اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٧ تموز ٢٠٢٥
في صباح الأحد، أعلنت السلطات الإسرائيلية عن السماح بدخول مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة عبر عمليات إسقاط جوي وممرات إنسانية مؤقتة، بعد شهور من حصار عسكري خانق تسبب في أزمة إنسانية خطيرة.
ورغم أن الخطوة تبدو إنسانية على السطح، إلا أن خلفياتها السياسية والاستراتيجية تشير إلى أن هذا القرار جاء مدفوعاً بمناورات إقليمية ودولية معقدة، في ظل صراع متشابك على عدة جبهات.
يرى مراقبون أن الضغوط الدولية المتزايدة كانت المحرك الأساسي وراء قرار إسرائيل بفتح الممرات. حيث حذرت الأمم المتحدة ومنظمات دولية مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمة الصحة العالمية، إضافة إلى أكثر من 200 منظمة محلية ودولية، من تفاقم أزمة الغذاء والماء في غزة بشكل يهدد بوقوع مجاعة جماعية.
ونقل تقرير نشرته شبكة 'دويتشه فيله' عن مسؤول في برنامج الغذاء العالمي، قوله إن 'غزة تواجه كارثة إنسانية مركبة، ومعدلات سوء التغذية بين الأطفال ارتفعت بنسبة 300% منذ يونيو/حزيران، وهناك مناطق لم تصلها أي مساعدات منذ أسابيع.'
وطالبت 25 دولة إسرائيل بشكل مباشر برفع القيود المفروضة على دخول المساعدات، مؤكدين في الوقت ذاته رفضهم لأي إجراء يغير التركيبة الديمغرافية للأراضي الفلسطينية. هذا الضغط الدولي المتضافر دفع حكومات أوروبية، من بينها فرنسا وألمانيا، إلى تهديد إسرائيل بإعادة النظر في اتفاقياتها العسكرية والتجارية إذا لم تُتخذ خطوات عاجلة لتحسين الوضع الإنساني في القطاع.
أعربت مصادر أمنية وإعلامية عبر صحيفة 'يديعوت أحرونوت' عن أن قرار السماح بدخول المساعدات جاء كجزء من جهود لإعادة تشكيل صورة الجيش الإسرائيلي على المستوى الدولي.
حيث قال مسؤول أمني بارز إنّ: 'مناطق إسقاط المساعدات تم اختيارها بعناية لتكون بعيدة عن خطوط الاشتباك، وذلك لمنع تفسير ذلك على أنه تفاهم سياسي مع حماس.'
وأشار موقع 'أكسيوس' الأميركي إلى أن مستشاري مجلس الأمن القومي الإسرائيلي نصحوا الحكومة بـ'خطوات فورية لإظهار استجابة إنسانية'، محذرين من أن استمرار الحصار الكامل يعقد الدعم الغربي ويعزز الخطاب المعارض لإسرائيل داخل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
مناورة سياسية تكتيكية لكسب الوقت
من جهته، أكد القيادي في حركة المقاومة الإسلامية (حماس) علي بركة، أن الاحتلال الإسرائيلي يستخدم 'الهدنة الإنسانية' كغطاء لارتكاب مزيد من الجرائم بحق المدنيين في قطاع غزة، معتبراً أن ما يجري على الأرض هو 'استمرار لحرب الإبادة والتجويع بحق أكثر من مليوني إنسان محاصر'.
وقال بركة في بيان صحفي، اليوم الأحد، إن جنود الاحتلال أطلقوا النار بشكل مباشر على مواطنين كانوا ينتظرون المساعدات الإنسانية في مناطق مختلفة من القطاع، ما أسفر عن وقوع شهداء وجرحى، في جريمة وصفها بـ'البشعة' و'المضافة لسجل الاحتلال الأسود من المجازر وجرائم الحرب'.
وأضاف: 'ما يُسمى هدنة إنسانية هو محض تضليل لخداع الرأي العام الدولي'، داعياً الأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية إلى التحرك العاجل لوقف ما وصفها بـ'المجازر المتواصلة'، و'كسر الحصار الظالم'، و'فتح المعابر البرية لإدخال المساعدات دون قيد أو شرط'.
وشدد القيادي في حماس، على أن صمت المجتمع الدولي تجاه ما يجري يُعد 'مشاركة ضمنية' في الجرائم، وقال: 'التاريخ لن يرحم من تواطأ أو وقف متفرجاً على معاناة شعبنا تحت نار القتل والتجويع'.
يرى المحلل السياسي المتخصص في الشأن الإسرائيلي نظير مجلي أن خطوة فتح الممرات تأتي ضمن 'مناورة أميركية-إسرائيلية مدروسة تهدف إلى كسب الوقت وفرض وقائع ميدانية جديدة قبل العودة إلى المفاوضات
وقال إن 'إسرائيل تسعى إلى إفشال أي اتفاق تهدئة، وتضغط على الوسطاء مثل مصر وقطر لفرض شروط تخدم مصالحها، وليس حقوق الفلسطينيين.'
وأوضح أن هناك اعترافاً داخل إسرائيل بإمكانية التوصل لاتفاق، لكنه يرى أن غياب الإرادة السياسية لدى نتنياهو هو العائق الحقيقي. ويقول:'نتنياهو يماطل لأنه يخشى خسارة الانتخابات، لذلك يلعب على ورقة استمرار الأزمة لتحقيق مكاسب سياسية.'
بدورها، الناشطة والأكاديمية الفلسطينية رباب عبد الهادي، تحدثت عن دور الإدارة الأميركية في هذه الأزمة، مؤكدة أن واشنطن لا تسعى إلى حل عادل، بل تسعى للحفاظ على الهيمنة الإسرائيلية.
وقالت إن 'الاتفاقات الحالية ليست إلا غلافًا سياسيًا لاتفاقات عسكرية تحفظ السيطرة الإسرائيلية، وتستمر في فرض سياسة التجويع والتهجير.'
وربطت عبد الهادي بين استمرار الحصار والسياسات الأميركية الإسرائيلية، معتبرة أن ما يُسمى بالمساعدات الأمريكية تحولت إلى 'مصائد موت جماعية'.
دور المنظمات الدولية والوسطاء: بين الاستقلالية والتبعية
في الوقت الذي تحاول فيه إسرائيل فرض شروطها على دخول المساعدات بعيداً عن الوساطة التقليدية لمصر وقطر، تبرز تساؤلات حول قدرة الأمم المتحدة والوكالات الدولية على ضمان وصول المساعدات لمستحقيها. فقد نقلت صحيفة 'تايمز أوف إسرائيل' عن مسؤول في الهيئة العسكرية الإسرائيلية قوله:
'لم نمنع أي شاحنة من الدخول، لكن الأمم المتحدة فشلت في التوزيع داخل القطاع، ونحن نعيد تعريف من هو الشريك المسؤول في عمليات الإغاثة.'
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تعني تقويض دور الوسطاء العرب وتقليص نفوذهم، ما يعكس رغبة إسرائيل في إدارة الأزمة وفق قواعدها الخاصة.
رغم السماح بدخول المساعدات، أكدت القيادة العسكرية الإسرائيلية في بيان رسمي أن العمليات ضد 'البنى التحتية للإرهاب' ستستمر، وأن السماح بالمساعدات لا يعني تغيير قواعد الاشتباك.
ويشرح الخبير العسكري الإسرائيلي السابق يعقوب كيدمي، في مقابلة خاصة، أن:'إسرائيل تستخدم الحصار والتجويع كسلاح استراتيجي، فتح الممرات المؤقتة هو مناورات تكتيكية لإدارة الضغوط، وليس تحوّلًا استراتيجياً في السياسات.'
وأضاف:'الهدف هو الحفاظ على الضغط العسكري والسياسي، مع تقديم تنازلات إنسانية محدودة تهدئ السخط الدولي، دون التخلي عن الأهداف العسكرية'.
رغم إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي تعليقًا 'تكتيكيًّا' للعمليات العسكرية في بعض مناطق قطاع غزة لأسباب إنسانية، تواصلت الغارات وعمليات الاستهداف، مخلفة عشرات الشهداء والجرحى.
من جهتها، أعلنت وزارة الصحة في غزة أن إجمالي عدد الشهداء منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 بلغ 59,733 شهيدًا، غالبيتهم من الأطفال والنساء، إلى جانب 144,477 جريحًا، مع استمرار وجود ضحايا تحت الأنقاض لا تستطيع فرق الإنقاذ الوصول إليهم بسبب العدوان المتواصل.