اخبار لبنان
موقع كل يوم -المرده
نشر بتاريخ: ٢٦ حزيران ٢٠٢٥
رغم كل التفاخر الذي يُكثر منه الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالضربات الأميركيّة التي استهدفت البرنامج النووي الإيراني، ورغم مسارعة رئيس حكومة كيان الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى إعلان النصر، فقد حفلت الدوائر الغربية، إضافة إلى التشكيك بحجم نجاح الضربة الأميركية والتساؤل حول صحة مزاعم نتنياهو بالنصر، بنقاش مستفيض لواقع ما بعد الحرب قوامه تأكيد أن الحاجة ملحّة لاقناع إيران بالعودة إلى المسار التفاوضي، وربما يكون كلام الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الأشدّ وضوحاً في التعبير عن القلق من الفراغ التفاوضيّ، ومثله مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية رافاييل غروسي القلق من القرار الإيراني بتعليق التعاون مع الوكالة، وجوهر التساؤل هو أن إيران مهما كان حجم الضرر في منشآتها النووية، قد تتجاهل الحاجة لإعادة تشغيل المفاعلات بسرعة توازي سرعتها في تشغيل أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم على نسبة مرتفعة ومراكمة مخزون يضاف إلى مخزون مقلق بقي سليماً لديها، وبصورة لامركزية موزعة على مساحة إيران القارية، والمساحات المطلوبة لمنشآت صغيرة للتخصيب لا تتعدّى مئات الأمتار، وليست إيران بحاجة لامتلاك سلاح نوويّ لكن يكفي أنها تمتلك ما يكفي لتحقيق ذلك تقنياً ومادياً، وسوف تمتلك منه المزيد وتقوم بحمايته بعيداً عن عيون جواسيس الوكالة وعيون الترصّد الاستخباريّ وتوزيعه على مئات النقاط.
كان الرهان دائماً على جلب إيران للتفاوض الهادف لفرض قيود على برنامج إيران النووي مقابل رفع العقوبات عن اقتصادها، يقوم على ثنائية فرض العقوبات والتلويح بالحرب، وبعدما جربت إيران التوصل إلى اتفاق تنازلت عن الكثير من حقوقها لإثبات صدقية التزامها بأهداف سلميّة لبرنامجها، لم تستطع الحصول على رفع كامل لكل العقوبات يشمل كل دول الغرب، رغم مرور ثلاث سنوات على الاتفاق قبل أن ينسحب منه الرئيس ترامب، وعندما اقتربت من تحقيق ذلك انسحب ترامب وسقط الاتفاق عملياً، ولذلك تبدو جاذبية رفع العقوبات محفوفة بالشكوك، والتهديد بالعقوبات بالمقابل قد استنفد قدرته، بعدما تعرّضت إيران إلى أشدها قساوة منذ العام 2018 وتأقلمت معها وهي تواصل بناء اقتصادها وقدراتها في ظل العقوبات، وحل التلويح بالحرب مكان التهديد بالعقوبات المطبقة فعلياً، ولعله لم يخرج تصريح أميركي من الرئيس ترامب وسواه تحدث عن رغبة بالحل بالتفاوض إلا وكانت خاتمته القول إن خيار الحرب على الطاولة، حتى في ذروة الانخراط في المفاوضات، لكن الحرب صارت اليوم مثل العقوبات، بل أقل منها، فهي خرطوشة أطلقت وانتهت، بينما تملك العقوبات صفة الاستدامة، لذلك يصبح السؤال الملحّ على الغرب، هو ما دمنا لا نستطيع إغفال خطورة انهيار التفاوض، فكيف نجلب إيران للتفاوض مجدداً، وقد دمّرت الحرب هذه الفرصة.
غالباً عندما يكون المطلوب دفع أثمان عدم تحقيق الحرب لأهدافها، لا يدفع الشريك الأقوى في الحرب هذه الأثمان، بل يمدّ يده إلى جيب الشريك الأضعف، وفي الحالة الأميركية الإسرائيلية، يقلق قادة الكيان بقوة من تدفيع «إسرائيل» الثمن، وثمة قضيتان تتمسك إيران بوضعهما على الطاولة التي تمهّد العودة الى المفاوضات تتصلان بـ»إسرائيل» مباشرة، وقد أظهر وقف النار الذي صاغه الرئيس ترامب بعد الضربة الإيرانية لقيادة قواته الإقليمية في قاعدة العديد في قطر، أن سعي واشنطن لتفادي منازلة تنتهي بحرب لا تريدها ولا تتحمل تبعاتها على الداخل الأميركي ولا على الاقتصاد الأميركي ولا على الخطط الأميركية على الساحة الدولية، دفع بواشنطن لوضع تل أبيب بين خيارين هما، أن تذهب واشنطن لوقف النار منفردة، كما فعلت مع اليمن، أو أن تأتي «إسرائيل» معها، وكانت النتيجة هرولة «إسرائيل» لوقف النار، وإيران لا تنفك تقول إن إنهاء الحرب على غزة بيد واشنطن وإن إيران لا تستطيع الحديث عن اتفاق نوويّ كأنه يجري في المريخ بينما هو يجري في ظل مذبحة مستمرّة بحق الشعب الفلسطيني، وإيران اليوم بعد تعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية تتحدّث في العديد من مستويات القرار السياسي فيها، عن الحاجة الملحّة لوضع البرنامج النوويّ الإسرائيلي العسكري تحت رقابة الوكالة كي تستردّ الوكالة بعض المصداقية وتستحقّ النظر إليها كفريق أممي نزيه يمكن التعاون معه.
بينما يحتفل نتنياهو بالنصر، يسقط جنوده في غزة برصاص المقاومة وتفشل خططه هناك، وتصير حربه بلا أفق وعبئاً على حكومات الغرب أمام شعوبها الغاضبة، ويصبح الحديث بعدما فقدت الحرب قوة الضغط على إيران، عن إقناع طهران بأن إخضاع برنامجها النووي لشروط إضافية ومراقبة معززة ليس استهدافاً لها، مشروطاً بإضافة جملة إلى الدعوة للتفاوض، تقول إن المطروح عليها يمثل تطبيقاً لدفتر شروط يشمل كل دول المنطقة وخصوصاً «إسرائيل».