اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شهاب للأنباء
نشر بتاريخ: ٣٠ تموز ٢٠٢٥
تقرير – شهاب
في تحوّل دبلوماسي لافت، أعلنت كل من فرنسا وبريطانيا وعدد من الدول الأوروبية الأخرى، بينها إسبانيا، وإيرلندا، وسلوفينيا، اعتزامها الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، في خطوة وصفت بأنها 'تاريخية ومتأخرة' لكنها تعكس الضغط الشعبي والسياسي المتزايد إثر المجازر الإسرائيلية المتواصلة في قطاع غزة.
جاءت هذه الخطوة بعد شهور دامية من القصف الإسرائيلي المكثف على غزة، والذي أسفر، عن استشهاد أكثر من 60 ألف فلسطيني، غالبيتهم من المدنيين، بينهم آلاف الأطفال والنساء، وتدمير شبه كامل للبنية التحتية المدنية في القطاع.
الصور المروعة بغزة، والتي أظهرت المجاعة القاتلة التي تضرب أكثر من 2 مليون فلسطيني، والمستشفيات المدمرة، وجثثاً تحت الأنقاض، ومخيمات لآلاف النازحين دون مقومات للحياة، خلقت حالة من الغضب الشعبي العارم في الشارع الأوروبي، وأشعلت موجة احتجاجات واسعة طالبت الحكومات الأوروبية باتخاذ موقف حازم تجاه جرائم الحرب الإسرائيلية.
وتشهد أوروبا في الأشهر الأخيرة حراكًا شعبيًا ودبلوماسيًا ورسميًا غير مسبوق دعمًا لغزة، في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل، والحصار المفروض على القطاع، والكارثة الإنسانية التي تطال أكثر من مليوني فلسطيني محاصر.
وبحسب مراقبون، فإن هذه الخطوة الأوروبية، وإن جاءت متأخرة، قد تشكّل تحولًا رمزيًا واستراتيجيًا في ميزان العلاقات الدولية، ورسالة واضحة بأن الاحتلال لم يعد مقبولًا كأمر واقع.
تحوّل دبلوماسي كبير
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي جون نويل بارو، أن 15 دولة وجّهت نداء جماعيا تعتزم فيه الاعتراف بدولة فلسطين.
وقال بارو عبر منصة 'إكس' عقب اختتام مؤتمر حل الدولتين 'في نيويورك مع 14 دولة أخرى توجه فرنسا نداء جماعيا: نعرب عن عزمنا الاعتراف بدولة فلسطين وندعو الذين لم يفعلوا ذلك حتى الآن إلى الانضمام إلينا'.
والى جانب فرنسا، انضمت كندا وأستراليا، العضوان في مجموعة العشرين، إلى هذا النداء المشترك، كما وقعت دول أخرى على الدعوة، وهي أندورا وفنلندا وأيسلندا وأيرلندا ولوكسمبورغ ومالطا ونيوزيلندا والنرويج والبرتغال وسان مارينو وسلوفينيا وإسبانيا.
وأعربت 9 دول منها -لم تعترف بعد بالدولة الفلسطينية- عن استعدادها أو اهتمامها الإيجابي بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، وهي أندورا وأستراليا وكندا وفنلندا ولوكسمبورغ ومالطا ونيوزيلندا والبرتغال وسان مارينو.
وقالت القناة 12 العبرية إن البيان المشترك صدر بالتنسيق مع دول سبق أن اعترفت أو أعلنت عزمها الاعتراف بدولة فلسطين، ومن بينها إسبانيا وأيرلندا وسلوفينيا والنرويج وفرنسا ومالطا.
وصدر البيان في ختام مؤتمر وزاري عقد الاثنين والثلاثاء في نيويورك برعاية فرنسا والسعودية، ويهدف لإحياء حل الدولتين لإيجاد تسوية للقضية الفلسطينية.
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أعلن الأسبوع الماضي أن بلاده ستعترف رسميا بدولة فلسطين خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول الماضي.
كما أعلن رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن بلاده ستعترف رسميا بدولة فلسطين بحلول سبتمبر/أيلول ما لم تتخذ 'إسرائيل' خطوات ملموسة للسماح بدخول المساعدات إلى قطاع غزة وتلتزم بحل الدولتين وتمتنع عن ضم الضفة الغربية.
في غضون ذلك، أعلن رئيس وزراء مالطا روبرت أبيلا أن بلاده ستعترف بالدولة الفلسطينية خلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.
وفي السياق، نقلت وسائل إعلام كندية عن مصدر حكومي قوله إن الدولة تدرس إمكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية إذا رفضت 'إسرائيل' وقف إطلاق النار في غزة.
لماذا الآن؟
الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين لم يأتِ من فراغ، فبحسب مصادر دبلوماسية، فإن هذا القرار يعود إلى عدة عوامل سارعت في هذه الخطوة التاريخية، أولها تصاعد الجرائم الإسرائيلية التي تجاوزت الانتهاكات في غزة الحد السياسي المقبول، ما جعل الصمت مكلفًا سياسيًا وأخلاقيًا.
وأضافت مصادر دبلوماسية، أن الضغط الداخلي الشعبي والسياسي، عبر البرلمانات الأوروبية التي شهدت نقاشات حادة، بينما طالبت أحزاب يسارية ومجتمعات مدنية باتخاذ مواقف ملموسة، وليس مجرد إدانات لفظية.
كما يعتبر تآكل الشرعية العملية السلمية، وفشل مسار 'حل الدولتين' والتوسع الاستيطاني الإسرائيلي دفع الأوروبيين للبحث عن أدوات جديدة لإعادة التوازن.
ومن أبرز العوامل هي تغير المزاج الدولي، في ظل الانقسامات داخل مجلس الأمن، والشلل الأمريكي حيال وقف إطلاق النار، وجدت أوروبا نفسها مضطرة للعب دور أكثر استقلالية، بحسب مراقبون.
أسباب الاعتراف
رئيس المركز الأوروبي الفلسطيني للإعلام رائد الصلاحات، قال إن الحراك الأوروبي للاعتراف بدولة فلسطين في هذا التوقيت بالذات يعكس حجم الحرج الذي باتت تعيشه حكومات هذه الدول أمام شعوبها، في ظل التجويع والموت البطيء الذي يطال المدنيين الفلسطينيين، وخاصة النساء والأطفال، دون أن تُحرّك تلك الدول ساكناً طيلة نحو 660 يوما من العدوان.
وأضاف الصلاحات أن الشعوب الأوروبية التي تتظاهر يوميا باتت تطالب حكوماتها باتخاذ موقف واضح أمام الإبادة الجماعية والتجويع الممنهج في وقت تستمر فيه 'إسرائيل' في ضرب القوانين الدولية ومواثيق حقوق الإنسان عرض الحائط.
وأوضح أن خطوة الاعتراف بدولة فلسطين جاءت كذلك بعد انكشاف تواطؤ تلك الحكومات، سياسيا واقتصاديا وعسكريا، في دعم الاحتلال، كما فضحت ذلك مؤسسات دولية، معتبرا أن هذه الخطوة بمثابة محاولة 'هروب للأمام' للظهور بموقف المتضامن بعد فوات الأوان.
ورغم ما وصفه بـ'النفاق الأوروبي المنحاز للاحتلال' يرى رئيس المركز الأوروبي الفلسطيني للإعلام أن لهذا الاعتراف آثارا إيجابية، إذ سيجبر تلك الدول لاحقا على التعامل مع كيان فلسطيني ذي سيادة وحدود، ويمنحه القدرة على المطالبة بحقوقه في المحافل الدولية بشكل رسمي وقانوني.
وشدد الصلاحات بالقول إن هذا الاعتراف سيسقط دور الوساطات الدولية، ويضع الاحتلال في مواجهة مباشرة مع الدولة الفلسطينية، كما سيضع الدول المُعترفة أمام مسؤوليات جديدة للضغط على الاحتلال وتهديده مقابل الاستقرار ووقف الاستيطان وضمان الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني.
خطوة مهمة
ومن جانبها، قالت الأستاذة في جامعة لندن، المتخصصة في سياسات الشرق الأوسط، الدكتورة جولي نورمان، إنه من المرجح أن تعترف لندن بفلسطين دولة، مما يعني التصويت لصالح ذلك في الأمم المتحدة، ولكن من غير المرجح أن تتمكّن الأمم المتحدة من الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ نظراً إلى احتمالية عرقلة الولايات المتحدة هذه الخطوة.
وأضافت إن تصويت دول مثل المملكة المتحدة وفرنسا لصالح الاعتراف في الأمم المتحدة سيكون خطوة 'مهمة'، مشيرةً إلى أن الاعتراف البريطاني 'سيكون التزاماً أخلاقياً وموقفاً قوياً تجاه فلسطين، في وقت لم تشهد فيه غزة والضفة الغربية يوماً ما مثل هذا الوضع المتوتر'.
وتابعت: 'على المدى القصير، إنه موقف دبلوماسي، ويُفسح المجال لتغييرات في السياسات، وإذا عادت الأطراف إلى مناقشة الصراع طويل الأمد فسيضع ذلك فلسطين في وضع أفضل. لذا، لن يُغيّر الأمور على الفور، لكنني أقول إنه لا يزال ذا قيمة'.
وعن الآثار الدولية على اعتراف بالدولة الفلسطينية، قالت نورمان: 'هنا تكمن أهمية الأمر'، حيث إن قيام قوتين عالميتين رئيسيتين، مثل المملكة المتحدة وفرنسا، بهذه الخطوة سيكون 'مهماً'، وسيُمهّد الطريق إلى محادثات حول هذه القضية تجري في أماكن أخرى، مثل كندا.
وتعترف نحو 144 دولة من أصل 193 دولة عضوة في الأمم المتحدة بفلسطين دولة، بما في ذلك معظم دول الجنوب، بالإضافة إلى روسيا والصين والهند؛ لكن قلة قليلة من أعضاء الاتحاد الأوروبي الـ27 تعترف بذلك، ومعظمهم من الدول الشيوعية السابقة، بالإضافة إلى السويد وقبرص.
ووافقت الجمعية العامة للأمم المتحدة على الاعتراف الفعلي بدولة فلسطين ذات السيادة في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، وذلك بترقية وضعها مراقباً في المنظمة الدولية من 'كيان' إلى 'دولة غير عضو'.