اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ١٧ حزيران ٢٠٢٥
الكاتب:
عبد الرحمن الخطيب
في السنوات القليلة الماضية، باتت الحروب تتخذ توجهات جديدة، حيث لم تعد هذه الحروب والنزالات تحدث فقط على الأرض، بل امتدت إلى فضاءات تكنولوجية متطورة، وأصبحت التهديدات السيبرانية والخوارزميات والأسلحة الذكية تشكل أدوات حاسمة بيد الدول التي تبنتها وطورتها، وهنا، تناول العديد من الكتاب والمختصين الموضوع في محاولة لفهم التحولات والنقلات التي أحدثها الذكاء الاصطناعي وتطبيقاته وابتكاراته في ميدان النزاع العسكري، وهذه السرديات والكتب لا تتحدث فقط عن ماهو موجود الان، بل تشير وتحذر الى مما قد يكون، وتدعو إلى مساءلة أخلاقية وقانونية عميقة في عالم تتسارع فيه التقنيات بأكثر مما تُحترم فيه القوانين، فمن بين هذه الكتب نعرض خمسة منها لتفتح لنا نوافذ على واقع جديد من الحروب الذكية.
يُعد كتاب 'الذكاء الاصطناعي والمعلومات المضللة' لماهر أسعد بيكر والثادر عام 2023 من أبرز المؤلفات التي تكشف كيف تحولت الحرب إلى معركة على العقول، وليس فقط على الأرض، فالذكاء الاصطناعي، بحسب بيكر، لم يعد مجرد أداة مساعدة، بل صار سلاحا مستقلا قادرا على شن هجمات نفسية ومعنوية من خلال تزييف الفيديوهات، وفبركة النصوص، وتوجيه الرأي العام بشكل خفي، وتكمن خطورة هذه الأدوات في أنها لا تترك اثارا واضحة مثل القنابل، لكنها تفكك المجتمعات من الداخل، وتربك القيادات السياسية، وتعيد رسم معالم الحرب دون أن تنطلق رصاصة واحدة.
يرى بيكر أن هذا النوع من الحروب يُدخل البشرية في مرحلة 'الدمار الرمزي'، حيث تصبح الحقيقة قابلة للتشكيل والتزوير في ثوان، ويصعب التحقق من صدق أي رواية، لذلك، يدعو إلى تأسيس ما يسميه بـ'الدفاع المعرفي' القائم على التحقق والوعي الجماعي، من أجل مواجهة سيل الأكاذيب التي تُصنع وتُوزع بذكاء اصطناعي فائق.
أما كتاب 'حروب الذكاء الاصطناعي القادمة' لصلاح شعير، فيأخذنا إلى الجانب الأكثر تقنية في هذه المعادلة، حيث يناقش صعود الذكاء الاصطناعي بوصفه سلاحا استراتيجيا لا يقل أهمية عن الرؤوس النووية، يؤكد الكاتب أن مستقبل الحرب لن يُحسم في الخنادق، بل في مراكز البرمجة ومختبرات تطوير الطائرات بدون طيار والأنظمة القتالية الذاتية، ويشير إلى أن الدول الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين وروسيا، أصبحت تعتبر التقدم في الذكاء الاصطناعي العسكري شرطان أساسيا للبقاء ضمن نادي القوى العظمى.
يحذر الكاتب من أن السباق نحو إنتاج أنظمة مستقلة للقتل يُنذر بكوارث إنسانية، خصوصًا في ظل غياب رقابة دولية موحدة. قد تخرج هذه الأنظمة عن السيطرة، وتؤدي إلى نزاعات لا يمكن احتواؤها، مما يستدعي -برأيه- تعاونًا عالميًا عاجلًا لضبط هذا الانفلات التكنولوجي. فحروب الغد قد تكون أسرع، وأذكى، وأقل وضوحا، لكنها بالتأكيد أكثر تدميرا.
وفي كتاب 'الذكاء الاصطناعي: الأمننة والعسكرة والحوكمة' لعادل عبد الصادق ، نجد تحليلا معمقا لدور الذكاء الاصطناعي في إعادة تعريف مفاهيم الأمن القومي ويرى عبد الصادق أن الحروب الحديثة لم تعد تعتمد فقط على القوة العسكرية التقليدية، بل أصبحت تقوم على المراقبة الاستباقية، والتحليل الذكي لسلوك الخصوم، واستخدام البيانات كسلاح ويشير إلى أن عسكرة الذكاء الاصطناعي أدت إلى تصاعد النزاعات في الفضاء السيبراني، وجعلت من التحكم بالبرمجيات أداة تفوق لا تقل أهمية عن السيطرة على الجغرافيا.
من وجهة نظر عبد الصادق، تكمن الإشكالية الكبرى في غياب أطر الحوكمة الرشيدة، إذ إن استخدام الذكاء الاصطناعي في اتخاذ قرارات القتل أو شن الهجمات دون تدخل بشري مباشر يمثل تهديدا وجوديا للأمن والسلم الدوليين. يدعو إلى بناء نظام حوكمة ذكي يواكب هذا التقدم التكنولوجي، ويضع قيودا أخلاقية صارمة تحول دون انزلاق العالم إلى فوضى خوارزمية.
وفي سياق مماثل، يستعرض كتاب 'الذكاء الاصطناعي والأمن القومي' لأحمد عبد العزيز منصور الأثر العميق لهذه التكنولوجيا على موازين القوى، مؤكدا أن الذكاء الاصطناعي لم يعد خيارا، بل ضرورة استراتيجية للدول التي تسعى لحماية أمنها القومي وتفوقها العسكري، ويسرد منصور كيف أن الأنظمة الذكية أصبحت تلعب دورا محوريا في تسريع اتخاذ القرارات خلال المعارك، وتقليل الخسائر البشرية، وزيادة دقة الضربات.
يلفت النظر إلى أن أدوات مثل الدرونز المسلحة، والروبوتات الهجومية، ونظم الرصد الذكية، أصبحت جزءا من أي عملية عسكرية حديثة لكنه، كغيره من المفكرين، يُحذر من سباق التسلح التقني، ويطالب بمواءمة التطور مع مبادئ الأخلاق والقانون الدولي، حتى لا تتحول النزاعات إلى حروب غير متماثلة لا ضوابط لها.
وفي منحى أكثر نقدا للسياق الجيوسياسي، يقدم مهدي حنا في كتابه 'الذكاء الاصطناعي والصراع الإمبريالي' قراءة لهيمنة الدول الكبرى عبر الأدوات الذكية، يصف حنا الذكاء الاصطناعي بأنه أداة مركزية في الصراع على النفوذ العالمي، مشيرًا إلى أن التفوق في الذكاء الاصطناعي بات مرادفا للتفوق السياسي والاقتصادي والعسكري، فلم تعد السيطرة تقتصر على الأرض أو النفط، بل أصبحت تدور حول البيانات والشبكات والمعلومات.
يربط المؤلف بين تصاعد عسكرة الذكاء الاصطناعي وتنامي النزاعات بين القوى الكبرى، حيث تتسابق الإمبراطوريات الرقمية لتطوير أسلحة قادرة على اتخاذ القرار القتالي بشكل مستقل، يدعو حنا إلى وعي عالمي بحجم الخطر الكامن في هذا التحول، مشددًا على ضرورة بناء تحالفات دولية لتقنين استخدام الذكاء الاصطناعي في الحروب.
هنا، تكشف هذه الكتب عن ملامح عالم جديد تتغير فيه طبيعة الحرب، وتُعاد فيه صياغة مفاهيم الأمن والقوة والنفوذ، فالذكاء الاصطناعي، بما يحمله من وعود وكوابيس، بات حاضرا بقوة في ساحات الصراع المعاصر، فهذه السرديات ليست فقط تحذيرات، بل دعوات للتفكير في مستقبل الإنسانية حين تُترك قرارات الحياة والموت للخوارزميات.