اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٩ تموز ٢٠٢٥
وسط الجوع القاتل الذي يفتك بأكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة، تتعالى تساؤلات المحاصرين المتروكين للمجاعة بشأن دور برنامج الأغذية العالمي وآلية عمله مع استمرار الحصار المشدد، وترقّبهم لأي مستجدّ يخص إدخال الإمدادات الغذائية.
فمنذ الإغلاق الإسرائيلي المحكم لجميع معابر ومنافذ القطاع مطلع مارس/آذار الماضي، لم يُسمح إلا بإدخال شاحنات غذائية 'محدودة جدًا' خلال يونيو/حزيران الفائت، عبر معبر 'زكيم' شمال غزة، و'كرم أبو سالم' جنوبها.
لكن، وبفعل الفوضى وانتشار عصابات السرقة المدعومة من جيش الاحتلال، تعرضت معظم هذه الشاحنات للسطو، باستثناء 'عدد محدود' منها تمكّنت العشائر والعائلات في مدينة غزة من تأمين وصولها إلى مخازن برنامج الأغذية العالمي، الذي تولى توزيعها على المواطنين.
وبرنامج الأغذية العالمي (WFP) هو منظمة إنسانية تابعة للأمم المتحدة تأسست عام 1961، ويُعنى بمكافحة الجوع وتعزيز الأمن الغذائي عالميًا. ومنذ أواخر مايو/أيار، منح جيش الاحتلال تصريحًا خاصًا لإدخال المساعدات المتعلقة بالبرنامج فقط، دون السماح لوكالات الأمم المتحدة الأخرى، وعلى رأسها وكالة 'الأونروا'.
'عسكرة المساعدات'
ويتهم المواطن أحمد حسونة (55 عامًا)، وهو نازح في خيمة بمنطقة 'مواصي خان يونس'، سلطات الاحتلال بمحاولة شطب وكالة 'الأونروا' – الشاهد التاريخي على نكبة الفلسطينيين – عبر تعزيز عمل مؤسسات أخرى تفتقد للخبرة داخل غزة.
ويقول حسونة: 'منذ إغلاق الاحتلال للمعابر في مارس، لم تتلقَّ عائلتي المكوّنة من 10 أفراد أي مساعدة غذائية أو صحية أو مستلزمات نظافة من أي جهة إغاثية'.
وتساءل: 'لماذا لا يُسمح بدخول المساعدات إلى وكالة الأونروا؟ مقراتها منتشرة في كل محافظات القطاع ومناطق النزوح، وآليات عملها معروفة وتصل إلى الجميع'.
وبدلاً من ذلك، أنشأت (إسرائيل) والإدارة الأمريكية ما يُسمى 'مؤسسة غزة الإنسانية'، التي توزّع مساعداتها قرب مواقع جيش الاحتلال داخل غزة، في ظروف يصفها الأهالي بـ'غير الآدمية'.
ويضيف حسونة: 'هذه مساعدات الموت.. تُوزَّع تحت أزيز القذائف والرصاص'.
ووفق جوليت توما، مديرة الاتصال والإعلام في وكالة 'الأونروا'، فإن النظام الجديد لتوزيع الغذاء بإشراف 'المؤسسة الأمريكية' لا يعمل على الإطلاق، إذ لا يوجد سوى 4 نقاط توزيع في أفضل الأحوال، بينما كانت الأونروا تُدير أكثر من 400 نقطة توزيع قبل الحرب.
ويتساءل حسونة مجددًا: 'إذا كانت المساعدات تدخل لصالح برنامج الأغذية العالمي، فلماذا لا نراها؟ لماذا لا تصل إلينا؟ ولماذا يتركز توزيعها في مدينة غزة فقط؟ هل سنبقى مضطرين لشراء الطحين من اللصوص؟'.
'مجاعة قاسية'
بدوره، يقول المواطن أيمن البربار (30 عامًا)، النازح من حي الشجاعية إلى غرب غزة، إن عائلته لم تتلقَّ أي مساعدة غذائية من برنامج الأغذية العالمي منذ بداية العام.
ويضيف، وهو أب لأربعة أطفال: 'صحيح سمعنا عن دخول كميات من الدقيق لصالح البرنامج خلال الأسابيع الماضية، لكننا، كآلاف المواطنين، لم نحصل على شيء منها'.
وأكد أن '(إسرائيل) تستخدم الجوع كسلاح ضد المدنيين'، مضيفًا: 'نقضي أيامًا ولياليَ كاملة دون طعام أو خبز.. نعيش مجاعة فتاكة وقاسية'.
وبحسب مدير العمليات في البرنامج، كارل سكاو، فإن حجم الاحتياجات في غزة وصل إلى مستويات غير مسبوقة، في وقت باتت فيه الاستجابة الإنسانية مقيدة بشدة.
ويختم البربار قائلاً: 'الناس هنا تموت من الجوع، والأمراض، والقصف.. الحصول على كيس طحين بات يكلف حياة أب أو أم لتوفير لقمة لأطفالهما'.
'أمر مقصود'
وخلال الأشهر الماضية، وبحسب رصد مراسل 'فلسطين'، لم تصل أي شاحنات إمداد غذائي إلى مخيمات وسط القطاع (النصيرات، البريج، المغازي، ودير البلح)، ما أدى إلى تفاقم الجوع وارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل يفوق مناطق الجنوب والشمال.
وقد ولّد ذلك حالة من الغضب بين سكان هذه المناطق، الذين يطرحون تساؤلات مشروعة حول آلية عمل برنامج الأغذية العالمي، رغم أن مقره الرئيسي في القطاع يقع في مدينة دير البلح.
ويرى الحاج إبراهيم الصوري (60 عامًا) أن هناك 'خطة تجويع' للمحافظة الوسطى، متسائلًا: 'لماذا لا يعمل البرنامج في هذه المخيمات؟ الناس هنا يشترون الدقيق من التجار أو من عصابات اللصوص بأضعاف ثمنه'.
ويضيف بغضب: 'لا يُعقل أن يحصل المواطن على دقيق أطفاله من داخل مواقع عسكرية'، في إشارة إلى عسكرة الاحتلال للمساعدات وحصرها داخل نقاط توزيع 'المؤسسة الأمريكية'.
وتابع متسائلًا: 'ما ذنب هؤلاء المدنيين ليُحرموا من الغذاء؟ ما ذنب الأطفال والنساء وأصحاب البيوت المهدّمة ليعيشوا المجاعة والغلاء؟'، ملقيًا باللوم على العالم العربي والإسلامي الذي ترك غزة وحدها في مواجهة هذا الجحيم.
ومؤخرًا، وصف المتحدث باسم مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) التابع للأمم المتحدة، غزة، بأنها 'أكثر الأماكن جوعًا على وجه الأرض'، في وقت تتزايد فيه المناشدات لإنقاذ المدنيين، وخاصة الأطفال والنساء، من خطر الموت جوعًا.