اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٠ أب ٢٠٢٥
'هذه ليست مساعدات إنزال جوية.. هذه مساعدات إذلال.. لا تكفي لشعب محاصر ولا تساوي نصف شاحنة تدخل برا'، بهذه الكلمات عبر الشاب عدي ناهض القرعان عن رأيه بشأن إسقاط بعض الدول العربية والغربية المساعدات الجوية فوق غزة التي تعيش مجاعة كارثية في العصر الحديث.
وظهر القرعان في مقطع فيديو متداول وسط حشد من المواطنين يتدافعون صوب صندوق سقط أرضا من المساعدات الجوية، وتساءل بغضب: 'لمن ستكفى هذه المساعدات؟ هل هذه طريقة إنسانية لتوزيع الطعام على شعب نازح ومنهك من الحرب والحصار والمجاعة؟'.
وأشار إلى أن آلية إيصال المساعدات عبر الإنزال الجوي تشعل الفوضى بين المجُوعين، وتدمر خيام النازحين المنكوبين، مستهجنا تقاعس تلك الدول عن كسر الحصار المطبق على غزة، وإنقاذ سكان القطاع من المجاعة وسوء التغذية التي حصدت أرواح 197 شهيدا بينهم 96 طفلا حتى اللحظة.
وختم القرعان حديثه بأن هذه 'مساعدات إذلال'، قبل أن يرتقي الأسبوع الماضي، نتيجة ارتطام صندوق مساعدات جوية بجسده وسقوطه أرضا دون إنقاذه من تدافع المواطنين المجُوعين.
ولتفادي الغضب العالمي والأممي من مشاهد انتشار المجاعة وسوء التغذية بين الغزيين، سمح جيش الاحتلال مطلع أغسطس/ آب الجاري لطائرات عربية وغربية بتنفيذ عمليات إنزال مساعدات غذائية فوق سماء غزة.
لكن حادثة ارتقاء الحكيم القرعان ومواطنين آخرين من بينهم آدم الشرباصي من غزة والطفل مهند عيد من النصيرات، خلال اليومين الماضين، نتيجة سقوط صندوق المساعدات فوق خيامهم، أعادت الجدل حول فعالية وسلامة إمداد غزة بالمساعدات عبر الإنزال الجوي.
وأكد الدفاع المدني في غزة أنه يدرك حجم الاحتياج الإنساني إلا أنه يتابع بقلق لجوء جهات دولية لإنزال مساعدات جوا، مؤكدا أن هذه الآلية تهدد حياة المدنيين.
'تقتل لا تنقذ'
وعلى أية حال، يقول المواطن حسين مقداد (42 عاما) إنه وسط المجاعة ودعم جيش الاحتلال للفوضى وعصابات اللصوص بالسطو على شاحنات الدقيق، لم يعد خيارا أمامه سوى التوجه للمناطق المتوقع إنزال مساعدات جوية فيها.
يعترف الأب لخمسة أبناء بمخاطر تلك الآلية وأنها ليست ذات جدوى، لكنه يذهب يوميا غرب مخيم النصيرات، ولخص الأمر: 'نحن في مجاعة، لا توجد خيارات أمامنا سوى البحث عن الطعام من وسط الموت'.
ويضيف في حديثه لصحيفة 'فلسطين': 'الأطفال يصرخون من الجوع، والآباء أمام خيارات صعبة وضيقة جدا'، مشيرا إلى أن تدافع المجٌوعين صوب تلك الصناديق يتسبب بحوادث شجار وإصابات بين مختلف الأعمار.
ويتابع: 'الحل ليس بإلقاء المساعدات من الجو .. الحل يكمن بإدخال المساعدات بطريقة آمنة ويوميا لضمان وصولها لجميع السكان'، وهذا ما تريده الأرملة سناء أحمد (37 عاما) وتحدثت: 'أنا زوجة شهيد، لا أستطيع مزاحمة الرجال على صندوق المساعدات'.
وبرأي الأرملة سناء في حديثها لصحيفة 'فلسطين' فإن الحل يكمن بإيصال المساعدات الخاصة للنساء والأطفال بطريقة آمنة وفعالة.
وناشدت تلك الدول بضرورة احترام كرامة المواطنين وتوزيع المساعدات الغذائية عليهم عبر مؤسسات الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية.
ويحذر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) المدعوم من الأمم المتحدة من أن 'أسوأ سيناريو للمجاعة يتكشف'، بينما وثقت منظمة الصحة العالمية ارتفاعا حادا في وفيات الأطفال المرتبطة بسوء التغذية.
'هندسة التجويع'
بحسب مدير المكتب الإعلام الحكومي د. إسماعيل الثوابتة فإن آلية إنزال المساعدات جوا يتسبب بارتقاء ضحايا وجرحى من المدنيين وتدمير خيام وممتلكات النازحين.
وأفاد الثوابتة في حديثه لصحيفة 'فلسطين' بارتفاع أعداد شهداء سقوط المساعدات الجوية لـ25 شهيدا منذ بداية الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023م وحتى اللحظة.
وأوضح أن هذه الآلية غير فعالة ولا تساهم بالحد الأدنى من احتياجات المواطنين وسط 'بحر الحاجة' الإنسانية لشعبنا.
وتطرق إلى أثار سلبية أخرى لإنزال المساعدات كالفوضى وتشكيل عصابات اللصوص والبلطجة والتدافع، مؤكدا أن هذا ما يتعمد الاحتلال استغلاله كأداة لتعزيز الفوضى ضمن سياسة 'هندسة التجويع' في إطار حرب الإبادة الجماعية.
ونوه إلى أن غزة بحاجة لأزيد عن 600 شاحنة يوميا لإنقاذ سكانها ومختلف القطاعات الحيوية من الكارثة والإبادة الجماعية التي لا تزال (إسرائيل) تعمق دمار جميع مناحي الحياة فيها.
وشدد الثوابتة على ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية والغذائية والصحية لغزة عبر معابرها ومنافذها البرية؛ لضمان وصولها للمؤسسات الأممية ووكالات الإغاثة العاملة في القطاع وتوزيعها بشكل آمن وعادل على السكان البالغ عددهم أزيد عن 2 مليون نسمة.
تكلفة عالية
تعتبر المنظمات الإنسانية عمليات الإنزال الجوي الملاذ الأخير بالنظر إلى المخاطر على الأرض. وكتب في هذا السياق المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) فيليب لازاريني على موقع (إكس) أن عمليات الإنزال الجوي مكلفة وأقل فعالية من عمليات التسليم البرية عبر المعابر.
وأضاف أن 'كلفة عمليات الإنزال الجوي أكثر بمئة مرة على الأقل من تكلفة الشاحنات؛ إذ أن الشاحنات تحمل ضعف كمية المساعدات التي تحملها الطائرات'.
كما أقرّ وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول بمحدودية عمليات الإنزال الجوي، ودعا سلطات الاحتلال إلى فتح المعابر البرية لإيصال المساعدات بفعالية. وقال: 'إن الطريق البري بالغ الأهمية. وهنا، يقع على عاتق (إسرائيل) واجب السماح بسرعة بمرور ما يكفي من المساعدات الإنسانية والطبية بأمان، حتى يمكن منع الوفيات الجماعية بسبب الجوع'.
أما منظمة الصحة العالمية فوصفت الإنزالات الجوية بأنها 'حل مؤقت وغير عملي'، مطالبة بفتح المعابر أمام دخول ما لا يقل عن 600 شاحنة يوميًا لضمان تدفق الغذاء والدواء بشكل منتظم وكاف.