنا كما نحن، بكل ما نحمله من أمل ودمار في الوقت نفسه.
فلنتفق أن زياد أكبر بكثير من أن نضعه في خانة سياسية أو اجتماعية ضيقة. لكن نحن كلبنانيين، للأسف، نبحث دائمًا عما يفرّقنا. ننقسم على الفن، على الدين، على السياسة، وحتى على الموت. في وقتٍ بلدنا ينهار، الفساد يستشري، حكامنا ما زالوا أنفسهم، وأموالنا محجوزة، نحن نضيع وقتنا في جدالات فارغة بدل أن نتوحد على ما يمكن أن ينقذنا.
رحيل زياد يجب أن يكون مناسبة للالتقاء، لا للتفرقة. زياد كان وسيبقى أكبر من كل الخلافات. زياد هو لبنان الحقيقي، لبنان الفن، الحرية، والإبداع.
أليس الأوان أن نتعلم من زياد؟ أن نبحث عن ما يوحدنا بدل ما يفرقنا؟ أن نبني وطنًا بحجم أحلامنا وبحجم موسيقى زياد؟
إذا كان رحيل زياد لا يوحدنا على كلمة واحدة، فمتى سنتوحد؟ رحل زياد بالجسد، لكنه ترك لنا موسيقى وكلمات ستبقى تنبض فينا، وتذكرنا بأن لبنان يمكن أن يكون أجمل إذا أحببناه كما أحب زياد فنه وناسه.