اخبار سوريا
موقع كل يوم -ار تي عربي
نشر بتاريخ: ١١ أب ٢٠٢٥
كما أصبح معروفا للجميع الآن، سيجتمع الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب يوم 15 أغسطس الجاري في ألاسكا.
من المتوقع أن يحقق الاجتماع تقدما كبيرا في تسوية النزاع بأوكرانيا. ويُزعم أن بوتين والمبعوث الخاص لترامب ستيف ويتكوف قد أحرزا تقدما ملحوظا في الاتفاق على صيغة تسوية، ولم يعد يفصل بين ترامب والترشيح لجائزة نوبل للسلام سوى أن يمد يده.
واقعيا، يعيد ذلك الأمر إلى ذهني نكتة سوفيتية قديمة، حينما تظاهرت الدولة بدفع أجور العمال، وتظاهر العمال بالعمل.
ففي الوضع حول أوكرانيا، يتظاهر دونالد ترامب بأن اقتراحه هو حل وسط، بينما يتظاهر فلاديمير بوتين بأنه يوافق على مقترح ترامب.
واقع الأمر أن ترامب يحاول بيع بوتين ذات البضاعة القديمة التي تعود للرئيس السابق بايدن، ولكن في ثوبها الجديد، أي تجميد الصراع على خط المواجهة الحالي. وإذا كان بايدن والأوروبيون قد عرضوا على روسيا ما لديها بالفعل (أي سيطرة روسيا على جزء من أراضي أوكرانيا السابقة، التي لا يعترف بها الغرب رسميا) مقابل رفض موسكو للإنذار النهائي في ديسمبر 2021، فإن ترامب، إذا صدقت التسريبات الصحفية، أضاف إلى ذلك مقترحا برفع العقوبات.
كما أن هناك فرق آخر يتمثل في أن ترامب قد ربط هذه المرة فرض رسوم جمركية إضافية على الصين والهند والبرازيل بموقف روسيا من أوكرانيا. وبطبيعة الحال، كانت الرسوم الجمركية على هذه الدول ستزداد على أي حال، بينما يسعى ترامب إلى سحق جميع المطالبين بمزيد من الاستقلال والسيادة. ومع ذلك، فإن فرصة تحميل موسكو مسؤولية زيادة الرسوم الجمركية، وبالتالي تعقيد علاقات روسيا مع الصين والهند والبرازيل، تمثل مكافأة مرضية ومفيدة لترامب، وهو يستغلها بعقلانية تامة.
في الوقت نفسه، يبدو لي أنه من الواضح تماما للجميع أن صيغة التسوية التي اقترحها ترامب سوف يتم رفضها من قبل كل من أوكرانيا وأوروبا، الأمر الذي سيجبر بوتين على الاعتراف بأسف بفشل جهوده في حفظ السلام، برغم استعداده بنسبة 100% للسلام والتسوية.
من الواضح كذلك ما هي الأسباب والنقاط التي سيتم رفضها (من قبل أوكرانيا وأوروبا)، وهو ما يسمح لروسيا بالموافقة عليها، حتى لو كانت هي نفسها غير مقبولة بشكل قاطع بالنسبة لموسكو.
في المجمل، فإن لعبة الأطراف واضحة وضوح الشمس، وهنا لا أفهم حقيقة كيف يمكن لـ 'العبقري المستقر' Stable Genius كما يطلق على نفسه دونالد ترامب، أن يتوقع إجابة جديدة إيجابية على اقتراح تم رفضه بالفعل مرات عديدة من قبل الجانبين.
واضح أن زيلينسكي لا يستطيع سحب قواته من مناطق زابوروجيه ودونيتسك الخاضعة للسيطرة الأوكرانية، بعد أن أصبحت جمهورية دونيتسك الشعبية ومنطقة زابوروجيه فعليا أراض روسية، فلو فعل ذلك سيدمره النازيون الأوكرانيون الذين يمثلون دعمه الرئيسي. في نفس الوقت، يعد رفع العقوبات (بما في ذلك على الأرجح فك تجميد الأصول الروسية) أمرا غير مقبول بالنسبة لأوروبا. بشكل عام، يمكن وصف موقف أوكرانيا وأوروبا بالعبارة التي رددوها مرارا: 'لا ينبغي تشجيع الكرملين على الاستيلاء على الأراضي الأوكرانية'.
وقد لعبت كل من أوكرانيا وروسيا هذه اللعبة أكثر من مرة، حينما يوافق إحداهما على مبادرات السلام على أمل أن يرفضها الطرف الآخر.
هل ينتصر ترامب في الحرب التجارية؟
وبشكل عام، فإن اللعبة محفوفة بالمخاطر على كلا الجانبين، ولا يستبعد أن يتمكن ترامب أخيرا من الضغط على ذيل الأوروبيين وزيلينسكي وإجبارهم على قبول مقترح انتحاري وغير مقبول. حينها، وبطبيعة الحال، سيواجه كلا الجانبين ضغطا مزعزعا للاستقرار، وعندها ستنتصر الدولة القادرة على الحفاظ على الاستقرار الداخلي.
إلا أن هذا الخيار (موافقة الطرفين على اقتراح ترامب) سيؤدي إلى تسريع الحرب بعد التجميد بدلا من السلام، وبعد فترة من الوقت سينهار أحد الطرفين، ما سيلغي معاهدة السلام والتجميد، ويسلّم النصر للطرف الآخر.
في ظل ذلك ستكون أوكرانيا كيانا أقل استقرارا بكثير، حيث تعيش على الموارد الخارجية، وفي ظروف الحرب الأهلية والمحاولات المستمرة لكبح جماح تمرد مكبوت. لذلك، فإذا انتهى اجتماع بوتين وترامب فجأة بتوقيع اتفاق ثلاثي لتجميد الصراع، فإنني أتوقع انفجارا في أوكرانيا بعد حين.
لكن، يبدو لي أنه لن يكون هناك اتفاق. فنطاق مناورة بوتين المحتملة، ولأسباب عديدة، أوسع بكثير من نطاق مناورة زيلينسكي، وبإمكان بوتين، بل ينبغي عليه استغلال ذلك.
لقد أجرى بوتين اتصالات هاتفية مع قادة دول 'بريكس' خلال الأيام الأخيرة، موضحا موقف روسيا وأبدى استعداده للتضحية من أجلهم. وبطبيعة الحال، لن يلغي ترامب رفع الرسوم الجمركية على الصين والهند والبرازيل حتى في حال توقيع الاتفاق بشأن أوكرانيا، ما سيزيل أي مطالبات محتملة ضد موسكو من شركائها التجاريين الرئيسيين.
أعتقد أن هذا أحد السببين الرئيسيين اللذين يدفعان بوتين لزيارة ألاسكا. أما السبب الثاني فهو أن مقترحات ترامب، تتضمن، فيما يبدو، رفع العقوبات، ما يجعل من شبه المؤكد رفض أوروبا للاتفاق، ما سيدفع موسكو للتراجع عن موافقتها.
باختصار، لقد شاهدنا هذه المسرحية بالفعل، ونعرف توزيع الأدوار بها، لكن أرجوكم في النهاية ألا تنسوا مكافأة الممثلين بالتصفيق...
ومع أن المفاجآت واردة مع ترامب بطبيعة الحال، إلا أن الأمر، في رأيي المتواضع، سينتهي بفضيحة جديدة، مصحوبة بصراخ بين ترامب وزيلينسكي، وتعريفات جمركية جديدة على أوروبا، أو بكلمات أخرى الدوران في ذات الحلقة المفرغة. وبالطبع، ستستمر الحرب في أوكرانيا، نظرا لأن التناقض بين الأطراف لم يُحل بعد.
المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
رابط قناة 'تلغرام' الخاصة بالكاتب
المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب