اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٣ حزيران ٢٠٢٥
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ ﴿إِن يَكُن مِنكُم عِشرونَ صابِرونَ يَغلِبوا مِائَتَينِ﴾ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ}* (الأنفال: 65)
إهداءٌ لجباليا، أرض الصمود والبطولة، حيث يُولد الأمل من تحت الركام، وحيث يكتب الشباب بدمائهم أعظم ملاحم النصر. يا جباليا، يا قلب الثورة، ستظلين رمز العز والإيمان، ومنبع القوة التي لا تنكسر.
ها هو الفارس الملثم، عماد عقل، يولد مجددًا؛ الفارس الذي لم يترجل بعد، المنتمي لأرضه حدّ العشق، ينبثق من تحت الركام كطائر العنقاء، روح لا تموت، وقصة عشق لا تنتهي. لا يُقاس بحجمه ولا بعدده، بل بعزيمته التي تحطم الجبال، وبثباته الأسطوري الذي يزرع في القلوب أمل النصر. هو ذاك الذي، رغم الخراب والدمار، وقف شامخًا يرفض الانكسار، يحمل بين يديه أمانة شعبٍ وأمل أمة، ويردد بصوت الجبال: 'نحن الجسور، وجيل النصر يعبرها.'
هنا، في جباليا الفخار، حيث الإيمان لا يموت، وحيث الصبر يُولد من رحم الألم، تكتب غزة ملحمة لا تُنسى، يسطرها أبطالها بأرواحهم، ليشهد التاريخ أن النصر للحلم، وأن الحق لا يُقهر.
المقاتل من نقطة الصفر، المنتمي لأرضه والمدافع عن شعبه وأهله، ذاك الذي يراه العالم خارقًا، يخرج من باطن الأرض، ومن ركام منزله، ومن زقاق مخيمه كطائر العنقاء، متيقظًا، صامدًا، أسطورة من لحم ودم. هو ظريف الطول الفلسطيني الذي لا يُقاس بالعدد والعتاد؛ فهو بطولة خارقة وقصة ملحمة، وحدها تُسطر بثبات أسطوري، عزَّ نظيرها في قصص البطولة الخالدة. سأفرد لها، بإذن الله، كتابًا خاصًا يروي حكايا البطولة الأسطورية لشباب مؤمن مقاتل، خرج حافي القدمين ونسج ملحمة بطوبة، وعزف لحن خلود: {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ} (يوسف: 111).
هم في مقاومتهم الباسلة تجاوزوا حسابات الأرقام الميدانية: {إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ} (الأنفال: 65)، لأنهم {الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ} (آل عمران: 172)، وقد قال لهم ربهم: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} (البقرة: 216)، فكان جوابهم: {وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا} (البقرة: 285).
رغم الإبادة الشاملة التي ذهبت بأهلهم وبيوتهم وكل ما يحبون، ودفعوا الثمن الأغلى في جرائم سادية دموية لم يعرف لها التاريخ مثيلًا، ثبتوا في الميدان ولم يغادروا: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ} (الأنفال: 45)، ولم يقعوا في معصية التولي يوم الزحف: {فَقَدْ بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللّهِ} (الأنفال: 16).
لقد كانوا قلة من قلة: {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} (هود: 40)، وستكون لهم الغلبة: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً} (البقرة: 249)، لأنهم آمنوا بقدرهم، أنه اصطفاء واستعمال: {وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ} (محمد: 38)، فكانوا من الذين قال فيهم الله: {لَقَدْ رَضِيَ اللّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} (الفتح: 18).
انظر ظريف الطول، خرج من تحت أنقاض منزله، يحمل بندقيته رغم دفن بيته فوق رأسه، ذاك الشاب من جباليا الذي عاد إلى خطوط المواجهة بعد دفن أمه وأخته، لأنه يرى أن واجبه الآن أعظم. هؤلاء، في كل جبهة، يضربون مثلًا عمليًّا في قول الله: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ} (الأنفال: 45). وإلى جوارهم سيدة الأرض، المرأة الغزّية، التي تُجهز بقايا الطعام للمجاهدين تحت القصف، ولا تناديهم إلا: 'يا أولادي'، بعد أن ارتقى كل أولادها على طريق ذات الشوكة. والطفل الذي رفع شارة النصر على ركام مدرسته، هو عماد عقل الطفل، يوم رحل عمه عماد عقل، فارس النقطة صفر؛ وها هو يلحق بعمه بين ركام جباليا الثورة. إنهم أجيال هذه الملحمة، يحققون عمليًّا مفهوم النصر القادم رغم المحنة.
إن النصر ليس بعدد ولا بعدة، بل بإيمان وعقيدة وثبات. جباليا اليوم لا تكتب فقط قصة شعب؛ بل تكتب قصة أمة، قصة الحق الذي لا يُقهر، والمقاوم الذي لا ينكسر. ومهما طال الليل، فإن الفجر قريب، لأن الله وعد: {أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ} (البقرة: 214).
فكل تحية وإجلال لأبطال الأرض الولادة في جباليا الثورة، الذين يُثبتون أن العقيدة الصافية أقوى من كل ترسانة، وأن شعبًا بهذا الإيمان لا يُهزم، بل يُسطّر في كل يوم ملحمةً تنتظر كتب التاريخ من يدونها بمداد من فخر ونصر، لجيل نشر شراع الحياة في بحر دمائه وأهله.