اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٦ تموز ٢٠٢٥
الصمت في وجه الظلم ليس ”حيادًا“ بل وقوفًا إلى جانب الظالم. لأن الظالم يستمد قوته من الجمهور الذي لا يوقفه. عندما يصمت الإنسان ضد الاضطهاد، فإنه يقوم أولاً بتدمير إنجازه الأخلاقي ومن ثم أخلاقيات مجتمعه. لذلك، فإن الصمت ضد الظلم هو في الواقع نوع من هندسة التدمير الاجتماعي.
يتفشى الصمت ضد الظلم كالمرض بين أفراد المجتمع ويتطور إلى مرض اجتماعي. وليس من المستغرب أن مصير المجتمعات التي لا تستطيع التخلص من هذا المرض هو وحدة العناية المركزة ثم الموت!
حالة الصامتين ضد الظلم
إن نهاية الصامتين على الظلم والظالمين يضرب بها المثل. ولكن للأسف المجتمعات الإسلامية لا تعرف التاريخ . ولذلك، لا يُلدغون من نفس الجحر مرتين بل مئات المرات. كان سقوط الأندلس أحد أبرز الأمثلة في هذا السياق. نعم، لم تسقط الأندلس فجأة. بل سقطت مدينة تلو الأخرى، ومنطقة تلو الأخرى. ولم يخطر ببال الحكام الذين وقعوا معاهدة سلام مع النصارى ولم يأخذوا العبرة مما حدث لجيرانهم أنهم سيكونون التاليين. فغرناطة التي سكتت على نار قرطبة كان مصيرها نفس النهاية. وبعبارة أخرى: إن الهزيمة التي تعرضوا لها هي في حد ذاتها كانت إخفاقا أخلاقيا صارخا. والمسلمون اليوم الذين ينحصرون في حدود الفردانية سيظلون يتعرضون لمصائب عظيمة لأنهم لا يأخذون العبرة من التاريخ. أولئك الذين لا يرفعون أصواتهم ضد ظلم اليوم سيذوقون بالتأكيد النهاية المريرة التي يخبئها لهم الغد!
حلول لتجاوز الصمت في ضوء أحداث غزة.
اليوم غزة ليست مكانًا جغرافيًا تُخاض فيه الحرب، بل هي امتحان تُختبر فيه الإنسانية بكل طبقاتها. ولذلك، فإن أولئك الذين يفضلون الصمت في هذا الاختبار، والذين يتخلون عن المظلومين هم شركاء في الإبادة الجماعية التي تُرتكب. في هذه المرحلة، يمكننا جميعًا أن نفعل شيئًا كأفراد. لأن المقاومة ليست بالسلاح فقط.
- رفع مستوى الوعي: يجب أن نخبر الناس من حولنا عن غزة. يجب أن نفضح أكاذيب الصهاينة في وسائل الإعلام وننشر الحقيقة.
- المقاطعة: يجب ألا نعطي أموالنا للقتلة الصهاينة أو الشركات التي تدعمهم. دعونا لا ننسى أن كل ليرة تدخل خزائنهم هي رصاصة تصيب المظلومين.
- الضغط السياسي: يجب أن نوقع، ونشارك في المظاهرات، ونكتب، ونوجه رسائل إلى صناع القرار.
- الدعاء والمساعدات المالية: دعونا لا ننسى أن الدعاء سلاح المؤمن. لنجعل نوايانا صادقة وندعو للمظلومين ونسعى لتقديم المساعدات المالية للتخفيف عنهم.
أكلت يوم أكل الثور الأبيض
يروى أن أسدًا أراد أن يأكل ثلاثة ثيران: أبيض وأسود وأحمر. فكانوا متحابين، يتعاونون ويتناصرون، ولا يستطيع الأسد أن يغلبهم مجتمعين. فخدع الأسد الثورين الأسود والأحمر، وقال لهما:
- لا أريد سوى الثور الأبيض لأنه يلفت الأنظار إليّ، دعاني آكله وأدعكما.
فوافقا، وأكل الأسد الثور الأبيض. ثم جاء دور الثور الأحمر، فاستفرد به الأسد وأكله. فلما جاء دور الثور الأسود قال كلمته المشهورة: أكلت يوم أكل الثور الأبيض!
نعم، لن يتوقّف الظلم والاضطهاد في حدود غزة فقط. فالذين يصمتون عن الظلم هناك اليوم سيتعرضون لمذبحة في بيوتهم غدًا. على الأحمق الذي يصمت ويتجاهل بينما يحترق بيت جاره أن يتذكر أنه سيحترق في تلك النار. وبعبارة أخرى، إذا سكتنا اليوم، فإننا غدًا نعتبر أننا سلمنا رقابنا للجلاد مجانًا. إن الذين يقولون: ”ما يهمني“، هم الفاسدون الذين في طليعة المفسدين ممن يسيء إلى المجتمعات. دعونا لا ننسى أن الظلم حين ينتشر لن يترك المشاهد أو الصامت!
الصمت في أوقات الظلم خيانة. يثبت الناس حقيقتهم في مثل هذه الأوقات العصيبة. كل الناس طيبون في الغنى. أنتم انظروا إلى من هو صالح في الفاقة! اليوم، لا يُذبح في غزة الأطفال وحدهم بل الإنسانية وكل الإنجازات الإنسانية تضيع أيضا. أولئك الذين يسكتون عن هذه الوحشية يقفون في نفس الصف مع الظالمين في الاعتداء على إنسانيتنا. علينا الآن أن نتخذ هذا الخيار: أن نحافظ على إنسانيتنا مهما كان الثمن في هذه الفترة التي مات فيها الضمير أو أن نتفرج على ما يحدث مثل جثة ميتة دون أي رد فعل ثم نفقد ما يجعلنا بشرا من المعاني السامية. هذا القرار سيحدد مصيرنا...