اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٨ حزيران ٢٠٢٥
*﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ﴾* [المائدة: 64]
في خضم هذا الصراع الذي لا ينتهي، حيث تتهدد المنطقة بحرب إقليمية قد تُشعلها نيران الطموحات الكبرى، يقف التاريخ على مفترق طرق. عصابات الإبادة التي ظنّت نفسها لا تُقهر، تُدرك اليوم أن عهدها يوشك على النهاية، وأن أقدار الله تمضي كما كُتبت في كُتب السماء. في لعبة القوة والمصير، حيث تتداخل المصالح وتتقاطع الحروب، يبقى وعد الله قيد التجربة والرجاء: هل ستُطفئ يد الله نيران الفتن؟ أم ستُشعل نارًا أكبر تُغير ملامح العالم بأسره؟ لكن الأمل، كما كان دومًا، في قلوب من يؤمنون أن الحق لا يموت، وأن النصر حتمي لمن صبر وثابر، مهما طال الليل.
أكثر من عام ونصف على المحرقة في غزة، والعالم يقف عاجزًا، صامتًا، وقد تشظّت مفاهيم 'الشرعية الدولية' و'القانون الإنساني' إلى شظايا بُركانية من قنابل فوسفورية وصواريخ وزن طن. ورغم كل هذا، تواصل عصابات الإبادة طريقها نحو نُذر حرب إقليمية، بعدما أيقنت أن معركة غزة صارت مستنقعًا يبتلع جنودها وهيبتها. فلا نصر تحقق، ولا مقاومة انكسرت، بل صار الطوفان عنوانًا لمعركة استنزاف تجرّهم نحو الهاوية.
وبينما تغرق في غزة، تبحث عصابات الإبادة عن خلاص في إشعال جبهة أكبر، فتدفع نحو صدام إقليمي مباشر مع إيران، متأملة أن تتكفّل أمريكا بالحرب نيابة عنها، فتكون النار أمريكية، والرماد إيراني، أما هي فتعود إلى دور 'السيد الإقليمي' وسط الأنقاض. لكنها تحفر قبرها بيدها، فإيران اليوم ليست كما كانت قبل عقدين، وقصف طهران وتبريز لم يمر دون رد، بل فتح على 'تل أبيب' أبواب الجحيم، بصواريخ الفجر وطائرات الظل.
العالم يتبدّل. الدب الروسي يُطل من الشمال، والتنين الصيني يرقب المشهد من خلف البحار، ينتظر لحظة سقوط الإمبراطورية الأمريكية ليتقدّم. كلاهما يجد في هذه الحرب فرصته التاريخية لتقويض النظام الدولي القائم، عبر دعم غير معلن لطهران ومحور المقاومة. أمريكا تترنّح، لم تكد تخرج من مستنقع أفغانستان حتى وجدت نفسها في مستنقع آخر، مرشّح أن يمتد من غزة إلى هرمز إلى المتوسط.
أما تركيا، صاحبة الحدود الأطول والأكثر حساسية مع ساحات الحرب، فهي تدرك أن أي مواجهة شاملة لن تُبقيها في موقع المتفرج. وإذا اتّسعت رقعة المعركة، ستجد نفسها جزءًا من حريق جيوسياسي يهدد قلب آسيا والأناضول.
ومع اتساع دوائر النار، يبدو أن العالم العربي هو الضحية الأكبر، ليس فقط بما يتكبد من خسائر بشرية واقتصادية، بل لأنه بات خارج معادلة الفعل والتأثير. فالأنظمة التي راهنت على 'السلام الإبراهيمي' و'التحالف مع القوة'، تجد نفسها اليوم عارية سياسيًا، بلا حلفاء حقيقيين، ولا قدرة على الوقوف حين تسقط السماء. لقد سلّموا مفاتيح قصورهم وقرارهم للسيد شمشون، فلا وزن لهم في لحظة القرار، ولا كرامة لهم في لحظة النار. وإذا اشتعلت الحرب الإقليمية، فإن أوّل من سيدفع الثمن هو من فرّط في البوصلة، وتنكّر لدماء شعبه في غزة والضفة والقدس.
فهل يتجدد وعد الله بزوال الكيان المؤقت بهذا السيناريو؟
أم نكون أمام تكرارٍ لسُنّة إطفاء النار قبل أن تعم، كما قال تعالى: ﴿كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ﴾؟
يقيناً، أن عجلة الزوال دارت، وأن نهاية عصابات الإبادة لم تعد حلمًا مؤجلاً، بل شمسًا تُشرق مع كل فجر مقاومة، وتُصليهم نارًا كلما أرادوا استعلاءً.