اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٨ تشرين الثاني ٢٠٢٥
تبنّى مجلس الأمن الدولي مشروع القرار الأميركي المعدّل بشأن قطاع غزة، بموافقة 13 دولة وامتناع روسيا والصين، فاتحًا الباب أمام مرحلة معقدة وأكثر حساسة تُعيد رسم المشهد الفلسطيني والإقليمي. القرار، الذي جاء بعد عامين من حرب الإبادة على قطاع غزة، أثار موجة واسعة من ردود الفعل الفلسطينية، والتي أجمعت على أن القرار يعيد إنتاج الاحتلال على نحو جديد، رغم احتوائه على بنود يمكن التعامل معها بحذر وواقعية.
يعتمد قرار مجلس الأمن والذي حمل رقم 2803 الخطة الأميركية لإنهاء الصراع في غزة، وهي الخطة التي تُعيد إنتاج الرؤية الأميركية – الإسرائيلية للصراع، عبر إنشاء 'مجلس السلام' كهيئة انتقالية ذات صلاحيات دولية واسعة تشرف على إعادة الإعمار وإدارة قطاع غزة عمليًا، بما يتجاوز الدور الفلسطيني.
كما يجيز القرار تشكيل قوة استقرار دولية بتفويض صريح لنزع سلاح غزة، وتدريب الشرطة، وتأمين الحدود والممرات، وتنظيم حركة الدخول والخروج، وهي صلاحيات تتقاطع مع مهام الاحتلال وتمنحه غطاءً دوليًا لفرض رؤيته الأمنية.
وقالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن القرار الأممي 'لا يرتقي إلى مستوى مطالب وحقوق شعبنا السياسية والإنسانية'، خصوصًا في قطاع غزة، الذي واجه 'حرب إبادة وحشية وجرائم غير مسبوقة' ارتكبها الاحتلال أمام مرأى العالم.
وأضافت الحركة، أن القرار 'يفرض آلية وصاية دولالية على قطاع غزة' ويهدف إلى تحقيق ما عجز الاحتلال عن تحقيقه عسكريًا، إلى جانب تكريس فصل غزة عن باقي الجغرافيا الفلسطينية وفرض وقائع جديدة تمسّ الثوابت الوطنية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته وعاصمتها القدس.
وشددت حماس على أن مقاومة الاحتلال حقٌ مشروع، وأن سلاح المقاومة 'مرتبط بوجود الاحتلال' ولا يجوز مناقشته إلا ضمن 'مسار سياسي ينهي الاحتلال ويضمن قيام الدولة الفلسطينية'.
وأشارت إلى أن أي قوة دولية –في حال تشكيلها– يجب أن تلتزم بالحياد، وأن تتركز مهامها عند الحدود لمراقبة وقف إطلاق النار، وأن تعمل حصريًا بالتنسيق مع المؤسسات الفلسطينية الرسمية، دون أي دور للاحتلال أو أي مهام تستهدف سلاح المقاومة أو البنية الوطنية الداخلية.
كما دعت الحركة إلى الإسراع بفتح المعابر وضمان تدفّق المساعدات عبر الأمم المتحدة، محذّرة من تسييس الإغاثة الإنسانية في ظل الكارثة غير المسبوقة التي يعيشها القطاع.
المرحلة القادمة ستكون اختبارًا سياسيًا وميدانيًا وإنسانيًا
في موازاة ذلك، يرى المحلل أحمد الطناني أن قرار مجلس الأمن 2803 يحمل مخاطر استراتيجية تمس جوهر قيادة المشروع الوطني الفلسطيني، إذ إن صياغته الأميركية تفتح الباب لتجاوز البنية السياسية الفلسطينية وتشكيل نموذج بديل منزوع الروح الوطنية ومحايد للدور والموقع.
ويشير إلى أن استقدام قوات دولية بتفويض إنفاذي يعني احتكاكًا مباشرًا مع الأهالي في غزة، ما قد يقود إلى توتر ميداني أو اشتباك في لحظة لم يتعافَ فيها القطاع من آثار حرب الإبادة وتداعياتها الاجتماعية والنفسية.
ويرى الطناني أن الصياغات الفضفاضة داخل القرار تمنح مساحة واسعة للتأويل بما يسمح بإعادة إنتاج الأهداف الإسرائيلية للحرب تحت غطاء دولي، ما قد يتحول إلى قيد سياسي ضاغط على الفاعلين الفلسطينيين وإطار مرجعي مستقبلي للتعامل مع غزة.
ويؤكد الطناني أنه لا يمكن للفلسطينيين مواجهة النظام الدولي كله، وفي الوقت ذاته لا يجوز منح القرار شرعية مجانية تُستخدم لاحقًا لفرض واقع سياسي جديد داخل النظام الفلسطيني.
ويشدد على ضرورة حوار فلسطيني داخلي جاد يحدد المخاطر بدقة ويضع آليات عملية لتفكيك آثار القرار تدريجيًا، بما يضمن تثبيت وقف إطلاق النار ومنع إعادة إنتاج الحرب، وحماية وحدة النظام السياسي من أي إعادة هندسة تحت غطاء إنساني أو أمني.
ويضيف أن المرحلة القادمة ستكون اختبارًا سياسيًا وميدانيًا وإنسانيًا في كيفية التعامل مع محاولات إعادة صياغة واقع غزة خلال الفترة الانتقالية وأي احتكاك محتمل مع القوات الدولية. ويطرح سؤالًا جوهريًا: كيف يمارس الفلسطينيون حقهم الطبيعي في حكم أنفسهم دون أن يتحول القرار الدولي إلى وصاية دائمة تُفرض كأمر واقع؟
ويرى الطناني كذلك أن عمومية النصوص تفتح الباب أمام مسار تفاوضي جديد ينتقل فيه الموقف الفلسطيني إلى تفاعل سياسي مع الدول العربية والإسلامية، وخاصة الدول الثماني المشاركة في التفاصيل التنفيذية للقرار، بما يسمح بإعادة صياغة هذه التفاصيل بطريقة تمنع خلق بيئة انفجار جديدة في غزة وتغلق الباب أمام تحويل المرحلة الانتقالية إلى مدخل لتصفية ما تبقى من معالم المشروع الوطني الفلسطيني.
القرار أخطر ما يكون لكنه قابل لإدارة سياسية ذكية
ومن جهته، رأى الكاتب إبراهيم المدهون أن 'أسوأ ما في مشروع القرار' أنه يفرض وصاية أميركية مباشرة على الشعب الفلسطيني، ويكرّس فصل غزة عن الضفة الغربية، و'يجهز على حلم الدولة الفلسطينية'.
واعتبر الكاتب عبر منصته على 'تليغرام'، أنه يستبدل الاحتلال بقوة دولية 'لا تختلف عنه في الجوهر'، ومنح الاحتلال فرصة جديدة لترتيب المشهد بما يخدم مصالحه.
ورغم ذلك، أدرك المدهون أن حماس وشعب غزة 'لا يستطيعان الوقوف وحدهما أمام إرادة دولية موحدة'، داعيًا للتعامل مع القرار وفق 'فن الممكن' وباستراتيجية طويلة الأمد قادرة على امتصاص تبعاته والحفاظ على الثوابت الوطنية.
ولفت إلى وجود جوانب إنسانية يمكن البناء عليها، مثل وقف الحرب وتسهيل دخول المساعدات والشروع في الإعمار، وهي احتياجات ملحّة لا يمكن تجاهلها في المرحلة الراهنة.
واعتبر أن تركيز القرار على سلاح المقاومة 'يتجاهل سلاح الاحتلال والمستوطنين'، ويمنحهم مساحة أكبر للتغوّل في الضفة، مؤكدًا أن الشعب الفلسطيني 'لا يملك إلا سلاح الإرادة والتمسّك بالأرض'.
وشدد على ضرورة التعامل مع القرار بحكمة ونَفَس طويل، وبموقف فلسطيني موحد، وإعادة ترتيب البيت الداخلي وبناء علاقات راسخة، مؤكدًا أن حماس تتعامل بمسؤولية وأولويتها منع عودة الحرب وضمان الإغاثة وإعادة الإعمار.
عفيفة: القرار بلا شرعية فلسطينية والمقاومة تعتبره معركة جديدة
أما الكاتب الصحفي وسام عفيفة، فاعتبر أن القرار الذي صوّت عليه مجلس الأمن لا يملك أي شرعية فلسطينية، لأن صياغته جرت في غياب تام للفصائل والسلطة، لكنه رغم ذلك أصبح أمرًا واقعًا دوليًا سيحاول الجميع استثماره وفق مصالحه، سواء الولايات المتحدة أو دول الإقليم أو الاحتلال. وبرأيه، فإن المشهد أعقد مما يبدو، لأن المقاومة لن تتعامل مع القرار باعتباره مسارًا سياسيًا مفروضًا، بل ستتعامل معه بوصفه معركة جديدة من نوع مختلف تتطلب رؤية سياسية وأمنية شديدة الحذر.
وأوضح عفيفة، في تصريحات صحفية تابعتها 'فلسطين أون لاين'، أن الفصائل تعتبر أن أي ترتيبات تُصاغ من الخارج لا تمثل الشعب الفلسطيني، إلا أن الرفض السياسي لن يمنع محاولات فرض إدارة دولية كسلطة أمر واقع فوق الفلسطينيين. وفي المقابل، فإن المقاومة لن تتجه إلى صدام مباشر مع القوة الدولية، لكنها أيضًا لن تسمح بتحويلها إلى قوة إنفاذ تعمل نيابة عن الاحتلال أو تستهدف سلاح المقاومة أو البنية الوطنية الفلسطينية، وهي ستسعى لحصر دور هذه القوة في مراقبة وقف إطلاق النار والفصل بين الجانبين وتثبيت الاستقرار ومنع عودة الحرب.
وأشار إلى أن معظم الدول المشاركة في القوة الدولية لا ترغب أصلًا في الدخول في مواجهة مع الفلسطينيين أو حمل مهمة نزع السلاح بالقوة، وهو ما يترك إسرائيل وحيدة في هذا المسار ويكشف ضعف قدرتها العملية على تنفيذ أكثر البنود حساسية في القرار. وبموازاة ذلك، يرى عفيفة أن القرار يفرض تحديات مشتركة على جميع القوى الفلسطينية، بما يدفع نحو حوار وطني يعيد ترتيب البيت الداخلي ويضمن حماية الهوية والكيانية السياسية لقطاع غزة ضمن الإطار الوطني الجامع.
وتوقف عفيفة عند إشارة القرار إلى 'تهيئة الظروف لإقامة الدولة الفلسطينية'، معتبرًا أن هذه الإشارة تُحوّل بند الدولة إلى أداة سياسية يمكن استخدامها في مواجهة الاحتلال؛ فمن يرفض قيام الدولة الفلسطينية أصلًا ـ مثل إسرائيل ـ لا يملك أي حق في المطالبة بنزع سلاح الفلسطينيين.
ويؤكد عفيفة أن سلاح المقاومة في هذه المرحلة ليس مخصصًا للمواجهة، بل للاستخدام الدفاعي في حال قرر الاحتلال استئناف الحرب، ولحماية حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ومسار دولته المستقبلية.
وخلص الكاتب بالقول إن القرار الدولي يمثل خطوة كبرى لإعادة رسم مستقبل غزة، لكنه لا يعني نهاية دور المقاومة، التي ستتعامل معه بمرونة سياسية محسوبة تجمع بين الرفض السياسي، والتعامل البراغماتي مع الضرورات الإنسانية، وتحجيم الدور الأمني للقوة الدولية، بالتوازي مع بناء مسار وطني يحفظ الهوية والكيانية الفلسطينية.

























































