اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٥ أيار ٢٠٢٥
في أحد الأزقة المزدحمة غربي مدينة غزة، تسير سامية الجملة (52 عامًا) بخطى متعثرة، مستندة تارة على يد زوجها المثقل بالألم، وتارة على ذراع ابنتها الصغيرة 'دنيا' ذات العشرة أعوام، التي أصبحت في عمرٍ مبكر أكثر من مجرد طفلة.
فالأم سامية، فقدت بصرها بعينها اليمنى إثر قصف إسرائيلي عنيف وقع بداية الشهر الجاري، لتتحول حياتها بين ليلة وضحاها إلى عتمة دائمة.
قبل الإصابة، كانت 'سامية' تحاول مع أسرتها لملمة ما تبقى من حياتهم بعد الدمار الكبير الذي لحق بمنزلهم في مخيم الشاطئ خلال الحرب الأخيرة.
كانت تطهو لعائلتها، تنظف المكان، وتضحك حين تتخيل اليوم، الذي سيعاد فيه بناء بيتهم، وتحلم مع زوجها بذلك النهار الذي تستيقظ فيه غزة، دون صوت صواريخ أو غبار ركام، لكن ذلك اليوم لم يأتِ بعد.
ظلام دامس
وفي أحد الأيام، وبينما كانوا يتبادلون أطراف الحديث داخل منزل شقيقتها في أبراج الكرامة، هز قصف مهول المنطقة، فسقطت 'سامية' بقوة في أحد أركان الغرفة، وكانت الإصابة مباشرة في عينها اليمنى.
لم تدرك حينها الأم، أن تلك اللحظة ستكون فاصلة في حياتها، تفقد فيها الرؤية نهائيًا من تلك العين.
وتقول سامية لصحيفة 'فلسطين' بأسى: كنت أرى بعيني اليسرى بعد معاناة طويلة مع الغلوكوما، خضعت لعملية بعد عودتي من النزوح الطويل عقب اتفاق وقف إطلاق النار المؤقت في يناير، وبالكاد كنت أرى، لكنني كنت ممتنة، ثم جاء هذا الانفجار وسلبني كل شيء.
و 'الغلوكوما' مرض عيون خطير ينتج عن ارتفاع ضغط العين ويتسبب في تلف العصب البصري، وقد يؤدي إلى فقدان البصر الكامل إذا لم يُعالج.
ومع إصابة سامية، الجديدة، لم تعد تلك العين اليسرى قادرة على تعويض فقد اليمنى، بل تأثرت هي الأخرى، وأصبح الظلام رفيقها الدائم.
وتقولها بصوت يملؤه الحنين، وتمسح دمعة لم ترها لكنها شعرت بثقلها: لا أستطيع الحركة وحدي، كل شيء تغير، كنت أطبخ، أساعد ابنتي على ارتداء ملابسها، أختار لها أجمل الفساتين، أمشط شعرها وأزينه، فاليوم لا أستطيع حتى تمييز الألوان.
بيئة آمنة
ويعاني زوج سامية، من مشاكل في العمود الفقري، وبات هو من يحمل همَّ تنقلها اليومي، بينما 'دنيا' تحاول أن تكون عيني ويدي، تقول الأم بحزن شديد: 'أشعر بالعجز تجاههم، فبنتي الصغيرة تحتاج من يرعاها، لكنها الآن ترعاني أنا'.
أما زوجها، فيحاول بكل طاقته توفير بيئة آمنة رغم الخراب المحيط، مضيفًا: 'بعد أن وجدنا منزلنا في مخيم الشاطئ غربي مدينة غزة، مدمّرًا، لجأنا إلى بيت شقيقتي'.
ويروي الزوج: 'لكن القصف هناك غيّر كل شيء، قررنا العودة إلى منزلنا المدمر ونصبنا خيمة فوق الركام، على الأقل هناك نملك بعض الذكريات'.
ويمضي: الأطباء أخبروهم أن لا علاج ممكن في غزة، فالإصابة بحاجة إلى عمليات دقيقة غير متوفرة بسبب الحصار وتدمير البنية التحتية الصحية، فمستشفى العيون الوحيد الذي كان يقدم بعض الخدمات دُمّر جزئيًا، ولم يتبقَ فيه إلا القليل من الأدوات غير الكافية لمعالجة الحالات المعقدة مثل حالة زوجتي.
وتهمس 'سامية' وكأنها تخشى ألا يسمعها أحد 'أحتاج إلى السفر للخارج، أريد فقط أن أرى وجه ابنتي مرة أخرى، أن ألبسها فستانًا بيدي، أن أفرح بها كأي أم في العالم'.
وأوضح مدير مستشفى العيون في غزة، الدكتور عبد السلام صباح، في حديث سابق لصحيفة 'فلسطين' أن آلاف المرضى في القطاع يواجهون خطر فقدان البصر بشكل دائم، وأن نحو 5000 مريض بحاجة إلى تدخل عاجل، و1500 فقدوا بالفعل بصرهم خلال الحرب، غالبيتهم أطفال ونساء.
ورغم الألم والظلام، لا تزال 'سامية' تأمل أن يسمع العالم صوتها، قائلة: 'أريد فقط فرصة للحياة.. لا أكثر لا أريد أن أموت وأنا لا أرى ابنتي'.