اخبار سوريا
موقع كل يوم -درج
نشر بتاريخ: ٨ أيار ٢٠٢٥
تُظهر وثائق رسمية حصل عليها فريق سراج، أن فارس الجدعان، ابن شقيق زوجة ماهر الأسد، كان يمتلك حصة الغالبية في شركة 'أفكار'، التي منحها الاتحاد السوري لكرة القدم حقوق الإعلان والتسويق الحصرية لجميع المسابقات المحلية، وجميع البطولات الإقليمية والدولية، كما منحت 'أفكار' حصة كبيرة غير معتادة بلغت 35 في المئة من إيرادات أنشطتها التسويقية، ما أهّلها للحصول على حصةٍ كبيرة من دخل الاتحاد السوري لكرة القدم.
عندما مَنَحَ الاتحاد السوري لكرة القدم صفقة تسويقية لشركة ناشئة في دمشق في عام 2019، بدت الشروط مواتية للغاية للشركة التي كانت غير معروفة في السوق.
ولم يكن للشركة، وهي شركة 'أفكار' للخدمات الفنية والبصرية والإعلانية، أي موقع على شبكة الإنترنت، ولم تترك سوى بصمة رقمية أو إعلامية ضئيلة.
لكن الاتفاق مع الاتحاد السوري لكرة القدم أعطى الشركة حقوق الإعلان والتسويق الحصرية لجميع المسابقات السورية المحلية، والمنتخبات الوطنية والأولمبية، بالإضافة إلى جميع البطولات الإقليمية والدولية.
كما أعطى العقد، الذي مُنح من دون مناقصة، شركة 'أفكار' حصةً كبيرةً غير معتادة بلغت 35 في المئة من إيرادات أنشطتها التسويقية، ما أهّلها للحصول على حصةٍ كبيرة من دخل الاتحاد السوري لكرة القدم. ووصف حسام معسعس، المستشار القانوني للاتحاد آنذاك، شروط الصفقة بأنها 'كارثة' على الاتحاد.
خلف الكواليس، كان نفوذ ماهر الأسد، شقيق الرئيس السابق بشار الأسد، عاملاً أساسياً في إتمام الصفقة لصالح 'أفكار'، بحسب ما قاله ثلاثة أشخاص مشاركين في الصفقة للوحدة السورية للصحافة الاستقصائية – سراج (SIRAJ)، شريك مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP).
تُظهر وثائق رسمية حصل عليها فريق التحقيق، أن فارس الجدعان، ابن شقيق زوجة ماهر الأسد، كان يمتلك حصة الغالبية في شركة 'أفكار'. وقال كلٌّ من معسعس، ورئيس الاتحاد السوري لكرة القدم وقت إبرام الصفقة، ومدير العلاقات العامة السابق لـ'أفكار'، لسراج أن روابط عائلة الجدعان بماهر الأسد كانت السبب في منح العقد.
وقال محمد فادي الدباس، الرئيس السابق للاتحاد السوري لكرة القدم، الذي وقع الصفقة مع شركة 'أفكار'، إن الاتحاد تلقى 'تعليمات' من مكتب الفرقة الرابعة، مضيفًا أن 'من لا يلتزم بالتعليمات سيفقد رأسه'.
وأضاف الدباس، 'لو لم أوقع على هذه الوثيقة، لكنت أٌرسِلت إلى صيدنايا'، في إشارة إلى السجن سيئ السمعة شمال دمشق، حيث كان نظام الأسد يحتجز ويعذب السجناء ويعدمهم.
لم يرد مالك الشركة فارس الجدعان على طلبات التعليق، ونفى والده، باسل الجدعان، أن تكون صلة عائلته بزوجة ماهر الأسد هي سبب منح العقد لـ'أفكار'، قائلاً: 'لا صحة لأي افتراءات وادعاءات تتصل بمعلومات مزعومة لديكم، بأنه تمت الاستفادة من علاقة القرابة بيني وبين شقيقتي… في أي قطاع حكومي أو خاص'.
وقالت ريما حداد، المديرة التنفيذية لشركة 'أفكار' وقت إبرام العقد، إنها لم تكن على علم بأي ضغوط من الفرقة الرابعة، ورفضت فكرة أن نفوذ ماهر الأسد كان السبب في منح العقد، ووصفتها بأنها 'زَعم باطل كلياً'.
وأضافت أن 'الشركة لم تحظَ بأي دعم سيادي أو غطاء من متنفذين في أي مرحلة من مراحل تعاقدها مع اتحاد كرة القدم وحتى تاريخ انتهاء العلاقة'.
ولم يتسنّ الوصول إلى ماهر الأسد، الذي لا يزال مكان وجوده غير معلوم حتى الآن، للتعليق بعد سقوط النظام السوري في 8 كانون الأول/ ديسمبر 2024 وفرار رأس النظام بشار الأسد إلى موسكو.
أدى انهيار نظام الأسد إلى تفكيك شبكة محسوبية لطالما استفاد منها عناصر من داخل النظام. وقد طوّرت الفرقة الرابعة المدرعة، إحدى أقوى الوحدات العسكرية السورية بقيادة ماهر الأسد، شبكةً لصوصيةً من المصالح التجارية في مجالات مثل المعادن والتبغ وتهريب الأسلحة. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات على هذه الوحدة عام 2020، والاتحاد الأوروبي عام 2023.
فارس الجدعان ليس معروفًا في سوريا، لكنه ابن شقيق زوجة ماهر الأسد، الذي فرض عليه الاتحاد الأوروبي عقوبات بسبب استفادته من نظام الأسد وارتباطه الوثيق به.
أكد غيث حرفوش، مدير العلاقات العامة السابق لشركة 'أفكار'، لصحافيي سراج حصول ضغوطات من اللواء غسان بلال، مدير مكتب الأمن في الفرقة الرابعة، المدرج على قائمة العقوبات الأميركية، إذ 'لولا هذا لم يكن ليتم توقيع العقد، ولم تكن تحلم أي شركة بأن تحصل على عقد كهذا'.
ولم يتسنَّ الوصول إلى بلال للتعليق.
وقال معسعس، المستشار القانوني السابق، للصحافيين، إن الاتحاد كان يتفاوض من 'موقف أدنى' خلال مفاوضات العقد لعام 2019.
ويضيف:'أدركت منذ الاجتماع الأول أن العقد أشبه بعقود الإذعان: نحن أفكار نريد أن نأخذ حصة منك (من الاتحاد العربي السوري لكرة القدم)، سواء أعجبك ذلك أم لا' في إشارة إلى نوع من العقود الموقعة بين طرفين يتمتعان بقوة تفاوضية غير متكافئة.
ميزانية الجيش للرياضة السورية
لم يكن عقد اتحاد كرة القدم السوري
مع شركة 'أفكار' هو التدخل الوحيد للفرقة الرابعة في المجال الرياضي. فقد عثرت ربى الحسيني، مراسلة وكالة فرانس برس، في مكتب غسان بلال، بعد سقوط الأسد، على مذكرة داخلية للجيش السوري بتاريخ 26 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، تتضمن طلب 3.5 مليار ليرة سورية (نحو 269 ألف دولار أميركي) من ماهر الأسد لتغطية عقود اللاعبين والمدربين في فرق كرة القدم وكرة السلة السورية. وكان هذا المبلغ جزءًا من مخصصات الميزانية السنوية للجيش السوري.
وقال صلاح رمضان، رئيس الاتحاد السوري لكرة القدم من عام 2022 إلى عام 2024، إنه عندما تولى منصبه، قيل له أن يكون حذرًا عند التعامل مع الجدعان، الذي كانت صلاته العائلية 'معروفة' وقت توقيع العقد.
وتبين أن حصة الـ35 بالمئة من الإيرادات التي حصلت عليها 'أفكار' في العقد المبرم مع الاتحاد السوري لكرة القدم كانت مثيرة للجدل بشكل خاص.
وقال عبد الفتاح التلجبيني، الخبير السوري في إدارة الرياضة، إنّ نسب تقاسم الإيرادات لشركات التسويق السورية تتراوح عادةً بين 3 و10 في المئة. ولفت غيث حرفوش، مدير العلاقات العامة السابق لـ'أفكار'، الى أنّ معظم الشركات تحصل على 10 أو 20 في المئة.
بموجب شروط الصفقة، بلغت أرباح 'أفكار' لعامي 2022 و2023 نحو 240,550 دولارًا أميركيًا إجمالًا، وفقًا لحسابات OCCRP للمبالغ الواردة في طلبات الشركة للدفع وتقرير الأنشطة التي أرسلتها إلى الاتحاد خلال تلك الفترة.
وبالمقارنة، بلغت إيرادات الاتحاد في عام 2022 والنصف الأول من عام 2023 مجتمعةً أقل من 500,000 دولار أميركي.
المبلغ الذي دفعه الاتحاد لـ'أفكار' غير واضح، ولم يُجِب الاتحاد عن أسئلة OCCRP. وتقول 'أفكار' إن مبالغ كبيرة مستحقة لم تُسدّد لها حتى تاريخ إنهاء العقد.
قال معسعس، المستشار القانوني السابق للاتحاد، إنه حاول خلال المفاوضات موازنة بعض شروط العقد التي كانت في صالح الشركة بشكل مبالغ فيه، مثل بند الـ 35 في المئة، من خلال ملحق اللائحة التنفيذية للعقد. وأضاف: 'كان الرأي العام يلي انا قدمته لكل ادارة اللجنة المؤقتة (التي كانت تدير الاتحاد السوري لكرة القدم بشكل مؤقت بعد استقالة الرئيس فادي الدباس)، انه هي كارثة وخلوني اعمل شي ألطف من شروط هذا العقد. وبعدين تم التوقيع على اللائحة التنفيذية، يلي حاولت الطف فيها ما استطعت'. وأضاف: 'بالنهايه جميع القانونيين بيعرفوا انه اللائحة التنفيذية لا تنوب مقام العقد والأصل هو العقد'.
وقالت ريما حداد، المديرة التنفيذية السابقة لشركة 'أفكار'، إن الشركة مُنحت العقد بعدما أرسلت عرضًا تسويقيًا إلى رئيس الاتحاد الرياضي العام السوري (أعلى سلطة رياضية في سوريا والذي تمثله الآن وزارة الشباب والرياضة)، وهو الجهاز المشرف على اتحاد كرة القدم. (أظهرت مذكرة داخلية اطلع عليها الصحافيون أن الاتحاد الرياضي العام وافق بالفعل على عقد أفكار).
تواصل صحافيو سراج مع الاتحاد الرياضي العام ، للحصول على الكشوفات المالية كافة، لكنهم لم يحصلوا على رد.
وأكدت حداد أن شركتها احترافية للغاية، وأشارت إلى أنها جلبت إعلانات جديدة وعقودًا أخرى لاتحاد كرة القدم.
ودافعت حداد عن بند الـ35 بالمئة، قائلة إن العقد هو الأول من نوعه في سوريا، و'العرف التجاري في سورية ينص على منح شريك الإدارة والجهد نسبة قد تصل إلى النصف ولا تقل عن الثلث من دون تحمّله أية مصاريف أو نفقات.'
وأضافت حداد أن 'أفكار' حصلت في النهاية على 'أقل بكثير' من 240,550 دولاراً من الاتحاد، لكنها رفضت إعطاء أرقام محددة.
ولم يستجب اتحاد غرف التجارة السورية لأسئلة مشروع الإبلاغ عن الجريمة المنظمة والفساد (OCCRP) بشأن معدلات تقاسم الإيرادات المعتادة لعقود التسويق.
عندما تولى صلاح رمضان رئاسة الاتحاد، عام 2022، أنهى عقد شركة 'أفكار' بعد انتقاده بند تقاسم الإيرادات، مع أنه أكد أن الاتحاد كان لا يزال ملزمًا بدفع مستحقات الجدعان. وصرح لسراج أن العقد كان 'مجحفا' للاتحاد ، مشيرًا تحديدًا إلى بند الـ 35 في المئة.
ولم تعلق حداد على أسباب إنهاء العقد، مستشهدة باتفاقيات السرية مع الاتحاد، لكنها تكلمت عن 'وجود مواطن خلل شابت تنفيذ العقد حُلّت بالطرق الودية والسبل القانونية'.
في أيلول/ سبتمبر 2022، قدّمت شركة 'أفكار' إلى الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش شكوى ضدّ الاتحاد لتحصيل بعض المدفوعات، التي تقول الشركة إنها لا تزال مستحقة لها. ولم تتضح نتيجة الشكوى بعد، وفي العام التالي، حُلّت الشركة.
ومنذ ذلك الحين، أصبح الاتحاد يتولى مهمة التسويق بمفرده.
ساهم في إعداد التقرير مازن الهندي (صحافي مستقل)