اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢١ تموز ٢٠٢٥
منذ سقوط النظام في سورية، تعاملت 'إسرائيل' مع الوضع الجديد في سورية، وفق مبدأ أن هناك فرصاً جديدة تولّدت يتوجب على الكيان الإسرائيلي استغلالها، من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب والإنجازات الاستراتيجية، مستخدمة الانتكاسة التي تعرضت لها في السابع من أكتوبر 2023، كوقود دافع إلى استعمال أقصى حد من القوة العسكرية بطريقة غير مسبوقة، علّها تستطيع ترميم ما انهار من صورة ردعها، وما ظهر من هشاشة أجهزتها الأمنية والعسكرية. واستكمالاً لذلك، عمدت إلى تحديد خطوط حمر يتناسب وتحقيق أهدافها التوسعية في البيئة الاستراتيجية المحيطة.
ففي سورية، هدفت إلى إعادة تشكيل المشهد الأمني والسياسي هناك، بما يتلاءم مع مشروعها الإقليمي الأشمل، والقائم على تفتيت الدول المجاورة وتحويلها إلى كيانات ضعيفة ومجزأة يسهل إخضاعها أو تحييدها. تقوم هذه الاستراتيجية على مجموعة مترابطة من الأهداف، أبرزها: تقويض الدولة المركزية في دمشق، وتحقيق سيطرة مباشرة أو غير مباشرة على بعض المناطق، عبر نفوذ أمني أو دعم لكيانات مذهبية أو قومية موالية لها.
ففي الشمال السوري، قامت منذ اندلاع الثورة السورية سنة 2011، بنسج علاقات أمنية مع المكون الكردي، من خلال تزويده بالسلاح، ومده بالخبرات الأمنية والعسكرية اللازمة. كما قامت بتشجيع الإدارات الأمريكية على دعم قيام إقليم كردي مستقل، أو على الأقل تشكيل إقلمي كردي يتمتع بالاستقلال الأمني والسياسي، ويرتبط بعلاقة لا مركزية مع الدولة السورية، سواء خلال الثورة أو بعد سقوط نظام الأسد.
أما في الجنوب، فقد تكفّلت منذ سقوط النظام، بتدمير المقدرات العسكرية والأمنية السورية على كامل الأراضي السورية، حارمة النظام السوري الجديد من الاستفادة من هذه المقدرات من أجل بسط سلطة الدولة على كافة الأراضي السورية من جهة، وإدخال النظام الجديد في حالة من عدم الاستقرار السياسي والترهل الإداري من جهة أخرى؛ ما يجعل قيام دولة مركزية قوية مسألة دونها العديد من العقبات والصعوبات.
هذا الوضع الناشئ في سورية، وفق المنظور الإسرائيلي، يزيد من قدرة الكيان الإسرائيلي على المناورة سواء في الشمال أو في الجنوب السوري.
ففي الشمال، الحالة الكردية تزيد من الضغط على الجانب التركي وتهدد نفوذه في حديقته الخلفية؛ ما يوفر أوراق قوة للجانب الإسرائيلي يمكن توظيفها في التوافقات أو التسويات النهائية الشاملة مع الجانب التركي في ما يتعلق بحدود نفوذ الطرفين في سورية، كما أنها تُظهر ضعف سيطرة الدولة السورية على الأطراف.
أما في الجنوب السوري، فبعد أن قامت 'إسرائيل'، مباشرة بعد سقوط النظام، باحتلال المزيد من الأراضي السورية، والسيطرة على أعلى نقطة على جبل الشيخ، كاشفة من خلالها منطقة دمشق وما بعدها، ومشكلة حالة إنذار مبكر للكيان، بدأت تتذرع بحماية المكون الدرزي السوري، وفق مبدأ 'حلف الدم' وتمهيداً لقيام مشروع 'حلف الأقليات'؛ من أجل تثبيت معادلة جديدة وتحديد خطوط حمر جديدة، تقوم على إنشاء منطقة منزوعة السلاح في الجنوب ومنع انتشار الجيش السوري هناك، تُحدد هذه المنطقة- والتي يكون لـ'إسرائيل' فيها حرية عمل وسيطرة- وفق التصور الإسرائيلي، من بداية الحدود الجنوبية للعاصمة دمشق، وتمتد لتشمل محافظتي درعا والسوداء، وصولاً إلى الجولان السوري المحتل.
إن نجاح هذا المشروع الإسرائيلي، يؤدي بالضرورة إلى تقسيم سورية إلى كيانات مذهبية وقومية، بما ينسجم مع خريطة 'الشرق الأوسط الجديد' التي طُرحت في مراكز دراسات غربية وإسرائيلية منذ عقود.
إلى جانب ذلك، تعمل 'إسرائيل' من خلال ذلك، على ترسيخ فكرة أنها شرطي المنطقة، والقوة القادرة على فرض المعادلات الأمنية والسياسية، عبر ضرباتها الجوية المتكررة داخل الأراضي السورية، تحت ذريعة حماية الأمني القومي الإسرائيلي ومنع نشوء حالات تهديد مستقبلية على الكيان.
إن هذه الاستراتيجية الإسرائيلية لها تبعات وانعكاسات خطيرة، ليس فقط على سورية، بل على مستقبل الإقليم ككل. فهي تكرس منطق التفتيت، وتُعمّق الشروخ الطائفية، وتُضعف قدرة الدول على التعافي أو إعادة البناء. كما أنها تُعيد إنتاج أجواء الصراع وارتفاع 'جدران الدم'، وتُبقي المنطقة رهينة لصراعات لا نهائية، على المدى الطويل.
في المحصلة، ما تسعى إليه 'إسرائيل' في سورية هو أكثر من حماية أمنها القومي؛ إنه محاولة لتجسيد حلم 'إسرائيل' الكبرى؛ أي المهيمنة سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا على محيطها العربي والإسلامي.