اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٣١ أب ٢٠٢٥
في وقت تتكشف ملامح المخطط الإسرائيلي لتقسيم الضفة الغربية المحتلة إلى كيانات شبه مستقلة تُعرف بـ'الإمارات السبع'، تبدو مدينة الخليل في صدارة هذا المشروع بوصفها النموذج الأول للتنفيذ.
ويرى مختصون أن اختيار الخليل ليس صدفة، بل امتدادًا لسياسة إسرائيلية قديمة تستهدف تفتيت المجتمع الفلسطيني وتحويل السلطة إلى سلطات محلية متناثرة، بما يعيد للأذهان تجربة 'روابط القرى' التي أُجهضت شعبيًا في الثمانينيات من القرن الماضي.
وكانت تقارير صحيفة عبرية، كشفت الجمعة الماضية، أن (إسرائيل) تخطط لاستبدال قيادة السلطة في الخليل بعشائر محلية، وإنشاء حكم منفصل يعترف بـ(إسرائيل) 'كدولة يهودية'، وينضم إلى اتفاقات 'أبراهام' للتطبيع، وذلك ردا على نية عدد من الدول الغربية الاعتراف بدولة فلسطين.
تقسيم الضفة
المختص في الشأن الإسرائيلي عادل شديد يؤكد أن ما يجري في الخليل ليس حدثًا عابرًا، بل هو بداية مشروع استراتيجي تسعى من خلاله (إسرائيل) إلى تقسيم الضفة الغربية، وتحويل السلطة من كيان مركزي إلى مجموعة سلطات محلية متناثرة لا تختلف عن البلديات والمجالس القروية.
ويقول شديد لصحيفة 'فلسطين' إن هذا التقسيم، وبقاء جزء من مدينة ومحافظة الخليل تحت السيطرة الأمنية والإدارية والحياتية الكاملة للاحتلال، شجع (تل أبيب) كما شجع بعض الأطراف المستعدة للتعاطي مع الاحتلال على إحياء تجربة شبيهة بمشروع 'روابط القرى' الذي جُرّب نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات وانطلق أيضًا من الخليل قبل أن يُفشل بفضل صمود الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية.
ما بعد اتفاق الخليل 1997
يشرح شديد أن الوضع في الخليل تغيّر كليًا بعد اتفاق إعادة الانتشار عام 1997، حيث لم يبق الاتفاق على حاله بعد الانتفاضة الثانية، إذ ألغيت فعليًا معظم مناطق (أ) التي كانت تحت سيطرة أمنية فلسطينية. واليوم، باتت محافظة الخليل –التي تبلغ مساحتها 1100 كم² ويقطنها نحو 900 ألف نسمة قرابة ثلث سكان الضفة– خاضعة بالكامل للسيطرة الأمنية الإسرائيلية.
فجيش الاحتلال يقتحم ويعتقل ويهدم المنازل ليل نهار، فيما تقتصر صلاحيات السلطة على الجانب المدني والخدماتي، حتى حركة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة بين مناطق المحافظة تتطلب موافقة إسرائيلية مسبقة عبر ما يعرف بـ'التنسيق الأمني'، الذي قد يُرفض في كثير من الأحيان.
خريطة التقسيم
كما في بقية الضفة، انقسمت الخليل إلى مناطق (أ) و(ب) و(ج)، لكن مع فارق أساسي: الصلاحيات الأمنية كلها باتت في يد الاحتلال. ويضيف شديد أن أخطر ما في المشهد هو منطقة H2 التي تضم البلدة القديمة وجوهر المدينة، حيث أبقت اتفاقية الخليل الصلاحيات الأمنية بيد (إسرائيل)، بينما كانت الخدماتية شكلًا بيد بلدية الخليل، لكن حتى هذه الصلاحيات بدأت ما تسمى 'بلدية المستوطنين' في الخليل بسحبها تدريجيًا من البلدية الفلسطينية، ما يعني تقليص دورها لصالح سلطة المستوطنين.
ويرى شديد أن غياب الأجهزة الأمنية عن هذه المناطق ورفض الاحتلال السماح لها بالعمل فيها، فتح الباب أمام بروز شخصيات محلية لا تجد مشكلة في التعاطي مع الاحتلال. وهذا يعيد للأذهان محاولة إحياء 'روابط القرى' لكن بتسميات وأشكال أخرى، عبر منح بعض الصلاحيات الخدماتية لهذه المجموعات، في إطار مشروع أكبر لتفتيت الهوية الوطنية الفلسطينية وتحويلها إلى هويات محلية وعشائرية وجهوية.
مع ذلك، يشدد شديد على أن هذا المشروع –رغم تزامنه مع حالة التراجع التي تعيشها الحركة الوطنية الفلسطينية بسبب اتفاق 'أوسلو' وحظر عمل حركتي حماس والجهاد وتحول فتح إلى حزب تابع للسلطة– لن يُكتب له النجاح.
ويستعيد في هذا السياق تجربة السبعينيات والثمانينيات، حين سعت (إسرائيل) لتصفية الحركة الوطنية وتنصيب روابط القرى بعد اجتياح بيروت وخروج منظمة التحرير إلى المنافي، إلا أن النتيجة جاءت عكسية تمامًا، حيث أعاد الفلسطينيون إحياء هويتهم الوطنية، ما مهّد لانطلاقة الانتفاضة الأولى التي أذهلت العالم وأفشلت المشروع الإسرائيلي.
أوهام توراتية
من جانبه، الكاتب والمحلل السياسي، جهاد حرب، رأى إن خطة نتنياهو الرامية إلى استبدال السلطة بعشائر في الضفة الغربية، وتحديدًا في الخليل، تأتي في إطار استراتيجية استعمارية ذات جذور تلمودية تهدف إلى منع قيام كيان سياسي فلسطيني مستقل.
وأوضح حرب أن نتنياهو يستند إلى أوهام توراتية قديمة يعتبر فيها الضفة الغربية 'يهودا والسامرة'، وجزءًا لا يتجزأ من 'أرض (إسرائيل)'.
وأضاف أن (إسرائيل) تعمل منذ 2022 على تكثيف الاستيطان، وربط المستوطنات عبر مشاريع مثل 'E1' لفصل شمال الضفة عن جنوبها، ومنع أي إمكانية لقيام دولة فلسطينية.
وأشار إلى أن استهداف الخليل له بعد ديني وسياسي، لارتباطها بالحرم الإبراهيمي ورمزيتها في الموروث التلمودي، غير أن العشائر الفلسطينية ترفض التعاون مع الاحتلال حفاظًا على الثوابت الوطنية.
وخلص حرب إلى أن (إسرائيل) توظف أدوات مالية وعسكرية لفرض رؤيتها، لكن 'المشروع يفتقر لأي تجاوب فلسطيني وطني حقيقي'، والشعب يقف له بالمرصاد.
وفي 6 يوليو/تموز الماضي، تبرأت عشائر الخليل في مؤتمر صحفي، من مقترح إقامة 'إمارة عشائرية' في المحافظة، وأكدت التزامها بالثوابت الفلسطينية. وفي حينه، أعلن ممثل عشائر الخليل نافذ الجعبري، رفضه لما تضمنه تقرير لصحيفة 'وول ستريت جورنال' الأميركية، عن مقترح أحد أفراد عائلة الجعبري 'الاعتراف بـ(إسرائيل) دولة يهودية'.