اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٢ تشرين الأول ٢٠٢٥
وقعت حركة حماس وإسرائيل برعاية الولايات المتحدة الأمريكية ومصر وقطر وتركيا اتفاقًا يقضي بوقف الحرب الممتدة على غزة منذ عامين تقريبًا حيث قضى الاتفاق بتسليم الأسرى 'الاسرائيليين' بعد مضي 72 ساعة على دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ دون مراسم تسليم عسكرية مقابل إطلاق سراح 250 أسيرا فلسطينيا من أصحاب المحكوميات المؤبدة و1700 أسير من قطاع غزة بالإضافة لإدخال المساعدات لغزة وفتح معبر رفح في الاتجاهين وفق اتفاق يناير 2025.
وعلى الرغم من أهمية الاتفاق إلا أنه لم يحقق رغبات البعض الفلسطيني خصوصًا أهالي قطاع غزة الذين عاشوا ويلات الحرب طوال عامين حيث يعتبر عدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيطلق سراحهم قليلًا بالمقارنة مع الصفقات السابقة في تاريخ الشعب الفلسطيني لكن الذي لا يغيب عن المشهد هو قدرة حركة حماس على التفاوض بثبات عالِ حول مطالبها الرئيسة حيث الانسحاب 'الاسرائيلي' الكامل من القطاع، وإدخال المساعدات، ووقف الحرب، وصفقة تبادل.
ويعتبر استخدام حماس الأسرى 'الاسرائيليين' ورقة ضغط على المستوى السياسي ناجحًا إلى حدٍ ما، رغم أنه لم يحقق الرغبات الفلسطينية بتبييض السجون والذي كان يعتبر أحد الأهداف الرئيسة لهجوم السابع من أكتوبر 2023 حسب خطاب حماس السياسي إلا أن ذلك تبين بأنه عبارة عن خطاب سياسي متعدد الأبعاد لتوظيف قضية الأسرى ضمن استراتيجيتها الدولية للعب على جميع الخيوط السياسية في العالم، وإيصال رسائل ضمنية بشرعية القضية الفلسطينية، ليكون الهدف الأسمى لانطلاق الهجوم إعادة القضية الفلسطينية للمشهد العالمي لتحتل المكانة الأولى في ذلك.
كما اعتبر البعض الاتفاق بمثابة انجاز تكتيكي لحركة حماس التي استطاعت فرض ذاتها كطرف رئيسي في أي ترتيبات مستقبلية بشأن غزة، فيما رأى البعض الآخر أنه اتفاق لا يرقى لمستويات التضحيات خلال الحرب المخلفة لدمار وتهجير غير مسبوقين، وبالنظر من الزاوية المحايدة يمكن القول إن الصورة تبدو أكثر تعقيدًا مما يعتقد الطرفان حيث يظهر الاتفاق حدود الممكن سياسيًا في ظل الضغوط الإقليمية والدولية التي تمارس على كل من حماس كرأس حربة التنظيمات الفلسطينية و 'اسرائيل' كطرف يرتكب جرائم حرب وإبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني.
على الصعيد الدولي، عملت الولايات المتحدة الأمريكية على حفظ توازن دقيق بين دعمها الاستراتيجي ل 'اسرائيل' من جهة، والضغوط السياسية والانسانية التي تتعرض لها من الرأي العام الأمريكي الذي لم يتماشى مع السردية الأمريكية و 'الاسرائيلية' على حدٍ سواء خلال الحرب، ومن الرأي العام العالمي من جهةٍ أخرى، حيث عملت صورة الدمار في غزة والمجازر بحق المدنيين الفلسطينيين لتراجع غير مسبوق في صورة 'اسرائيل' عالميًا، الأمر الذي اضطر واشنطن للبحث عن مخرج سياسي لحليفها الاستراتيجي 'اسرائيل' دون إظهاره بمظهر المهزوم.
وعلى صعيد مصر وقطر وتركيا، حيث أدت الدول أدوارًا متفاوتة، حيث سعت القاهرة لتثبيت ذاتها كوسيط رئيسي في الملف الفلسطيني مستثمرةً موقعها الجغرافي وتأثيرها الأمني على معبر رفح ومحور صلاح الدين سابقًا، كما حافظت الدوحة على إبقاء قناة تواصل مفتوحة مع حماس وواشنطن في الوقت نفسه، ما جعلها عنصرًا أساسيًا في الوساطة حيث عملت على تليين المواقف المتشددة من حماس و 'اسرائيل'.
وفي محاولةٍ من تركيا لإبراز ذاتها في قضايا المنطقة، وسعيًا منها في التدخل في ملف القضية الفلسطينية عملت على التدهل في الوساطة ضمن سياقٍ دبلوماسيٍ متوازنٍ ومحسوب.
على الصعيد الفلسطيني، يُظهر المشهد السياسي تعامل حماس مع المفاوضات بقدر كافٍ من البراغماتية السياسية وفق أبجديات المفاوضات التي تجندها لصالحها، حيث لم تتعامل بتمسك ثابت بأقصى مطالبها التي يمكن أن تؤدي لانهيار المفاوضات وفقدان المكاسب السياسية والانسانية وغيرها، بل ركزت على الملفات الأكثر إلحاحًا كوقف الحرب والانسحاب الكامل وفتح المعابر وإعادة الإعمار، معتبرةً ملف الأسرى ملفًا يمكن تحقيق اختراق محدود فيه لكنه لا يعطل الاتفاق وإن كان برمزية وطنية هامة.
ويعتبر التحول في الممارسة السياسية للحركة انعكاسًا لإدراك الحركة لتغير موازين القوى الاقليمية والدولية بعد معركة طوفان الأقصى، حيث لم يعد الصراع عسكريًا فحسب بل أصبح يتضمن معارك السرديات الاعلامية والسياسية التي تحاول كل جهة من خلالها فرضها على العالم، حيث أعادت حماس من خلال هجوم السابع من أكتوبر 2023 وما تلاه من معارك إعادة القضية الفلسطينية للمشهد الدولي، فارضةً على القوى الكبرى التعامل معها كلاعب سياسي فاعل لا يمكن تجاوزه والاكتفاء بمنظمة التحرير الفلسطينية وفصائلها.
لذا، فإن قراءة الاتفاق في سياق الصراع يكشف أن هذه ليست نهاية المعركة بقدر ما هو هدنة سياسية مؤقتة تسمح لكافة الأطراف بترتيب أوراقها الداخلية كما أنها تعتبر استراحة مقاتل فحسب، حيث على سبيل القضية الفلسطينية لم تعد هامشية بعد طوفان الأقصى كما كانت قبله، بل أصبحت اختبارًا حقيقيًا لمصداقية النظام العالمي وقدرته على تطبيق العدالة خارج حدود المصالح الدولية الضيقة.
الخلاصة: حمل الاتفاق أبعادًا سياسية أعمق من أن تختزل في عدد الأسرى الفلسطينيين المفرج عنهم، حيث ثبّت شرعية المقاومة كقوة تفاوضية، معيدًا للقضية الفلسطينية زخمها العالمي، فاتحًا أبوابًا جديدة أمام تحولات جديدة في موازين القوى الإقليمية.
وقد نجحت المقاومة في تحويل المعركة من الميدان للطاولة السياسية دون فقدانها لجوهر رسالتها، لتؤكد أن الصراع الفلسطيني – 'الاسرائيلي' لا يقاس بعدد الأسرى أو بمساحة الأرض بل بمدى قدرة المقاومة على لإبقاء القضية الفلسطينية حيّة في الوعي الانساني العالمي.