​​​​​​​نازحون وسكان في مواجهة قرصات مؤلمة وأمراض بلا علاج

مع استمرار الكارثة الإنسانية المتواصلة التي تعيشها مدينة غزة نتيجة الحرب الإسرائيلية، لا تقتصر معاناة السكان على فقدان المأوى والطعام والماء، بل تتعداها إلى كابوس يومي اسمه 'البعوض'.

فمع ارتفاع درجات الحرارة وتدمير شبكات الصرف الصحي والمياه، وتراكم النفايات في الشوارع بكميات كبيرة، انتشر البعوض بشكل غير مسبوق في مختلف مناطق القطاع، خاصة في الخيام التي تؤوي آلاف النازحين.

وفي ظل غياب الأدوية والمراهم، تحوّلت قرصات البعوض إلى جروح مؤلمة ومصدر لانتشار الأمراض الجلدية بين الأطفال والكبار على حد سواء.

سكان الخيام

في إحدى الخيام العشوائية جنوب مدينة غزة، تقف أم محمد راضي، وهي نازحة منذ أكثر من ستة أشهر من بيت حانون، تحمل طفلها الذي لم يتوقف عن البكاء بسبب الحكة والالتهابات الجلدية الناتجة عن لدغات البعوض.

تقول لـ 'فلسطين أون لاين': 'كل ليلة تتحول خيمتنا إلى ساحة حرب مع البعوض، أطفالي لا ينامون من كثرة الحكة والوجع الذي يصيبهم بعد أن تلدغهم البعوض، فلا يتوقف الصغار عن البكاء بسبب الألم الذي تسببه لهم قرصات البعوض'.

وتوضح أن المكان الذي تعيش فيه يفتقر لأدنى مقومات النظافة؛ فالنفايات منتشرة في كل مكان، بالإضافة إلى المياه الراكدة ذات الرائحة الكريهة، التي تشكّل بيئة مناسبة لعيش البعوض وانتشاره فيما بعد.

ولا تقتصر المعاناة على الإزعاج الليلي، بل تتسبب قرصات البعوض في التهابات وتقرحات جلدية ملحوظة، خصوصًا لدى الأطفال الذين لا يتحملون الحكة المستمرة، حيث تظهر على أجسادهم آثار حمراء منتفخة تتحول في كثير من الأحيان إلى جروح مفتوحة بسبب الحك المتواصل، مما يعرضهم لخطر العدوى، خاصة في بيئة تفتقر للنظافة والمياه النظيفة.

كبار السن

الحاج خليل سفيان، في الستين من عمره، يصف البعوض بأنه العدو الجديد الذي لا يرحم حتى كبار السن، قائلًا: 'ننام ونستيقظ على قرصات مؤلمة، والمياه الراكدة حول المخيمات زادت الطين بلة، لا أحد يرش المبيدات، ولا يوجد اهتمام صحي، فقط نُترك لنواجه هذا العذاب'.

ويضيف لـ'فلسطين أون لاين': 'ولا أملك أي دواء أو مرهم، وكلما توجهت إلى أحد النقاط الطبية القريبة من مكان سكني في مدينة غزة يقولون إنه لا يوجد أدوية بسبب منع الاحتلال إدخالها منذ ما يزيد عن 70 يومًا'.

أما سكان البيوت المتضررة، فلم يكونوا بأمان من حشرات البعوض هم أيضًا. ورغم أنهم لم يتركوا منازلهم، يعاني سكان الأحياء المدمرة جزئيًا من الانتشار الكثيف للبعوض.

تقول الشابة ميادة الدحدوح إنها تعاني بشكل كبير من انتشار البعوض في منزلها رغم محاولات التنظيف المستمرة وقتل أي حشرة تدخل المنزل، لافتة إلى أن أكبر المتضررين من هذا الأمر هم والداها الكبار في السن.

وتشير لـ'فلسطين' إلى أن والديها تجاوزا السبعين من العمر ويتأثران بسرعة من لدغات البعوض التي تسبب لهما احمرارًا في الجلد وحكة لا تتوقف. ورغم محاولتها توفير المراهم المخففة لهذه الحكة، إلا أنها لا تجدي نفعًا.

وتوضح أن الحكة المستمرة تسببت بجروح على جسديهما تأخذ وقتًا طويلاً في الشفاء، مما يؤدي إلى مضاعفات صحية والتهابات جلدية لا علاج لها حتى باستخدام مطهر بسيط أو مرهم يحميهم من الإصابة بأمراض أخرى.

ويعد استمرار حرب الإبادة الإسرائيلية التي يمارسها الاحتلال ضد سكان غزة، وغياب الوقود والمعدات، إلى جانب منع الاحتلال إدخال آليات بلدية حديثة لرفع النفايات وتنظيف الشوارع، جعل من المستحيل التعامل مع هذه الأزمة. ومع ارتفاع درجات الحرارة، تحولت هذه النفايات إلى مصدر دائم للأوبئة والحشرات.

ومع استمرار الحصار ومنع إدخال المبيدات والمستلزمات الطبية، تبقى الجهات المختصة عاجزة عن التدخل السريع، ما يدفع الأهالي للاعتماد على الوسائل البدائية كالحرق والبخور وأكياس النايلون لتغطية أجساد الأطفال أثناء النوم، وهي حلول لا تحمي من خطر الأمراض، بل تضاعف الشعور بالاختناق والمعاناة.

وفي غزة، حيث لا تنتهي الأزمات، بات البعوض وجهًا جديدًا لمعاناة مستمرة يواجهها السكان، خاصة النازحين في الخيام التي تفتقر لأدنى مقومات الحياة. ومع غياب الأدوية والاهتمام الصحي، وتحول النفايات إلى بيئة حاضنة للحشرات، تتحول كل قرصة بعوض إلى خطر جديد يهدد صحة الناس، خصوصًا الأطفال وكبار السن.

مشهد يعكس الإهمال الدولي في إنقاذ شعب يُقصف نهارًا، ويُنهش لحم أطفاله ليلاً بآفات لا ترحم، ويحتاج الغزيون اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى تدخل صحي وبيئي عاجل يخفف عنهم بعضًا من هذه المعاناة المتعددة الأوجه.