اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شهاب للأنباء
نشر بتاريخ: ٤ أيار ٢٠٢٥
خاص _ شهاب
وسط حرارة الصيف المتصاعدة، تتفاقم مأساة إنسانية صامتة في قطاع غزة، حيث يواجه السكان خطرًا متصاعدًا يتمثل في نقص حاد لمياه الشرب، بعد أن توقفت محطات التحلية الواحدة تلو الأخرى بسبب انقطاع الوقود اللازم لتشغيلها.
منذ أكثر من أسبوع، يعيش أكثر من مليوني إنسان في غزة ظروفًا حياتية قاسية مع استمرار إغلاق المعابر التجارية، وحرمان القطاع من إدخال الوقود والمساعدات، ما أدى إلى توقف العديد من المرافق الأساسية، وعلى رأسها محطات تحلية المياه.
ومع كل يوم يمر، تزداد احتمالية حدوث انهيار كامل في منظومة توفير المياه، ما يُنذر بكارثة صحية واجتماعية تهدد الجميع، لا سيما الأطفال والمرضى وكبار السن.
قلوب تنتظر قطرة ماء
في حي الرمال، يخرج النازح أبو أحمد عبد القادر من منزله مع أذان الفجر، يحمل ثلاث جالونات فارغة، ويسير على قدميه إلى أقرب محطة مياه متنقلة، يقف في طابور طويل ممتد، يأمل أن تصل إليه شاحنة مياه في وقت مبكر قبل نفاد الكمية.
يقول عبد القادر خلال حديثه لـ شهاب: 'أقف أحياناً أكثر من أربع ساعات، وأعود خائبًا، دون أن أتمكن من ملء جالون واحد، نعيش عطشًا حقيقيًا، الأطفال يستيقظون من النوم وهم يسألون: هل وصل الماء يا أبي؟ ولا أملك إجابة'.
ويتابع بصوتٍ مختنق: 'الوضع ينهكنا نفسيًا وجسديًا حتى الماء، أبسط مقومات الحياة، بات صعب المنال'.
في مشهد مشابه، في حي الشيخ رضوان، يصف المواطن أحمد عبد العال معاناته قائلًا: 'نضع الجالونات في طابور منذ السادسة صباحًا، ننتظر الشاحنة التي ربما تصل، وربما لا، الأزمة تتفاقم، والماء أصبح عبئًا ثقيلًا على الجميع، نحن نعيش بلا كهرباء، بلا وقود، والآن بلا ماء، إلى متى؟'.
أرقام باهظة وحاجات لا تُلبّى
محمد الرفاتي، وهو سائق شاحنة مياه متنقلة، يتحدث عن الضغوط التي يواجهها في ظل الارتفاع الجنوني في أسعار الوقود، قائلًا: 'كنا نشتري لتر السولار بـ20 شيكلًا، والآن وصل إلى 80 شيكلًا في السوق السوداء، هذا أدى إلى ارتفاع سعر كوب المياه ليصل إلى 100 شيكلًا، وقد يتجاوزها، بينما قدرة الناس الشرائية في أدنى مستوياتها'.
ويضيف بحزن خلال حديثه لـ شهاب: 'كثير من العائلات لا تستطيع دفع هذه المبالغ، نحن نُجبر على رفع الأسعار، ليس جشعًا، بل لأننا غير قادرين على تغطية التكاليف، إذا استمر هذا الوضع، سأتوقف عن العمل، كما فعل كثيرون'.
محطات التحلية تُصارع من أجل البقاء
من داخل إحدى محطات التحلية، يقول محمد أبو عودة، المدير المالي لشركة 'عبد السلام ياسين': 'نشتري السولار من السوق السوداء بأسعار مُضاعفة، ونعاني أيضًا من نقص قطع الغيار بسبب منع دخولها منذ بداية العدوان، المحطة تعمل بنصف طاقتها، وقد تتوقف كليًا خلال أيام، نعجز عن تلبية احتياجات الناس'.
ويضيف خلال حديث خاص لوكالة 'شهاب' : 'المشكلة لا تتعلق فقط بالماء، بل بتفشي الأمراض، خاصة في أوساط الأطفال، نتيجة استخدام مياه غير صالحة للشرب، نحن نطلق نداء استغاثة إنساني، لا سياسي، من أجل إنقاذ الناس من الموت عطشًا'.
أما عادل عطالله، مدير محطة 'قطرات الوادي'، فيحذر من شلل وشيك في عمل محطته، ويقول: 'إذا لم يتم إدخال السولار خلال أسبوع، سنتوقف تمامًا، هذا يعني أن عشرات الآلاف من العائلات ستُحرم من المياه، يجب التعامل مع أزمة المياه كقضية إنسانية عاجلة، لا تحتمل التأجيل أو التسييس'.
وسط كل هذه التفاصيل اليومية الموجعة، يصرخ القطاع بصوت خافت لا يسمعه العالم جيدًا، المياه ليست ترفًا، بل حياة، حين يُحرم الإنسان من حقه في شربة ماء نظيفة، تتحطم كل صور الكرامة والإنسانية.
الناس في غزة لا يطلبون المستحيل، فقط يريدون العيش بكرامة، فقط يريدون شربة ماء نظيفة، فقط يريدون أن يستيقظ أطفالهم دون صراخ العطش، دون الطوابير، دون الجالونات الفارغة.