اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٩ تشرين الثاني ٢٠٢٥
في قلب المشهد الغزّي، حيث تمتدّ آثار الدمار على مدّ البصر، ينهض وطن صغير بحجم الإرادة، كبير بقدر ما يحمل من قصص الإنسان وصموده. تبدو غزة، للوهلة الأولى، مدينة أثقلها الركام، لكنّها في الحقيقة ساحة ميلاد متجدّد، تعاند الموت وتُصرّ على الحياة.
كل حجر مكسور فيها يحكي عن بيت كان يضجّ بالأصوات، وكل شارع مهدم يحتفظ بذاكرة خطوات أناس لم يغادروه رغم القصف والحصار.
ورغم قسوة الظروف التي لا تهدأ، يخرج أهل غزة كل صباح وكأنهم يعقدون مع الحياة اتفاقًا جديدًا: “لن نستسلم”. فبين أنقاض البيوت تولد مدارس مؤقتة، وفي ظلّ الخيام تُنسج قصص تعليم وإصرار، وتحت بقايا المباني تُقام محال صغيرة، تُعيد لاقتصاد المدينة نبضه ولو بشكل بسيط. هذه القدرة على التكيّف ليست مجرد محاولة للبقاء، بل إعلان صريح بأن غزة ما زالت هنا، وما زال فيها من ينهض ويحلم.
في شوارع المدينة، تستطيع أن ترى التناقض المدهش بين الدمار والحياة. أطفال يركضون بين البيوت المنهارة، يحملون حقائب مدرسية جديدة، كأنهم يعلنون أنّ المستقبل ليس ملكًا للحرب، بل لأحلامهم. نساء ينتشرن في الأسواق المؤقتة، يبحثن عن قوت اليوم، وعن بعض الخضار التي نجت من دائرة النار. ورجال يعيدون بناء ما تهدّم بأدوات بسيطة، وكأنهم يعيدون تشكيل هوية المكان حجرًا فوق حجر.
ومع كل جولة عنف جديدة، يُخيّل للعالم أنّ غزة قد تنكسر أخيرًا. لكنّ المدينة تتقن لعبة النهوض، وتفاجئ الجميع بقوة روحها. فهنا، في هذا الشريط الساحلي الضيّق، يتعلّم الناس أنّ الحياة ليست خيارًا، بل واجبًا، وأنّ البقاء ليس قدرًا، بل فعل مقاومة بحدّ ذاته.
ورغم كل ما تواجهه غزة من حصار وصعوبات اقتصادية وتحديات إنسانية، تظلّ قادرة على خلق مشهديّة استثنائية: مشهد شعب يحول الركام إلى بداية، واليأس إلى فرصة، والانكسار إلى قوة. فهنا، يولد الوطن كل يوم من جديد، ليس من فراغ، بل من صلابة من يعيشون فيه.
غزة اليوم ليست مجرد عنوان للأخبار، بل مثال نادر على أن إرادة الإنسان قادرة على تجاوز كل ما هو فوق الاحتمال. وطن صغير قد يتعرض للانهيار مئات المرات، لكنه ينهض في كل مرة بثبات أكبر، وبصوت يقول للعالم:
“من هنا، من بين الركام… نبدأ من جديد.

























































