اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ١ تشرين الأول ٢٠٢٥
الكاتب: أحمد عبد الوهاب
أيام قليلة ويمر العام الثاني للحرب على قطاع غزة، ولا يزال الدم الفلسطيني، يروي تراب القطاع، الذي تحول إلى كتل من الركام، نتيجة القصف الإسرائيلي، الذي لا يفرق بين أعزل ومُسلح، أيضا مشهد المعاناة الإنسانية، لا يبدو أنه يشهد أي تحسن ملموس.
حالة الفوضى التي تجتاح غزة، وتفشي الأزمات الصحية والإنسانية، تكشف عن فشل الأطراف المعنية في إيجاد حل يوقف هذه الكارثة، وتتدهور الأوضاع داخل القطاع بوتيرة متسارعة، والمستشفيات التي كانت تعد آخر ملاذ للمدنيين، تفتقد لأبسط مستلزمات الرعاية الطبية «المياه شحيحة، الأغذية نادرة، والكهرباء غائبة عن معظم المناطق».
أمام المشهد المعقد، تبرز تساؤلات مشروعة، عن دور مختلف الأطراف في استمرار هذه المعاناة، وفي الوقت الذي يعاني فيه المدنيون الأبرياء، لا تزال خيارات السلام تتضاءل أمام استمرار العمليات العسكرية والحصار الإسرائيلي المشدد، ولا يمكن إغفال مسؤولية حركة حماس، عن ما يحدث في قطاع غزة.
ولا شك أن حركة حماس، إذا اختارت أن تسلك المسار السياسي، بدلاً من استمرار العمليات العسكرية، تستطيع أن تساهم في تخفيف المعاناة بشكل كبير عن غزة، ولا تقتصر مصلحة الفلسطينيين في غزة على الحرب فقط، بل في الحفاظ على حياتهم اليومية، وهو أمر يتطلب رؤية بعيدة المدى يمكن أن تتضمن هدنة إنسانية شاملة، ووقف إطلاق نار طويل الأمد، وكذلك تسهيل الوصول إلى المساعدات الإنسانية.
بعض المراقبين يرون أن السبب يكمن في اعتبارات سياسية وإيديولوجية، حيث ترى حماس أن التفاوض مع إسرائيل أو حتى قبول حلول سياسية قد يُعتبر تنازلًا عن «مقاومة الاحتلال»، وقد يعتقد البعض داخل الحركة أن الانحناء أمام الضغوط الدولية قد يضعف موقفها المحلي والإقليمي، ويؤثر على مكانتها بين الفلسطينيين، الذين يرون فيها أملًا في استعادة حقوقهم، لكن في الوقت ذاته، لا يمكن إنكار أن غياب التوصل إلى حل سياسي واقعي قد يفاقم من معاناة الشعب الفلسطيني في غزة، ويزيد من حدة الحصار العسكري والاقتصادي الذي يعاني منه.
من جهة أخرى، لا يمكن أن نتجاهل دور إسرائيل في هذه الكارثة، فالحصار الذي فرضته على قطاع غزة منذ سنوات طويلة ، والذي ازدادت شدته مع اندلاع الحرب، يعزز من تعقيد الوضع الإنساني، ليس فقط في تحجيم الوصول إلى السلع الأساسية، ولكن أيضًا في تعطيل الحياة اليومية للمواطنين، وهذا لا يشمل المدنيين في غزة فقط، بل يشمل أيضًا الفلسطينيين في الضفة الغربية وفي مختلف المدن، الذين يشعرون أن الفلسطينيين في غزة محاصرون ليس فقط جغرافيًا، بل سياسيًا وإنسانيًا.
وتحت الحصار، يصبح من المستحيل الوصول إلى أية حلول جذرية، لأن الإسرائيليين يرون أن الحصار وسيلة ضرورية لضمان أمنهم ومنع تهريب الأسلحة إلى حماس والجماعات المسلحة الأخرى، ولكن هذا التوجه الإسرائيلي يغفل الواقع الإنساني الكارثي الذي يعاني منه السكان المدنيون في غزة، ويعزز الحصار من التوترات ويقوض فرص السلام، ويجعل أي نوع من التفاوض يبدو بعيد المنال.
في هذا الوضع المعقد، يبرز الضغط الدولي كعامل غير محايد في الأزمة، وعلى الرغم من المحاولات المتكررة من المجتمع الدولي لتهدئة الوضع عبر ضغوط دبلوماسية أو مبادرات إنسانية، إلا أن هذه الجهود لا تتسم بالحسم ولا تتمتع بآليات تنفيذ قوية، ومن غير الواضح مدى فاعلية مقترحات الهدنة التي تم طرحها على مدار الأشهر الماضية.
الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والأمم المتحدة، وغيرهم من اللاعبين الدوليين يمكنهم ممارسة ضغط أكبر على إسرائيل وحماس من أجل الوصول إلى حل دبلوماسي، لكن حتى الآن، تبدو المواقف الدولية عاجزة عن إحداث تحولات جوهرية في المسار.
وفي وسط كل هذه الدوامة، يبقى المدنيون في غزة هم الخاسر الأكبر، هؤلاء الذين يعيشون في قلب الصراع، ولا يملكون وسائل الدفاع عن أنفسهم، ولا من يدافع عن حقوقهم بشكل حقيقي، الأطفال، النساء، وكبار السن، الذين يواجهون مذبحة حقيقية يومية، ليسوا فقط ضحايا للمواجهات العسكرية، بل أيضًا ضحايا للسياسات الفاشلة، سواء كانت تلك السياسات صادرة عن حماس أو عن إسرائيل أو عن المجتمع الدولي.
إن مأساة غزة تستمر في تأكيد حقيقة واحدة وهي أن المدنيين هم الضحية الحقيقية، والذين يجب أن يكونوا في صميم أي حل محتمل، في حين أن الحلول السياسية والدبلوماسية قد تأخذ وقتًا طويلًا لتحقيقها، فإن التدخلات الإنسانية يمكن أن توفر دعمًا فوريًا لإنقاذ الأرواح وتقليل المعاناة اليومية.
لا شك أن القضية الفلسطينية تكتسب أهمية استراتيجية إنسانية وأخلاقية على المستوى العالمي، لكن بينما يُسجل كل يوم جديد في الحرب على غزة، تتفاقم الخسائر الإنسانية وتزداد معاناة المدنيين في القطاع، إذا استمر العجز السياسي والدبلوماسي، فإن الضغوط الإنسانية ستكون في النهاية هي التي ستضع الأطراف أمام خيار لا مفر منه: إما الاستمرار في المعركة المدمرة، أو التوصل إلى تسوية سلمية تحقق حقوق الفلسطينيين مع ضمان السلام والاستقرار في المنطقة.