اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٢ تموز ٢٠٢٥
منذ أن تعرف الناس في فلسطين وخارجها على الملثم أبي عبيدة قبل أكثر من 20 عاماً عبر خطاباته التي رافقت عمليات أو حروب المقاومة، اتخذ رمزية خاصة غير مسبوقة، وظلت له مكانة عالية في نفوس كل أنصار المقاومة على امتداد الأمة.
لم يكن منشأ هذه المكانة العالية والرمزية العظيمة حسن الخطاب وحسب، ولا قيمة وبلاغة المعاني فقط، إنما كان ذلك لأنه خطاب مشفوع بالفعل أو معبر عنه، ومنطلق من مصداقيته الكبيرة، ومن تراكم متصاعد للأداء المقاوم للجهة التي يمثلها الملثم وهي كتائب القسام.
ثم إن خطاباته ارتبطت في الأذهان بأحداث عظيمة كانت باعثة للفخر كعملية أسر شاليط ثم صفقه وفاء الأحرار، وما رافق كل الحروب وما بينها من خطابات وإعلانات عن تطور العتاد والأداء المقاوم ودلالاته، وما اكتنف كل ذلك من معانٍ ساهمت في تثبيت فكرة المقاومة في النفوس وحشد الجمهور من حولها وتعزيز قناعته بها.
يضيق المقام عن عرض كل العوامل والمحطات التاريخية المعاصرة للمقاومة التي أدت إلى تكريس رمزية الملثم والتفاعل الصادق والعريض مع كلماته، لكنها كانت منبعثة من أصالة المنهج وصدق البذل وتعاظم التضحيات ومتانة التحدي والتزام الفعل ثم استشعار الفخر والعزة في كل محطه أو مرحلة.
في خطابه الأخير كان واضحا حجم الغضب واستشعار الخذلان اللذين نطقت بهما عينا الملثم من خلف اللثام، فالملثم الذي كان يحدث الناس عن صنيع وإنجاز الجيش الذي يتحدث باسمه ها هو اليوم يسأل الناس عن دورهم وفعلهم المقابل، حين أصبحت الساحة التي حملت هم المواجهة في دائرة استهداف إجرامي إبادي غير مسبوق، ذلك أن الإيمان بمشروع المقاومة والانتساب له لا يقتضي فقط تأييده وتمجيد جنده، بل في لحظة معينة سيكون لزاماً على أنصاره أن يقدموا ما عليهم من واجبات وأن يدفعوا ما يلزم من أثمان لصون هذا المنهج والحفاظ على هذا المشروع، وللتخفيف من معاناة الناس في ساحته الأساسية.
و غزة التي يتجسد فيها نهج المقاومة بصورته المثلى، والتي ظلت الأكثر وفاءً له والتزاماً بمقتضياته ودفعاً لكل أثمانه، هي اليوم، بل منذ عدوان كيان الإبادة عليها، بحاجة إلى من يسند عودها ويمتن صمودها ويوقف نزيفها ومعاناتها، وليس فقط من يشيد به من بعيد.
احتياجها هذا لا تقوم به جهة دون أخرى أو شعب دون آخر، لأن *مواجهة كيان الاحتلال هو ذود عن كل الأمة، وهو ما يعني أن مَن مَلك أن يبذل في هذه المعركة أقصى طاقته، ثم قدم لها وبين يديها الفتات، قد قصر في أداء ما عليه،* حتى مع كون كل إسناد مهم وكل دور ضروري، وحتى تلك الأدوار الإعلامية التي ساهمت في تفكيك السردية الصهيونية عبر العالم وفي تسليط الضوء على جرائم الاحتلال وإبقائها محل متابعة وتفاعل، حتى هذه ضرورية رغم أنها لا تفعل الكثير تجاه حاجة الوقت الراهن وهي إنهاء المجاعة وفك الحصار عن غزة ووقف المجازر الوحشية اليومية فيها.
مفهوم أن هناك تفاوتاً فيما تستطيع أن تقدمه كل ساحة أو كيان أو جهة، وحتى كل فرد، لكننا جميعا نحتاج أن نتجرد من أهواء التبرير وعوامل التخذيل، لكي نصدق مع أنفسنا ونسألها حقا إن كانت قد بذلت طاقتها القصوى، أم اكتفت بأضعف الإيمان وبما يمكن أن يواسي ضميرها وسؤال التقصير والخذلان فيه.
وحين نجد اليوم أن دولاً كبيرة وازنة يكتفي قادتها بخطاب الإدانة، وبمطالبات عشوائية بوقف الإبادة فإن حال الشعوب وقواها الحرة لن يكون أكثر جدوى إلا إن مارس هؤلاء ضغطاً مباشراً وعملياً على أنظمتهم لتخجل من نفسها ومن بلادتها الأخلاقية أولاً، ثم لتكون ملزمة باتخاذ خطوات حقيقية لوقف المأساة في غزة حتى وإن ترتب على خطواتها أثمان، والأمر ذاته ينطبق على كل منفعل بقضية غزة وفجيعتها، في موقعه وساحته، وإلا فإننا جميعا سنظل موسومين بالتقصير والانسحاب والاكتفاء بتمجيد فعل نستثقل ثمن الإقدام على مثله، أو إسناد أهله كما ينبغي، وبما يحد من مأساتهم أو ينهيها.