اخبار لبنان
موقع كل يوم -صحيفة الجمهورية
نشر بتاريخ: ١٩ أيار ٢٠٢٥
على وقع الجولة الثالثة وما قبل الأخيرة من الانتخابات البلدية والاختيارية التي شملت بيروت والبقاع، استمرت الأوساط السياسية في تتبّع نتائج جولة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الخليجية، وما يمكن أن يليها على مستوى تعاطيه مع قضايا المنطقة، وذلك على وقع انتظار ما يمكن الموفدة الأميركية مورغان اورتاغوس أن تحمله لدى زيارتها لبنان في وقت لاحق من هذا الأسبوع، وسيكون مرتبطاً على الأرجح بخلفيات المواقف التي أعلنها الرئيس الأميركي من الرياض.
وتلقى حزب الكتائب هزيمة قاسية في الانتخابات البلدية في مدينة زحلة، بعد خسارته في معظم المناطق اللبنانية، ممّا أضعف رصيده التمثيلي على المستوى المحلي عن دورة العام 2016 الأخيرة. وكانت خسارته الكتائب في زحلة صبّت في صالح حزب القوات اللبنانية الذي فاز بلائحة مكتملة في المدينة البقاعية.
تترقّب الأوساط السياسية ما سيتلقفه لبنان من نتائج، بعد اللقاءات الأميركية - السعودية - السورية، بمشاركة تركية في الرياض. وتبدي خشيتها من تداعيات سلبية على الوضع اللبناني إذا لم تحسم الحكومة اللبنانية خياراتها في ما يتعلق بالملفات التي تطرحها إدارة دونالد ترامب، بدءاً برؤيتها لتطبيق قرار وقف النار، وصولاً إلى خيارات التسوية والحلول السلمية مع إسرائيل.
وتتوقف مصادر سياسية عبر «الجمهورية»، عند مؤشر ظهر قبل يومين وربما يكون ذا مغزى سياسياً خاصاً، وهو فرض واشنطن عقوبات جديدة على «حزب الله» وبيئته. فتوقيت هذه العقوبات، في نظر المصادر، مدروس لتوجيه رسالة إلى «الحزب»، ومن خلاله إلى الحكومة اللبنانية، مفادها أنّ مسار الانفراج الذي يبديه عدد من الأطراف الإقليميين استعدادهم للانخراط فيه، لا تسري مفاعيله على لبنان بالضرورة، وعلى العكس قد يؤدي إلى رفع مستوى الضغط على الحكومة اللبنانية و«الحزب» اللذين عليهما أن يتلقفا الرسالة الأميركية على محمل الجدّ.
المعادلة الزمنية
إلى ذلك، قالت مصادر مطلعة لـ«الجمهورية»، إنّ الموقف الإقليمي والدولي في التعاطي مع لبنان يركّز على المقايضة بين حصرية السلاح وإعادة الإعمار، وذلك وفق معادلة زمنية. ويرى أصحاب هذا الموقف انّه يجب أن يتمّ الضغط على «حزب الله» لكي يبادر إلى القبول بهذه الحصرية، لأنّه إذا ماطل ربما يكون يراهن على الوقت لحصول متغيّرات في الظروف الداخلية والإقليمية والدولية، تمكّنه من التملّص من أي التزام في هذا الصدد.
وأضافت هذه المصادر، انّ رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون يتعاطى مع هذا الملف بهدوء بما لا يؤدي إلى حصول أي صدام حوله. لكن قسماً من السلطة وقوى سياسية يقاربون هذا الملف بطريقة مختلفة، ويعتبرون أنّ الظروف في المنطقة تغيّرت، وأنّه يجب الاستفادة من الدعم الأميركي لإقفال هذا الملف ووضع حدّ للتفلّت الإسرائيلي.
ولكن المصادر نفسها أكّدت أنّ «حزب الله» أبدى مرونة وانفتاحاً لمعالجة هذا الامر، كذلك أكّد الانفتاح على العرب وتشجيع حضورهم إلى لبنان، بدليل ما أعلنه أمينه العام الشيخ نعيم قاسم في إطلالته الأخيرة، مؤكّداً «الحرص على مصالح العرب في مقابل حرصهم على مصالحنا». وأشارت إلى انّ «حزب الله» هو في موقع المعتدى عليه وهناك قسم من الارض ما زال محتلاً ويعمل الإسرائيلي على تحويله منطقة عازلة، ما يدلّ إلى انّه سيستمر في احتلاله خلافاً لوقف النار وللقرار الدولي 1701.
لا يجب التسرّع
وأكّد الرئيس عون العائد من الفاتيكان بعد مشاركته في الاحتفال بانطلاق البابا لاوون الجديد في عمله الحبري، أنّه «لا يمكن حصر موضوع السلاح ضمن مدة زمنية، ولا يجب العمل بتسرّع»، مشدّدًا على «أنّ الحوار يحلّ كل المشكلات وليس فقط موضوع السلاح».
وعن زيارة أورتاغوس للبنان، قال عون: «نتواصل مع أميركا دائمًا من أجل الضغط على إسرائيل»، مشيرًا إلى «أننا نتوقع زيارة من أورتاغوس إلى لبنان». وقال إنّ «رفع العقوبات عن سوريا خطوة جبّارة ومقدّرة ولها تبعات إيجابية على سوريا ولبنان»، أضاف: «أزيلت الأسباب التي فرضت على السوريين النزوح إلى لبنان، ونحن نعمل مع الدولة السورية وبالتعاون مع المنظمات الدولية من أجل عودة النازحين إلى سوريا، ويجب العمل على إعادتهم». وأكّد أنّ «الحدود اللبنانية ـ السورية تحت سيطرة الجيش اللبناني بالكامل».
وقال عون في مقابلة مع قناة «ON TV» المصرية عشية زيارته إلى القاهرة، إنّ «مصر تلعب دورًا قياديًا في المنطقة، وهي تتفهم ظروف لبنان». وأشار إلى أنّ «مصر شريك أساسي في المحافظة على الاستقرار»، مضيفًا: «سنبحث مع الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي العلاقات الثنائية والتطورات في المنطقة، وسنبحث في ملف إعادة الإعمار وملف الطاقة ودعم الجيش وزيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب».
إلى ذلك، شدّد عون على «أننا عدنا إلى العالم العربي»، موضحًا أنّ الدول تريد الإصلاحات الاقتصادية والاستقرار الأمني لعودة الاستثمارات. وكشف «أننا نتوقع رفع حظر السفر عن السعوديين قريبًا».
وعن العلاقة مع إيران، أوضح أنّه «لدينا علاقة ديبلوماسية جيدة مع إيران. وإذا وصلت المفاوضات الأميركية- الإيرانية إلى نتيجة فإنّ ذلك سيؤثر على المنطقة ولبنان»، وقال: «طلبنا من الإيرانيين أن يكون تواصلهم مع الدولة. ولا نقبل بتدخّل أي دولة بالشؤون الداخلية».
وأكّد عدم التزام إسرائيل باتفاق وقف إطلاق النار، مشيرًا إلى استمرار الاتصالات الديبلوماسية من أجل الضغط على إسرائيل. مشددًا على أنّ احتلال إسرائيل للنقاط الخمس يمنع انتشار الجيش اللبناني على الحدود. وقال إنّ «مسألة التطبيع مع إسرائيل غير موجودة، ونسعى إلى اتفاقية هدنة»، لافتًا إلى «أننا طالبنا بمفاوضات غير مباشرة برعاية أميركية في شأن الحدود البرية كما حصل في الحدود البحرية»، موضحًا أنّ التركيز على السلاح يتركّز على جنوب الليطاني. وأضاف: «حزب الله يمثل شريحة لبنانية، وهناك رسائل تُنقل بيننا في إطار موضوع السلاح»، مشيرًا إلى أنّ وضع «حزب الله» الأمني لا يسمح بعقد لقاءات، مضيفًا: «من حق حزب الله المشاركة السياسية لكن السلاح بيد الدولة». وأشار إلى أنّه سيتمّ البحث في موضوع سلاح المخيمات الفلسطينية مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
وقد عاد عون واللبنانية الاولى السيدة نعمت عون من روما مساء أمس، بعدما حضرا القداس الحبري الاول للحبر الأعظم البابا لاوون الرابع عشر، كما قدّما إليه التهاني بانتخابه على رأس الكنيسة الكاثوليكية. ومن المقرّر أن يغادر عون اليوم إلى القاهرة في زيارة رسمية تلبية لدعوة نظيره المصري.
الانتخابات البلدية
على صعيد الانتخابات البلدية، أُقفلت صناديق الاقتراع في محافظات بيروت، البقاع، وبعلبك - الهرمل، بعد يوم انتخابيّ طويل لاختيار المجالس البلدية والاختيارية، اتّسم بأجواء تنافسية تفاوت خلالها الإقبال بين المناطق، وسُجّلت فيه بعض الإشكالات الإدارية المحدودة، فيما غابت الحوادث الأمنية الجدّية. وبلغ عدد الشكاوى الواردة إلى وزارة الداخلية 387 معظمها شكاوى إدارية تمّت معالجتها.
ووفق النسب الأولية، بلغ عدد المقترعين في محافظات بيروت، البقاع وبعلبك - الهرمل، في الإنتخابات البلدية والاختيارية، بحسب أرقام وزارة الداخلية والبلديات: بيروت: 21.03%، زحلة: 46.25%، البقاع الغربي: 42.95%، راشيا: 37.06%، الهرمل 35.70%، بعلبك: 48.81%.
وفيما بدأت نتائج الانتخابات بالظهور ابتداءً من ليل أمس، يُنتظر ان تصدر نتائج بلدية بيروت ومختاريها اليوم، في وقت ستصدر نتائج بلديات المدن الكبرى والبلدات البقاعية ايضاً وتباعاً. وقد دلّت النتائج الاولية في بيروت التي جاءت نتائج الاقتراع فيها متدنية، إلى تقدّم للائحة «بيروت بتجمعنا» التي ترفع شعار المناصفة في المجلس البلدي الجديد على بقية اللوائح، وهي لائحة يدعمها النائب فؤاد مخزومي وثنائي حركة «أمل» و«حزب الله» و«التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» و«الحزب التقدمي الاشتراكي». فيما فازت لائحة «قلب زحلة» التي تدعمها «القوات اللبنانية» على اللائحة المنافسة «رؤيا وقرار» التي يدعمها رئيس حزب الكتائب سامي الجميل.
سلام واثق
وأكّد رئيس الحكومة نواف سلام أنّ «الانتخابات البلدية والاختيارية هي عملية إنماء لبيروت». وقال، بعد الإدلاء بصوته في بئر حسن ومن ثم جولته على عدد من مراكز الاقتراع حاضاً على كثافة الاقتراع: «أنا واثق أنّ أهلي في المدينة سيضمنون تمثيل الجميع في المجلس البلدي»، لافتاً إلى أنّ «بيروت بحاجة إلى الإنماء، وحيادية الحكومة في الانتخابات تأمّنت وخياري كمواطن هو لإنماء المدينة».
وأضاف: «أحضّ الجميع على الإقبال على الاقتراع»، مشدّداً على أنّه «يجب أن نتعلّم من الأخطاء التي ارتُكبت في طرابلس والشمال»، معتبراً أنّ «تأخّر عملية الفرز في بيروت أمر وارد لكن ليس كثيرًا».
وقال عن نسبة الاقتراع المنخفضة: «هذا واقع، ولكن لا نزال في فترة قبل الظهر، نأمل أن ترتفع نسبة الاقبال، فهذه الفرصة الوحيدة لأهالي بيروت كي يعبّروا عن خياراتهم الإنمائية. وأناشدهم مرّة ثانية الإقبال على التصويت بكثافة، فبيروت في حاجة إلى إنماء كبير في كل ما يتعلق بشؤونها الحياتية، من زحمة السير إلى الحفر إلى النفايات وغيرها من القضايا التي تدخل في نطاق العمل البلدي».
وعن المحافظة على التنوع في بيروت أشار سلام إلى أنّ «تاريخ المدينة يشير إلى محافظتها على التنوع وما يهمّه هو أن يتمثل الجميع في المجلس البلدي كما يجب»، معتبراً أنّ «بيروت كانت تاريخياً حاضنة للجميع وستبقى كذلك، وأنا على ثقة بأنّ الجميع سيتمثل في المجلس البلدي».
وعن الفيديوهات الاستفزازية التي انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي تدعو إلى عدم السير بالمناصفة، اجاب سلام: «هذه فيديوهات استفزازية وهدفها مغرض».
سئل: هل التحدّي تأمين المناصفة او إنماء حقيقي وفاعل لبيروت؟
فأجاب: «لماذا يجب ان يتناقض هذان الهدفان؟ لا تناقض بينهما ابداً».
وزير الداخلية
وفي ختام المرحلة الثالثة من الانتخابات البلدية التي جرت امس في البقاع وبعلبك الهرمل وبيروت، اكّد وزير الداخلية أحمد الحجار «اننا لم ننهِ بعد توزيع مراكز الاقتراع في الجنوب»، مشدّداً على «انّ تأكيد السيادة يكون بإنجاز العملية الانتخابية في الجنوب كله». واضاف: «سنواكب العملية الانتخابية في الجنوب قبل وأثناء وبعد ولن نترك أهلنا». وقال: « اليوم الانتخابي كان جيداً، وهناك مركز اقتراع واحد لا تزال العملية الانتخابية مستمرة فيه». ولفت إلى انّ عمليات فرز الأصوات في بيروت تتمّ على أحسن ما يرام، وهناك رضى تام من المندوبين. كما انّ الاشكالات تمّت معالجتها وتمّ ضبط عمليات رشاوى وتوقيف عدد من الاشخاص.
بيروت والمناصفة
وأكّدت أوساط سياسية بيروتية لـ«الجمهورية»، انّ المحك الأساسي بالنسبة إلى انتخابات بيروت هو إيصال مجلس بلدي على أساس المناصفة التي شكّلت هاجساً ضاغطاً رافق العملية الانتخابية حتى إقفال صناديق الاقتراع.
وأشارت الأوساط إلى «انّ تحقيق المناصفة اذا حصل سيشكّل انتصاراً وطنياً وسيغطي على نسبة الاقتراع المنخفضة، علماً انّ هذه النسبة قريبة من تلك التي سُجّلت عام 2016 حين كان تيار «المستقبل» لا يزال حاضراً في المعادلتين السياسية والانتخابية».
ونبّهت الاوساط إلى «انّ أي إخفاق في ضمان المناصفة سيؤدي إلى تسعير الجمر الطائفي وسيعزز الهواجس المشروعة وغير المشروعة وسيؤجج الخطاب المتطرّف وسيعطي الداعين إلى تقسيم العاصمة بلدياً ذريعة للتمسك بطرحهم ولمحاولة تشريعه من خلال الدفع نحو تعديل قانون الانتخابات البلدية». واعتبرت «انّ نتائج معركة العاصمة وسياقاتها ستخضع إلى التشريح لدى القوى السياسية، للبناء على المؤشرات والاستنتاجات المستقاة، في إطار الاستعداد للاستحقاق النيابي في ايار 2026».