اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ٦ تشرين الأول ٢٠٢٥
الكاتب:
معمر يوسف العويوي
لا ينهزم مشروع التحرر الوطني بالرصاص والقمع فحسب، بل يُطعن في الصميم بخنجر الفساد الذي ينخر في جسده من الداخل. فبينما يقدم الشعب الفلسطيني تضحيات جسام على مذبح الحرية، يعبث البعض بمقدرات الوطن ويحوّلون النضال إلى غنيمة، مما يفرغ الثورة من معناها ويسرق أحلام الأجيال.
إن الحديث عن محاربة الفساد في فلسطين تحول إلى مسرحية هزلية مكشوفة. لدينا هيئة لمكافحة الفساد ومحكمة متخصصة، لكننا نشهد باستمرار فضائح فساد بملايين الدولارات تورطت فيها شخصيات بارزة، تمر قضاياهم مرور الكرام، ويفلتون من العقاب، ويعبرون الحدود وكأن شيئاً لم يكن. في المقابل، يُساق صغار الموظفين إلى المحاكم بتهم سرقة مبالغ زهيدة. هذا الكيل بمكيالين لا يصنع عدالة، بل يؤسس لطبقة فاسدة محصنة فوق القانون، ويدمر ما تبقى من ثقة المواطن بمؤسساته.
يجب أن نعي أن الفساد ليس مجرد سرقة للمال العام. الفساد هو تجميد الدورة الانتخابية في الكثير من مؤسساتنا العامة لعقود، وهو ما يغتال الأجيال الشابة ويمنع نمو قيادات جديدة قادرة على حمل الراية. الفساد هو المحسوبية التي تضع الرجل غير المناسب في المكان الحساس لمجرد ولائه لشخص أو لجهة، مما يشل الإدارة ويفرغها من الكفاءات.
والأخطر من ذلك كله، تحكم السلطة التنفيذية في القضاء، وهو الفساد الذي يقتل العدالة في مهدها. فحين تصبح المحاكم أدوات في يد السلطة التنفيذية، وحين يُعيّن القضاة ويُقالون وفق الولاءات، فإننا نفقد آخر حصون الحماية ضد الاستبداد. هذا التداخل المدمر بين السلطات يجعل من المستحيل محاسبة الفاسدين، ويحول القضاء من حارس للعدالة إلى أداة لحماية المتنفذين.
هذا الفساد الإداري والسياسي والقضائي لا يقل خطورة عن سرقة الملايين، لأنه يقتل الأمل ويشرعن عودة الاستبداد بثوب جديد.
إننا اليوم أمام مفترق طرق حاسم. فإما أن ننتفض ضد هذا السرطان الذي يفتك بنا، ونطالب بمحاسبة حقيقية وحاسمة تطال الرؤوس الكبيرة قبل الصغيرة، وإما أن نقبل بتحويل مشروعنا الوطني إلى مجرد سلطة وظيفية تدير الفساد بدلاً من محاربته.
المعركة ضد الفساد ليست خياراً، بل هي امتداد لمعركة التحرير، والضمانة الوحيدة لبناء دولة مؤسسات نظيفة قادرة على تحقيق العدالة والكرامة التي يستحقها شعبنا. فلا يمكن أن نحرر الأرض ونترك الفساد يحتل العقول والمؤسسات.