اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٩ تشرين الأول ٢٠٢٥
في أحد الأسواق الشعبية وسط قطاع غزة، يتعالى صوت الشاب عبد الحكيم إسليم وهو ينادي لبيع ثمار الزيتون، عارضًا الكيلوغرام الواحد بسعر 25 شيكلًا للزيتون الأخضر و28 شيكلًا للزيتون الأسود.
مشهدٌ مألوف في مثل هذا الوقت من العام، لكنه يحمل ملامح مختلفة تمامًا عمّا اعتاده الغزيون في مواسم الزيتون السابقة.
ورغم أن الزيتون يحتل مكانة راسخة على مائدة كل أسرة غزية، فإن الإقبال عليه هذا الموسم محدود للغاية. ويعزو إسليم ذلك إلى الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها المواطنون جراء الحرب المستمرة منذ عامين، موضحًا أن الناس يشترون كميات قليلة لا تكاد تكفي حاجاتهم الأساسية، بعدما تغيّرت أولوياتهم اليومية تحت وطأة الحصار ونقص الموارد.
لطالما عُرفت غزة بكثافة أشجار الزيتون الممتدة على مساحات واسعة من أراضيها الزراعية، غير أن الحرب الأخيرة والحصار المستمر ألقيا بظلال ثقيلة على هذا القطاع الزراعي؛ فتضرّرت آلاف الدونمات ودُمّرت مساحات كبيرة من الأراضي المزروعة بالزيتون. وهو ما انعكس مباشرةً على كميات الإنتاج المتاحة هذا العام، وبالتالي على الأسعار في الأسواق.
وتوضح السيدة أم خالد، وهي ربة بيت اعتادت سنويًا شراء الزيتون وتجهيزه للتخليل، أن هذا الموسم جاء مختلفًا تمامًا، قائلة: 'في الأعوام السابقة كنت أشتري كميات أكبر بكثير، أمّا الآن فلا أستطيع شراء سوى القليل. الأسعار مرتفعة جدًا والكميات قليلة، كما أن زيت الزيتون المحلي الذي كنا نعتمد عليه في منازلنا بات نادرًا نتيجة قلة الإنتاج.'
وبحسب بيانات سابقة لوزارة الزراعة، بلغت مساحة الأراضي المزروعة بالزيتون في قطاع غزة قبل 7 أكتوبر 2023 نحو 40,650 دونمًا، وسجّل متوسط إنتاج الدونم الواحد قرابة 300 كيلوجرام من الزيتون، بإجمالي إنتاج سنوي يقارب 10 آلاف طن، وهو ما كان يغطي نحو 35% من الاحتياج المحلي.
ويبلغ معدل استهلاك الفرد السنوي من الزيتون في غزة نحو 15 كيلوجرامًا، منها 12 كيلوجرامًا للعصر وإنتاج الزيت و3 كيلوجرامات للتخليل، بينما يصل متوسط استهلاك الفرد من الزيت إلى نحو 2 لتر سنويًا، متأثرًا بالأسعار والوضع الاقتصادي.
وتتنوع أصناف الزيتون في القطاع، أبرزها: السُّري، الشملالي، K18، إلى جانب أصناف أقل انتشارًا مثل الكرافتا والنبالي. وتتميز شجرة الزيتون بانخفاض تكاليف زراعتها مقارنةً بالمحاصيل الأخرى، وقدرتها على تحمّل الملوحة واستهلاك كميات أقل من المياه والأسمدة والمبيدات.
وقبل الحرب، كان القطاع يضم 28 معصرة زيتون، منها 8 معاصر نصف أوتوماتيكية و20 معصرة أوتوماتيكية، ما وفّر بنية تحتية متكاملة لمعالجة المحصول وتلبية احتياجات السوق المحلية.
ولم يقتصر الضرر على الزيتون وحده، فالبلح الأحمر المعروف محليًا بـ'الحيّاني' – وهو جزء أصيل من غذاء وذاكرة الغزيين – شهد أزمة خانقة هو الآخر. ففي السابق، كان الكيلوغرام يُباع بسعر لا يتجاوز 2 شيكل، لكن هذا العام ارتفع بشكل غير مسبوق ليصل إلى ما بين 20 و25 شيكلًا.
ويُرجع المزارعون هذا الارتفاع إلى التدمير الواسع الذي طال مزارع النخيل في مناطق متعددة من القطاع، ما قلّص كميات الإنتاج بشكل كبير.
ويقول باسل أبو صفر، مزارع من مدينة دير البلح: 'أعرض ما جنيته من محصول البلح في سوق المدينة، مستفيدًا من وجود أعداد كبيرة من النازحين. لكن السعر المرتفع جعل الإقبال محدودًا، فالمقتدر فقط هو من يستطيع الشراء، بينما يكتفي كثيرون بالنظر. أعرض البلح والرُّطب معًا، لكن الناس يشترون بالكيلو أو نصفه، بعدما كان في السابق يُشترى بالصناديق.'
قبل سنوات قليلة، كان قطاع غزة يحقق اكتفاءً ذاتيًا من إنتاج الزيتون والبلح، بل ويُصدّر الفائض إلى أسواق الضفة الغربية، في مشهد يعكس قدرة القطاع الزراعي على تلبية احتياجات السكان وتحقيق فائض اقتصادي. لكن الصورة اليوم مغايرة تمامًا؛ إذ يشهد القطاع نقصًا حادًا في الكميات وارتفاعًا كبيرًا في الأسعار، فيما تبحث الأسر عن الحد الأدنى ممّا يسدّ رمقها.
وبحسب بيانات وزارة الزراعة، بلغ إنتاج غزة من البلح قبل الحرب نحو 10 آلاف طن سنويًا، يُستهلك جزء منه محليًا بينما يُسوّق الفائض إلى الخارج. ويُشكّل الصنف الحيّاني الأحمر أكثر من 90% من الإنتاج، فيما تتوزع النسبة المتبقية على أصناف بنت العيش والبرحي الأصفر. وتُقدَّر المساحة المزروعة بالبلح في القطاع بنحو 11,500 دونم.