اخبار فلسطين
موقع كل يوم -راديو بيت لحم ٢٠٠٠
نشر بتاريخ: ١٨ تشرين الأول ٢٠٢٥
بيت لحم 2000 -في عمق الطبيعة الفلسطينية، حيث تتداخل الخضرة مع عبق التاريخ وتتعانق الأرض مع السماء، تزهو فلسطين بتنوعها البيئي الفريد وثرائها الطبيعي الذي يجعلها واحدة من أغنى البيئات في المنطقة. ومن هذا الجمال الأخّاذ، تنبثق جهود حثيثة لحماية الأرض من التدهور والحفاظ على إرثها الطبيعي، تقودها الجمعية الفلسطينية للبيئة والتنمية المستدامة التي كرست عملها لحماية الموارد الطبيعية وتعزيز مفهوم السياحة البيئية كركيزة للتنمية المستدامة.
وتحدث مدير الجمعية الفلسطينية للبيئة والتنمية المستدامة، سائد الشوملي، في حديث خلال برنام'يوم جديد' مع الزميلة سارة رزق، الذي يبث عبر أثير راديو 'بيت لحم 2000': عن مسيرة الجمعية وأهدافها ومشاريعها، مشيراً إلى أن الجمعية التي تأسست عام 2021 تضم نخبة من الخبراء والباحثين والأكاديميين المتخصصين في مجالات حماية البيئة والتنوع الحيوي والطيور والحشرات والنباتات، إلى جانب عدد من الدارسين الذين يقدمون أبحاثاً علمية متقدمة في هذا المجال.
وأوضح الشوملي أن مقر الجمعية في مدينة بيت ساحور، وأن أهدافها الأساسية تتمحور حول رفع مستوى الوعي البيئي لدى المجتمع الفلسطيني، من خلال تنفيذ ورش عمل ومحاضرات وأنشطة ميدانية تستهدف المدارس والجامعات والمخيمات الصيفية والجمعيات النسوية، بهدف نشر ثقافة الحفاظ على التنوع الحيوي والتعريف بأهمية الأنواع الحية في فلسطين — من طيور ونباتات وزواحف وحشرات وحتى الأفاعي — بوصفها جزءاً من التوازن البيئي لا تهديداً له.
وأشار إلى أن الجمعية تعمل بالتعاون الوثيق مع مؤسسات رسمية ووطنية مثل سلطة جودة البيئة ووزارات الزراعة والسياحة والدفاع المدني والضابطة الجمركية والشرطة البيئية والسياحية، في متابعة الشكاوى البيئية وتنفيذ الجولات الميدانية على المصانع ومحلات بيع الطيور، والتصدي لعمليات الاتجار غير القانوني بالحياة البرية.
مشاريع لحماية الأنواع المهددة بالانقراض
وبيّن الشوملي أن الجمعية تنفذ مشاريع نوعية تهدف إلى حماية الأنواع المهددة بالانقراض، مثل الضبع المخطط الذي يتعرض للقتل والصيد الجائر بفعل معتقدات خرافية قديمة، والبومة البيضاء التي يُنظر إليها خطأً كرمز للتشاؤم، رغم أنها صديقة للمزارعين إذ تتغذى على عشرات القوارض سنوياً.
وأضاف أن الجمعية تعمل على دراسة نوع نادر من البوم الصغير يتغذى على 'سوسة النخيل'، الآفة الزراعية الأخطر التي تهدد النخيل والمزارعين في الأغوار، ما يجعل هذا الطائر مثالاً على التكامل بين الطبيعة والإنسان.
وفي سياق الأبحاث العلمية، أشار الشوملي إلى أن الجمعية أطلقت مشروعاً للدراسات البيئية بالتعاون مع جامعة بيت لحم وعدد من الأكاديميين أبرزهم الدكتور ياسر حنبل، حيث يتم إصدار أوراق علمية دورية توثق الأنواع المكتشفة حديثاً في فلسطين، كان آخرها اكتشاف نوع جديد من الفعاليات الحشرية في الضفة الغربية.
وتعتمد هذه الأبحاث على العمل الميداني المباشر وتركيب كاميرات مراقبة بيئية (فخ الكاميرا) في المحميات الطبيعية، لتوثيق حركة الكائنات ودراسة سلوكها في بيئتها الأصلية.
السياحة البيئية... وعي ومقاومة وتنمية
وحول مفهوم السياحة البيئية، أوضح الشوملي أن هذا النمط من السياحة لا يقتصر على الترفيه، بل يهدف إلى رفع الوعي البيئي ودعم الاقتصاد المحلي من خلال إشراك المجتمعات القريبة من المحميات في إدارة الموارد الطبيعية.
وقال إن الجمعية تعمل على تدريب أدلاء محليين من أبناء القرى ليكونوا مرشدين بيئيين للزوار، إلى جانب إنشاء بيوت ضيافة تديرها العائلات الفلسطينية، ما يخلق فرص عمل حقيقية ويعزز الشعور بالانتماء للبيئة.
وأشار إلى نجاح هذه التجارب في مناطق مثل برية القدس وعرابة الرشايدة، حيث تحول السكان من ممارسات كانت تضر بالبيئة إلى حماة للطبيعة ومشاركين في نشر الثقافة البيئية بين الزوار.
وأكد أن هذا النمط من السياحة بات يعرف بـ'السياحة الخضراء'، ويحظى بإقبال متزايد من السياح الأجانب الراغبين في تجربة بيئية واقعية قائمة على الاستدامة وإعادة التدوير واستخدام الموارد المحلية.
وأضاف أن فلسطين تمتلك مقومات فريدة لتطوير هذا القطاع، لكنها تحتاج إلى خطة وطنية للترويج والتنظيم، مشدداً على أن السياحة البيئية تمثل أحد أهم فروع صناعة السياحة في العالم، وأنها قادرة على توزيع التنمية بشكل عادل على مختلف فئات المجتمع.
المحميات الطبيعية... رئات فلسطين المهددة
وتحدث الشوملي عن المحميات الطبيعية الفلسطينية بوصفها “الرئات التي يتنفس منها الفلسطينيون”، لكنه حذر من التهديدات الخطيرة التي تتعرض لها هذه المناطق بفعل التوسع الاستيطاني ومصادرة الأراضي.
وذكر من بين هذه المحميات وادي الكلب، فصايل، وادي الملاح، كَرن سرطبة، ومحمية الكَنوب، إلى جانب برية القدس ووادي الجهار، مشيراً إلى أن معظمها تتعرض لاعتداءات متكررة من قبل المستوطنين الذين يقيمون البؤر الاستيطانية والطرق الالتفافية بحجة 'الأمن' بينما الهدف هو الاستيلاء على الموارد الطبيعية.
وأكد أن التواجد الفلسطيني في هذه المحميات يشكل شكلاً من المقاومة السلمية، مضيفاً: “حين نمشي في أراضينا ضمن مسارات بيئية، نحن لا نقوم بجولة سياحية فحسب، بل نثبت وجودنا ونحمي هويتنا.”
ودعا البلديات والمجالس القروية والمؤسسات الأهلية إلى تكثيف أنشطتها البيئية والمجتمعية في تلك المناطق، لأن “الفراغ فيها يعني السيطرة عليها”، على حد تعبيره.
خطة مستقبلية وتعاون إقليمي
وفي حديثه عن الخطط المستقبلية، أوضح الشوملي أن الجمعية تعمل على توسيع مشاريعها في مختلف المحافظات، وتعزيز التعاون مع الوزارات ذات العلاقة، خصوصاً التربية والتعليم لدمج مفاهيم الاستدامة في المناهج الدراسية.
كما أشار إلى تعاون وثيق مع الجمعية الملكية لحماية الطبيعة في الأردن، في إطار تبادل الخبرات وتنفيذ ورشات عمل وأبحاث علمية مشتركة.
رسالة إلى الشباب الفلسطيني
وفي ختام حديثه، وجه الشوملي دعوة إلى الشباب وطلبة الجامعات للمشاركة الفاعلة في العمل البيئي والتطوعي، قائلاً:'البيئة مسؤوليتنا جميعاً، وحمايتها تبدأ بالوعي والمبادرة. شاركوا في الورش والمسارات البيئية لتتعرفوا على جمال فلسطين وتكونوا جزءاً من حمايته.'
وأكد أن صوت الأرض الفلسطينية ينادينا جميعاً للحفاظ عليها، لأن بقاء الإنسان فيها مرتبط ببقاء بيئته وثرواته الطبيعية.
المزيد من التفاصيل في المقطع الصوتي أدناه: