اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ١١ تشرين الأول ٢٠٢٥
الكاتب: معمر العويوي
في لحظة تتجاوز حرب الإبادة والأكثر دموية، والمأساة التي عاشها أهالي غزة، جاءت أنباء اتفاق وقف الحرب على غزة ، في ما يوصف بأنه المرحلة الأولى من خطة سلام أمريكية برعاية ترامب.
هذا الان موعد محتمل لتغيير المشهد العسكري، لكنه أيضاً اختبار حقيقي لمدى تماسك نظرية “السلام بالقوة” حين تُطبّق على أرض محتلة، تُقاتل وتقاوم
منذ أكثر من عامين، يعيش العالم على وقع الحرب المفتوحة في غزة، حيث تتكشّف كل يوم الملامح الحقيقية للعقيدة السياسية والعسكرية الأمريكية التي طالما بشّرت بـ”السلام من خلال القوة”. عقيدةٌ تقوم على فرض الاستقرار بالقوة المسلحة، لا عبر العدالة أو القانون الدولي، وهو ما جعل المأساة الفلسطينية مرآةً صادقة لفشل هذا النهج في تحقيق الأمن لا للمنطقة ولا للولايات المتحدة نفسها.
منذ الأيام الأولى للحرب، لم تكن واشنطن مجرّد داعم سياسي لإسرائيل، بل شريكًا في القرار العسكري، من خلال الإمدادات العسكرية المفتوحة، والدعم الدبلوماسي في مجلس الأمن، والفيتو المتكرر الذي حال دون وقف إطلاق النار.
لقد تصرفت الإدارة الأمريكية وفق منطق “الردع الشامل”، معتبرة أن حماية إسرائيل هي امتداد مباشر لحماية مصالحها، دون أن تدرك أن الإصرار على فرض السلام بقوة السلاح يعني عمليًا إنتاج دائرة لا تنتهي من العنف والكراهية.
في غزة، تحوّل مفهوم “السلام من خلال القوة” إلى ما يشبه “الدمار من أجل الردع”.
المدنيون يُقتلون، والمنازل تُهدم، والمستشفيات تُقصف تحت ذريعة “الحق في الدفاع عن النفس”.
لكن المفارقة أن هذا النهج لم يحقق الأمن لإسرائيل، ولم يعزز صورة أمريكا كقوة قائدة للنظام الدولي، بل زاد من عزلة واشنطن الأخلاقية والسياسية، وأفقدها ما تبقّى من رصيدها الأخلاقي في العالم العربي والإسلامي.
لم يعد “الخوف” أداة ردع فعّالة كما كانت في عقيدة الحرب الباردة.
فشعبٌ محاصر منذ أكثر من عقدين و فقد كل شيء ، لم يعد يخشى شيئًا.
القوة العسكرية الهائلة لم تنجح في إخضاع غزة، بل عمّقت روح المقاومة والإصرار على الكرامة.
وهكذا تحوّل “السلام بالقوة” إلى حربٍ بلا أفق، تكشف أن الردع لا يمكن أن يصنع سلامًا، وأن الاحتلال لا يمكن أن يُقنع العالم بأنه ضحية.
تحوّل في الإدراك العالمي
على الرغم من محاولات التبرير الأمريكية، فإن الحرب في غزة خلقت تحولًا في الرأي العام الدولي.
لأول مرة منذ عقود، تتآكل الهيمنة الإعلامية الغربية أمام صور المجازر الحية، وتظهر موجات تضامن غير مسبوقة من شعوب أوروبا وأمريكا نفسها.
لقد سقطت رواية “الحرب من أجل السلام”، وبرزت حقيقة أن القوة العسكرية الأمريكية لم تعد قادرة على حماية حتى حلفائها من أزمات السمعة والمساءلة القانونية.
السلام لا يُفرض بالمدافع
تثبت غزة اليوم أن “السلام من خلال القوة” ليس سوى شعارٍ لتبرير الغطرسة السياسية والعسكرية.
فلا سلام يقوم على الإبادة، ولا أمن يبنى على أنقاض الأطفال.
ربما آن للولايات المتحدة أن تعيد النظر في فلسفتها، وأن تدرك أن القوة حين تُستخدم ضد العدالة، تصبح ضعفًا أخلاقيًا واستراتيجيًا في آنٍ واحد.
وغزة رغم جراحها أثبتت أن الشعوب لا تُهزم حين تمتلك الوعي والإرادة، وأن “السلام الحقيقي” لا تصنعه الطائرات، بل تصنعه الكرامة والعدالة.