اخبار لبنان
موقع كل يوم -جريدة اللواء
نشر بتاريخ: ١٨ حزيران ٢٠٢٥
نوال أبو حيدر
على مدار سنوات طويلة، عانى المزارعون اللبنانيون في مختلف المناطق من تحدّيات متزايدة أثّرت بشكل كبير على حياتهم وعملهم اليومي. فقد واجهوا ظروفاً قاسية من ارتفاع تكاليف الإنتاج، وتقلّبات أسعار المحاصيل، ونقص الدعم الحكومي الفعّال، بالإضافة إلى تأثيرات التغيّر المناخي التي زادت من صعوبة زراعة الأرض والمحافظة على المحاصيل. هذه المعاناة لم تقتصر فقط على الجانب الاقتصادي، بل امتدت لتشمل الأثر النفسي والاجتماعي على المزارعين الذين رأوا جهودهم تضيع دون جدوى وسط غياب خطط إنقاذ واضحة واستراتيجيات مستدامة تدعم الزراعة وتضمن استقرارهم المعيشي. إن قصصهم تعكس صراعاً يومياً من أجل البقاء والاستمرار في مهنة تُعدّ من أهم الركائز التي تعتمد عليها المجتمعات في تأمين الغذاء والمحافظة على التراث الزراعي.
في ظل تفاقم الأزمات الزراعية وتدهور الأوضاع في القطاع بشكل عام، عبّر مزارعو منطقة البقاع عن غضبهم الشديد واستيائهم من غياب أي خطة إنقاذ حقيقية تُعنى بإنقاذ القطاع الزراعي من الانهيار المستمر. حيث يعاني المزارعون من مشاكل متعددة تشمل ارتفاع تكاليف الإنتاج، خاصة أسعار الأسمدة والمبيدات، إلى جانب نقص في مصادر المياه والري بسبب تغيّر المناخ وضعف البنية التحتية.
كما يعاني المزارعون من تراجع في أسعار المحاصيل الزراعية مقارنة بتكاليف زراعتها، مما دفع العديد منهم إلى التوقف عن العمل أو تقليص مساحات الأراضي المزروعة. إضافة إلى ذلك، يواجه القطاع صعوبات في تسويق المنتجات الزراعية، نتيجة غياب آليات دعم حكومية فعّالة وسياسات تشجيعية تحمي المنتج المحلي من المنافسة الخارجية.
مزارعو البقاع طالبوا الجهات المعنية بوضع خطة عاجلة لإنقاذ القطاع، تتضمن دعم مباشر للمزارعين، تحسين شبكات الري، توفير تمويل ميسر، وتأمين برامج تدريبية حديثة لتحسين الإنتاجية والجودة. كما شدّدوا على أهمية تحديث القوانين الزراعية وتنظيم السوق بما يضمن استقرار الأسعار ويعزز القدرة التنافسية للمنتجات الزراعية اللبنانية.
في النهاية، أكد المزارعون أن استمرار تجاهل مشاكل القطاع الزراعي سيؤدّي إلى تدهور أكبر، وربما خسارة كبيرة في الإنتاج الغذائي المحلي، مما سيزيد من الاعتماد على الاستيراد ويؤثر سلباً على الأمن الغذائي الوطني. لذلك، دعا المجتمع الزراعي الجميع إلى التعاون والعمل الجاد لإعادة القطاع إلى مساره الصحيح وضمان استدامته.
أسباب شحّ المياه في القطاع الزراعي؟!
في هذا السياق، يؤكد وزير الزراعة الدكتور نزار هاني، لـ«اللواء» أن «أسباب شح المياه تعود إلى عوامل متعددة، أبرزها التغيّر المناخي وما يرافقه من تراجع كميات الهطول السنوية وعدم انتظامها، الاستنزاف العشوائي للمياه الجوفية دون رقابة كافية، ضعف البنية التحتية للري وسوء إدارة الموارد المائية، خصوصاً في المناطق الزراعية الكبرى مثل البقاع، غياب التخزين الكافي لمياه الأمطار وعدم استثمار الإمكانات الطبيعية مثل إنشاء برك وسدود صغيرة».
هل ثمة خطط استراتيجية لمعالجة هذا النقص؟
من هنا، يشرح هاني أن «وزارة الزراعة، وضمن خطتها الوطنية، تعمل على تعزيز استخدام أنظمة الري الحديثة (كالري بالتنقيط والري الذكي) من خلال برامج دعم موجهة، كما والتعاون مع وزارة الطاقة والمياه والمشروع الأخضر لتطوير البنية التحتية للري وإنشاء برك جبلية وخزانات، أضف إلى تشجيع زراعة الأصناف المقاومة للجفاف وتحفيز التكيف الزراعي مع التغيّرات المناخية».
تكاليف الإنتاج ودعم الزراعة
في سياق متصل، يرى هاني أن «ارتفاع تكاليف الإنتاج (بسبب ارتفاع أسعار المحروقات، الأسمدة، البذور، والمبيدات) يُعتبر من أبرز التحديات أمام المزارعين اليوم، حيث تقلّصت هوامش الربح بشكل كبير، ما دفع الكثير منهم إلى خفض الإنتاج أو هجر الأراضي الزراعية، ووزارة الزراعة قد اتخذت عدة خطوات، بدءاً من تأمين دعم مباشر ضمن برامج تعاون مع جهات مانحة، لتقديم (مساعدات عينية) أسمدة، أعلاف، بذور، إطلاق مشاريع بالشراكة مع مؤسسات دولية لتقديم منح صغيرة للمزارعين، وتخفيف الكلفة من خلال البرنامج الوطني للإرشاد الزراعي وتقنيات تحسين الكفاءة الإنتاجية وتقليل الفاقد».
إذ يتابع: «تخفيف الكلفة يكون من خلال البرنامج الوطني للإرشاد الزراعي وتقنيات تحسين الكفاءة الإنتاجية وتقليل الفاقد. فالإجراءات المتبعة تشمل خطة وطنية للدعم الزراعي ترتكز على 5 محاور: الدعم المباشر، الإرشاد، التسويق، الري، والبحث، توسيع رقعة التعاونيات الزراعية وتفعيلها كوسيط لتأمين مدخلات بأسعار أقل وتسويق المنتجات، إطلاق برنامج تعويضات بالتعاون مع الهيئة العليا للإغاثة في حال الكوارث الزراعية الناتجة عن عوامل طبيعية، وإجراء مسوحات دورية للأضرار ورفع التوصيات للجهات المانحة لتقديم تدخّلات سريعة».
هل هناك برامج لتعزيز استخدام التقنيات الحديثة في الزراعة؟
تحت هذا العنوان المهم، يقول هاني: «نعم، وقد بدأت الوزارة فعلياً بعدة برامج، منها، مشروع التحوّل إلى الري الذكي بدعم من منظمات دولية، وتشمل أجهزة استشعار رطوبة وتطبيقات الهاتف لإدارة الري، إدخال تقنيات الزراعة الدقيقة في بعض المشاريع النموذجية بالتعاون مع الجامعات ومراكز الأبحاث تدريب المزارعين على أفضل الممارسات الزراعية (Good Agricultural Practices - GAP)، تشجيع الزراعة المغلقة والبيوت البلاستيكية الذكية التي تساهم في ترشيد استهلاك المياه وزيادة الإنتاج».
ماذا عن التعاون بين القطاعين العام والخاص لدعم المزارعين؟
في هذا الخصوص، يوضح هاني أن «الوزارة تُؤمن بأن التكامل بين القطاعين العام والخاص هو مفتاح الحل، وهي تسعى إلى عقد شراكات إنتاج وتسويق بين المزارعين والقطاع الصناعي لتحفيز الزراعة التعاقدية، توسيع مشاركة القطاع الخاص في مشاريع البنى التحتية الريفية وتكنولوجيا الزراعة، تشجيع المبادرات الاستثمارية في الصناعات الغذائية التحويلية المرتبطة بالإنتاج المحلي، وإطلاق «المنتدى الوطني للزراعة المستدامة كمنصة تشاركية بين القطاعين بهدف وضع سياسات طويلة الأمد»».
هل توجد مبادرات لتعزيز تسويق المنتجات الزراعية وفتح أسواق جديدة لتقليل الخسائر؟
عليه، يشدّد هاني على أنه «بالفعل، قد تم اتخاذ خطوات ملموسة منها إعادة تفعيل الاتفاقيات الزراعية الثنائية وفتح خطوط تصدير جديدة، خاصة إلى الدول العربية، إطلاق منصات إلكترونية للتسويق المحلي، بالشراكة مع جمعيات المجتمع المدني والتعاونيات، تنظيم المعارض الزراعية لربط المنتجين بالمستهلكين والمؤسسات التجارية، و تشجيع العلامات التجارية الزراعية اللبنانية وتعزيز الجودة والشهادات ISO, Global -GAP».
السياسات الحكومية الحالية... كيف تؤثر على القطاع الزراعي؟
يختم هاني: «القطاع الزراعي تأثّر بتداخل الصلاحيات والضعف في التخطيط المتكامل، ولكن، وزارة الزراعة تعمل حالياً على إصلاح مؤسساتي شامل يُعيد الاعتبار للقطاع عبر خطط متكاملة مع الوزارات الأخرى، يجري العمل على مراجعة السياسات الزراعية والتشريعات لتحسين البيئة القانونية للمزارعين. ومن ضمن أولوياتي كوزير للزراعة في لبنان، تحديث قانون الزراعة، تسريع تطبيق الاستراتيجية الزراعية الوطنية 2020-2025، كما وبدء إعداد الخطة الوطنية للزراعة 2026 – 2035، إرساء أسس الزراعة المستدامة والمربحة، و تعزيز الدور السيادي للوزارة في ضبط الجودة والرقابة وسلامة الغذاء».