اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٠ تشرين الأول ٢٠٢٥
لم تسلم عجلة الاقتصاد المحلي من تداعيات النزوح المتجدد، إذ طالت الخسائر مجددًا أصحاب المصانع والتجار، لتضيف جروحًا جديدة إلى جسدٍ أنهكته سنوات الحصار والحرب.
يتحدث سامر الصفدي بحزن عميق عن مصنعه للخياطة في غزة، الذي كان يشكّل قصة نجاح عائلية امتدت لسنوات، وكان يضم أكثر من مئة ماكينة حديثة تُقدَّر قيمتها بعشرات آلاف الدولارات.
لم يتمكن من إنقاذ أي منها بعد أن قصف الاحتلال المبنى بالكامل، تاركًا الماكينات مدفونة تحت الركام إلى جانب المبنى نفسه الذي كلّف بناؤه وتشطيبه مئات آلاف الدولارات.
لكن الخسارة لم تقف عند حدود رأس المال؛ فالمصنع كان يشغّل عشرات العمال، معظمهم من ذوي الدخل المحدود الذين فقدوا بين ليلة وضحاها مصدر رزقهم الوحيد.
يقول الصفدي: 'هؤلاء العمال كانوا يعيلون أسرهم من المصنع، واليوم كلهم بلا عمل، بلا دخل، وكأننا خسرنا عائلات كاملة، لا مجرد آلات.'
ويضيف الصفدي أن مشروعه لم يكن ورشة تقليدية، بل حاول تطويره لمواكبة التحديات الاقتصادية، فاستثمر في أنظمة الطاقة الشمسية للتغلب على أزمة الكهرباء المتذبذبة.
ورغم كل الخسائر، لا يزال يحاول الصمود بماكينتين فقط، يصفهما بأنهما 'بقايا أمل'، في وقت يرى أن استعادة نشاطه السابق تبدو مهمة شبه مستحيلة دون دعم حقيقي يعوّض الخسائر المتراكمة على المستويين المالي والبشري.
أما نعيم السعافين، فله حكاية أخرى مع الألم. فقد خسر منجرته بالكامل بعد أن اندلع فيها حريق هائل جراء القصف، التهم كل ما تحويه من معدات وآلات ومواد خام.
يصف المشهد قائلًا: 'كانت النيران تنتشر بسرعة جنونية، حاولنا بكل ما نملك إخمادها أو إنقاذ شيء، لكن كل محاولاتنا ذهبت سدى.'
ويتابع السعافين أنه لم يستسلم، فسارع إلى نقل ما تبقى من الأخشاب المخزنة من غزة إلى وسط القطاع في محاولة لتقليل حجم الخسارة، إلا أن العملية كلّفته أموالًا طائلة بسبب أجور النقل المرتفعة والمخاطر الكبيرة التي رافقت عملية الإخلاء.
لكن الحزن الأكبر، كما يقول، لم يكن فقط في فقدان المنجرة، بل في المشاهد التي رآها لاحقًا. 'رأيت قطعًا من الأثاث التي صنعتها تُترك في الشوارع أو البيوت المهجورة، وكأنها فقدت قيمتها مع أصحابها.'
ويضيف بمرارة: 'الأدهى أن بعض العائلات اضطرت لاستخدام الخشب المستخرج من غرف النوم والطاولات التي صنعناها لتغذية النار وإعداد الطعام. لم أتخيل يومًا أن يتحول أثاث البيوت الذي تعبنا في صنعه ليمنحهم الراحة، إلى وقودٍ يشتعل تحت قدور الطعام.'
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي وضاح بسيسو أن هذه الشهادات تعكس واقعًا أكثر قتامة يعيشه الاقتصاد المحلي، موضحًا أن ما يحدث اليوم ليس وليد اللحظة، بل نتيجة مباشرة للحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة منذ نحو عامين، والتي استهدفت كل مقومات الحياة بما فيها الاقتصاد.
ويضيف بسيسو لحيفة 'فلسطين' أن الحرب لم تقتصر على الخسائر البشرية أو تهجير مئات الآلاف، بل امتدت إلى تدمير واسع للمصانع والورش والأسواق والمخازن، حتى لم يسلم أي قطاع اقتصادي تقريبًا من الضربات المتكررة.
وتابع 'الاحتلال دمّر البنية التحتية الأساسية، من الكهرباء إلى الوقود والمعابر، ما جعل أي نشاط اقتصادي مجرد معركة يومية للبقاء'، على حد قوله.
ويشير إلى أن توقف مصانع مثل مصنع الخياطة أو منجرة الأخشاب لا يمثل قصصًا فردية فقط، بل يعكس انهيارًا تدريجيًا في الدورة الاقتصادية برمتها؛ إذ تعطلت سلاسل التوريد، وتبخر رأس المال المحلي، وفقد آلاف العمال مصادر رزقهم.
ومع استمرار الحصار والإغلاق، أصبح الاستيراد شبه مستحيل، فيما ارتفعت الأسعار بشكل كبير، ما ضاعف الأعباء المعيشية على السكان.
ويرى بسيسو أن الحرب على الاقتصاد تهدف إلى إفراغ غزة من قدرتها على الاعتماد على ذاتها، وجعلها رهينة للمساعدات الإنسانية فقط، وهو ما يفاقم الأزمة الاجتماعية ويمنع أي إمكانية للتعافي الذاتي.
ويختم بالقول: 'اليوم يمكن القول إن غزة فقدت بنيتها الإنتاجية تقريبًا، وإذا لم يكن هناك تدخل دولي عاجل وحقيقي، فإن آثار هذه الحرب الاقتصادية ستبقى لعقود.'