من جرمانا إلى صحنايا: الشائعات تقود السوريين إلى التنازع فيما بينهم.. ودعوات لتحكيم العقل

كم هي هشة هذه البلاد، تقود الشائعات ناصية أهلها إلى حيث يضرمون النار في وطنهم ليرقصوا على جثته رافعين أنخاب نصر مزعوم لم يكن يوما غير اقتصاص الأخ من أخيه على نوايا مزعومة أعيى اصحاب الفتنة إخراجها إلى العلن ففبركوا لأجلها تسجيلا صوتيا مسيئا للنبي الكريم وقد فاتهم أنه نبي المسلمين جميعهم لاتختص ملة به دون آخرى ولا يغار مسلم عليه أكثر من أخيه مهما تعددت المذاهب داخل البيت الاسلامي الواحد.

كان هذا بعضا من الشكوى التي بثها ابن بلدة جرمانا أمين عبد الحق إلى 'RT' حين استطلعته رأيه حول الأحداث الطائفية التي عصفت ببلدته.

أصر أمين على 'التشبث بجمر الوطن الواحد رغم فداحة ما جرى ويجري من جنون غير مفهوم وغير مبرر'.

لم يخطر بباله أن السوريين موتورون إلى هذه الدرجة وأن شائعة عابرة قد 'تطرح عنهم ثوب الإنسانية في لحظة جنون'. لكنه أكد أنه لا يستطيع أن ينزع من قلبه محبة جيرانه السنة ممن ضاقت بهم بلدات الغوطة فقصدوا جرمانا ليتفيؤوا في ظلال سلمها الوطني وأهلها الذين استضافوهم حين ضاقت البلاد بسكانها فثمة' وجه أصيل للسوريين سيعود في يوم ما مهما طال الزمن وطال التلاحي وتبادل اتهامات اللاجدوى بين السوريين ' كما أكد أمين لموقعنا.

ومع ذلك لم يذهب ابن طائفة الموحدين الدروز إلى شيطنة الحكومة السورية وهو واإن حملها بعض الوزر فيما حصل فإنه أبقى على أمله في تحرك حكيم منها مثنيأ على فتوى المفتي الذي حرم دم السوري على السوري معتبرا إياها خطوة صحيحة وإن جاءت متأخرة نسبيا كما يقول.

من جانبه أشار خلدون الصايغ ابن بلدة أشرفية صحنايا إلى حالة الرعب التي عاشها مع أطفاله نتيجة الاشتباكات التي تمددت إلى البلدة يعد أحداث جرمانا لافتا إلى أن الأمور طوقت في جرمانا وانفجرت بعد ساعات في اشرفية صحنايا.

وفي حديثه لموقعنا أكد الصايغ أن الدروز الذين ينتمي إليهم أبناء وطن ومنفتحون على كل الشركاء فيه لكن الخوف يبقى حالة طبيعية بعدما خيمت مجازر الساحل السوري على أجواء أشرفية صحنايا حيث دارت الاشتباكات بين البيوت وعانى الأهالي الأمرين رغم جهود الأمن العام والفعاليات الروحية لتطويق الأزمة وقتل الفتنة في مهدها .

ودعا الصايغ الحكومة السورية إلى التبرؤ من الفصائل غير المنضبطة التي ' تضرب بسيفها' وتستقوي على الآمنين بحراب سلطانها مشيداً في الوقت نفسه بسلوك عدد من رجالات وضباط الأمن العام الذين كانوا على قدر المسؤولية وجنحوا إلى ملاقاة وجهاء الطائفة الدرزية وشيوخ العقل في منتصف الطريق والذين التقوا أهالي البلدة وعمدوا إلى طمأنتهم وحمايتهم من الفصائل المتشددة كما قال.

من جانبه أشار بكري وهو مهندس مدني من سكان بلدة جرمانا إلى ' الجهود الكبيرة' التي بذلتها الحكومة من أجل حقن الدماء في جرمانا .

وفي حديثه لـ ' RT' أشاد بكري بعملية فض الاشتباك التي قام بها ضباط وعناصر الأمن العام الذين حاجزوا بأنفسهم بين الفصائل المتشددة التي حاول اقتحام جرمانا وما بين الفصائل المحلية المتواجدة فيها والتي أفضت في نهاية المطاف إلى تحقيق السلام رغم الخسائر التي حصلت وفيها ضحايا من الأمن العام كانوا في نهاية المطاف شهداء الواجب كما قال.

وشدد بكري على أن جرمانا تبقى مدينة للتعايش فهو مسلم سني من ريف حلب وجيرانه دروز ومسيحيون لم تبدل المشكلة الأخيرة من طبيعة العلاقات الدافىة فيما بينهم رغم الخلاف على بعض التفاصيل وتباين المواقف بخصوص نسبة ما تتحمله الدولة من مسؤولية تجاه ما حصل.

بدوره رأى بديع وهو طبيب أسنان من دمشق في حديثه لموقعنا أن الطائفية البغيضة تعصف بالسوريين وتسلب منهم الحكمة والتروي مشيراً إلى أن بعض 'السلوكيات الرسمية' تساعد على ذلك بصرف النظر عن حسن النوايا.

واستدل الدكتور بديع على ذلك ببيان وزارة الصحة الذي سمى الجرحى الذين تم اسعافهم وفقاً للمذهب الذي ينتمون إليه وكأنه يمن عليهم بذلك ويضع هذا الأمر البديهي الفطري تحت عنوان 'المكرمة' التي قامت بها الوزارة مشدداً على ضرورة تجاوز الطائفية بالقول والعمل ومطالبا الوزارة بالاعتذار عن هذا السلوك.

كما استنكر بديع الخطاب المتشدد والمتعالي لبعض الإعلاميين الذين يدورون في فلك الحكومة ممن ينظرون لكل سلوكها بعين الرضا فلا يرون فيها عيبأ والأنكى من ذلك وفق الدكتور بديع هو قيامهم بالتوعد لكل من يخالفهم الرأي على المنابر الإعلامية التابعة للدولة في طعن عجيب على بديهيات الإعلام القائم على الموضوعية وهو ما تجلى في احداث جرمانا وأشرفية صحنايا الأخيرة كما قال.

خالد شاب سني من اشرفية صحنايا عاش في البلدة المتنوعة لأكثر من عشرين عاماً لم يدخل فيها في أي اشتباك معنوي أو لفظي مع أحد من جيرانه المنتمين إلى كل الطوائف الأخرى.

وفي حديثه لـ 'RT' يؤكد خالد أن شعور الخوف لم يفارق نفسه ونفوس أبنائه منذ اشتعال المشهد في اشرفية صحنايا بعد جرمانا لافتاً إلى أنه وطوال سني وجوده في البلدة لم يسمع بأن درزيأ واحدا أساء إلى النبي الكريم أو تطاول عليه في الوقت الذي ينسب الدروز أنفسهم مقامه الشريف شأنهم في ذلك شأن السنة والعلويين والإسماعيليين وغيرهم من أبناء المذاهب الإسلامية.

وأنكر خالد في حديثه لموقعنا على المتشددين حالة الانتقاء في التعاطي مع المقدسات الإسلامية والمسيحية فمن جانب يؤكد وجود فيديو مصور في الجامع الأموي يتطاول فيه أحد مقاتلي الفصائل المتشددة على مقام الإمام الحسين سبط رسول الله دون أن يعاقبه أو يسائله أحد كذلك فإن المشهد السوري بعد السقوط شهد اعتداءات على مقامات مسيحية وأخرى تنتمي إلى أقليات إسلامية ومع ذلك فإن رد الفعل الحكومي لم يكن على مستوى الحدث كما قال.

وختم خالد حديثه لموقعنا بالإشارة إلى أن أغلب السوريين بمن فيهم اولئك الذين تعرضوا للمضايقات على خلفية طائفية وغيرها يريدون لحكومتهم الجديدة النجاح ولا زالوا يفترضون فيها حسن النوايا ويلتمسون لها بعض العذر في عدم قدرتها الكاملة في السيطرة على الفصائل المتشددة لكن الأمر قد يتبدل إذا لم يتم تدارك الموقف فيما هامش الوقت يضيق بشكل كبير.

إسرائيل تتاجر بنا فلا تعينوها عليكم

في الوقت الذي شنت فيه الفصائل المتشددة الموالية للحكومة هجومها على جرمانا وأشرفية صحنايا وصحنايا شخصت الأنظار إلى إسرائيل التي كانت قد وضعت خطأ أحمر على أمن الدروز في سوريا.

ومع إنطلاق المعارك في اشرفية صحنايا شن الطيران الإسرائيلي غارة تحذيرية أتبعها بأربع غارات أخرى استهدفت الفصائل المهاجمة لكن الجانب الاستعراضي في الهجمات كان واضحا ووضعه أغلب الدروز السوريين في خدمة مشروع التقسيم الإسرائيلي لسوريا والذي 'يقامر بحياة الدروز وينتظر أن تشيع فيهم المقتلة الكبرى 'حتى يجد العذر والمبرر للوصول إلى العاصمة دمشق واحتلالها كما يؤكد ابن جرمانا فراس الراشد في حديثه لـ 'RT'.

غياب الثقة بإسرائيل ونواياها شمل أغلب الدروز السوريين الذين استطلعنا آراءهم

الشيخ موفق نصر من مدينة السويداء أكد أن من يعتقد بأن إسرائيل تحب الدروز وتنزل عند خاطرهم واهم مشيرا إلى أن حكومة الشرع تملك ما تقايض به إسرائيل حين يتعلق الأمر برغبتها في السيطرة على كل البلاد فالتنازلات السياسية التي يمكن أن تقدم عليها وفيها الإعتراف بإسرائيل وتحويل الجنوب السوري إلى منطقة منزوعة السلاح قد يقنع إسرائيل بالتخلي عن حماية الدروز مع شنها لبعض من الغارات الوهمية على مواقع الجيش السوري بغرض رفع العتب والحرج تجاه دروز فلسطين كما قال.

بدوره شدد ابن مدينة جرمانا منير حمدان على أن الدروز يرغبون في البقاء موحدين ضمن وطنهم ولا يثقون ولا يعولون على إسرائيل، لكنه لفت إلى أن تداعيات الفيديو المسيئ للرسول الكريم وحالة الإنفلات العجيب تجاه مكون وضع بكامله في خانة الإتهام دون التماس الحد الأدنى من الموضوعية والتحري عن صاحب المشروع الفتنوي وإغفال الحرص على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي يجعل الدروز وفق حمدان مضطرين للبحث عمن ينقذهم من الموت المحقق مشيرا إلى أنهم كانوا سيوصدون الابواب في وجه إسرائيل لو تلقوا الضمانات الكافية من حكومتهم وشركائهم في الوطن.

من جانبه، أشاد أشرف الشاب الدرزي وابن مدينة قطنا بفتوى تحريم الدم السوري على السوري لكنه تساءل في حديثه لموقعنا عن ترجمتها الفعلية على الأرض حيث استمرت الاشتباكات بل وتمددت إلى قرى السويداء وأوغلت في قتل الأهالي الدروز وتهجيرهم والاعتداء على مقاماتهم وحرمة امواتهم ورموزهم كما حصل مع مقام العميد عصام زهر الدين.

وختم أشرف حديثه لموقعنا بالاشارة إلى أن إسرائيل عدو بالنسبة لكل السوريين وأن أحدا من الدروز لا يرغب في شق الصف الوطني إلا أن يكره على ذلك عندها سيضطر الدروز كما قال إلى تلقف اليد الإسرائيلية حتى لو كانت كاذبة فذلك أرحم من القتل على الهوية الطائفية وإجبار الأبرياء على العواء والشهنقة والنباح تلبية لغريزة شيطانية تتعارض بشكل جوهري مع الدين الحنيف الذي جاء به رسول الإسلام رحمة لكل العالمين.

المصدر: RT