في إطار الجهود المستمرة لتعزيز نظام الضمان الاجتماعي في لبنان، شهدت الفترة الأخيرة تطورات ملحوظة تهدف إلى تحسين الخدمات المقدمة للمضمونين وتوسيع نطاق التغطية الاجتماعية. وأعلن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي مؤخرًا رفع التعرفات الاستشفائية للأعمال الجراحية المقطوعة إلى 90%، والدوائية (المزمنة والسرطانية المستعصية) إلى نسب تتراوح بين 80% و95%، لتعود إلى مستويات ما قبل الأزمة.

كيف ستكون طريقة التعويض عن الأدوية غالية الثمن؟

في مقابلة مع موقع المنار، أوضح الدكتور محمد كركي، المدير العام لمؤسسة الضمان الاجتماعي، أن كافة الأدوية المسجلة في وزارة الصحة خضعت لإعادة تسعير بناءً على سعر الحبة الأقل تكلفة.

وأشار كركي إلى أن وزارة الصحة، بعد رفع الدعم عن حوالي 90% من أدوية الأمراض السرطانية وشرائها عبر مناقصات، سيتم تأمين هذه الأدوية لجميع اللبنانيين، بمن فيهم المضمونون، للأدوية التي يتجاوز سعرها 200 دولار أمريكي. وستستمر هذه الآلية حتى 30 أبريل 2024.

وأضاف أنه بعد هذا التاريخ، سيعود الضمان لتغطية أدوية الأمراض السرطانية بالنسب المذكورة سابقًا، مشيرًا إلى العمل على توسيع التغطية لتشمل الأدوية الأخرى بمجرد توفير التدفقات المالية.

كما كشف كركي عن نية الإدارة رفع مساهمتها في تغطية شرائح الأدوية الأخرى، لا سيما أدوية الأمراض الحادة، بناءً على الإيرادات المنتظرة مع بداية العام.

التباين بين تسعيرة المستشفى وتسعيرة الضمان الرسمية

لطالما عانى اللبنانيون من عدم التزام بعض المستشفيات بالتسعيرات الرسمية للضمان الاجتماعي. وفي هذا الإطار، أوضح كركي أن بعض المستشفيات في بيروت وجبل لبنان تستمر في فرض فروقات مالية كبيرة على المضمونين.

وأكد أن مثل هذه المخالفات ستواجه بعقوبات تشمل وقف السلفات، فسخ العقود، وإحالة المخالفات إلى مديرية التفتيش والمراقبة. كما أشار إلى أن حوالي 70% من مستشفيات الجنوب والشمال والبقاع تلتزم بالتسعيرة الرسمية.

وفي إطار تحسين التغطية، ذكر كركي أن الصندوق نفذ عددًا من الإجراءات، منها:

– زيادة بدل جلسات غسيل الكلى بمقدار 60 ضعفًا مقارنة بعام 2019، لتصل إلى حوالي 6 ملايين ليرة لبنانية.

– رفع التعرفات الطبية للأطباء: 2,000,000 ل.ل. للطبيب الأخصائي و1,300,000 ل.ل. للطبيب العام.

– تغطية أمصال علاج غسيل الكلى والعلاج الشعاعي بمبلغ 90 مليون ل.ل.

– عملية تنقية الدم من الكوليسترول (APHERESIS-LDL): 76 مليون ل.ل.

– دفع جلسات العلاج الكيميائي للمستشفيات خلال شهر من تقديمها للصندوق.

– تسديد سلفات مالية عن معاملات الاستشفاء للأعمال الجراحية المقطوعة.

– تسديد مستحقات المستشفيات لعلاج مرضى غسيل الكلى خلال شهر.

العلاقة بين شركات الأدوية والصيدليات

تحدث الدكتور عباس فرحات، صاحب صيدلية في بيروت، عن عودة الطريقة التقليدية للتعامل مع شركات الأدوية، حيث يمكن للصيدلي شراء البضاعة لصيدليته دون الحاجة إلى دفع الفواتير مباشرة، مع الاتفاق على مدة للسداد.

وأشار فرحات إلى أن استقرار سعر صرف الدولار ساهم في استعادة هذه الآلية، بعدما كانت شركات الأدوية تلزم بالدفع الفوري خلال فترة عدم استقرار العملة.

كيف ارتفعت أسعار الأدوية وكيف نشأت الأزمة؟

ألقت الأزمة الاقتصادية التي عصفت بلبنان في السنوات الماضية بظلالها على جميع القطاعات. فقد أدى انهيار قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار إلى ارتفاع أسعار كافة البضائع والواردات بشكل ملحوظ.

وكان للقطاع الصحي، بما في ذلك الأدوية، نصيب كبير من هذه المشكلة. إذ إن غياب استقرار سعر صرف الدولار لأكثر من 3 سنوات أدى إلى زيادة كلفة استيراد الأدوية، ما انعكس سلبًا على المرضى والصيدليات.

كما أعلنت الدولة رفع الدعم عن معظم أدوية الأمراض المزمنة، في محاولة لتخفيف الضغط على الخزينة العامة. وخلال تلك الفترة، ظهرت حركة احتكار للأدوية من قبل بعض الشركات والمستوردين، الذين استغلوا الأزمة لرفع الأسعار بشكل جنوني.

ومع الارتفاع الكبير في الأسعار، اعتمد الضمان الاجتماعي تعديل التسعيرات بشكل تدريجي. لاحقًا، قام بمراجعة تسعيرات الأدوية والخدمات الطبية بما يتناسب مع ارتفاع سعر الدولار، وذلك بهدف تأمين تغطية أكبر للمضمونين. إلا أن هذه الزيادة لم تكن كافية لتعويض كامل التكاليف، مما اضطر العديد من المضمونين إلى دفع الفروقات بأنفسهم.

واليوم، يشهد الصندوق الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي إصلاحات جادة وتغيرات جوهرية. فهل ستثمر هذه الجهود في تحسين القطاع الصحي بشكل ملموس؟ وهل ستلتزم المستشفيات بالتسعيرة الرسمية الصادرة عن مؤسسة الضمان الاجتماعي؟

المصدر: موقع المنار