اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شمس نيوز
نشر بتاريخ: ٧ تشرين الأول ٢٠٢٥
من المرات النادرة في تاريخ المواجهة الفلسطينية؛ مبادرة المقاومة بعملية كوماندوز بمشاركة آلاف المقاتلين ضد أهداف عسكرية إسرائيلية، في عملية صنفتها 'إسرائيل' بأنها الأخطر في تاريخها.
وخلال عامين؛ تنقلت المقاومة الفلسطينية بين الخطط الهجومية والدفاعية؛ ووظفت الدمار لجعل غزة البيئة الأكثر تعقيدا في تاريخ الصراع رغم أنها صنفت حتى وقت قريب بأنها غير صالحة للعمليات القتالية نتيجة الوضع الطبوغرافي للقطاع الساحلي.
عسكريون؛ يرون أن المقاومة الفلسطينية استطاعت الصمود لعامين ومواصلة عملياتها، وإدارة معركة استنزاف مع جيش الاحتلال الإسرائيلي رغم تعرضها لأخطر عملية إبادة، سبقها حصار مطبق امتد لأكثر من 18 عامًا.
المختص العسكري العميد اللبناني أكرم سريوي يرى أن المقاومة تعتمد أسلوب الاستنزاف، مبينا أنها لن تربح بالمعارك الحاسمة بل تعتمد مبدأ حرب العصابات وهو استنزاف العدو.
وأوضح 'سريوي' ' أن المقاومة تربح بمعارك الاستنزاف وهي تدرك ذلك، مشيرا إلى أنه لا يوجد مثل واحد في التاريخ يشير لتوازن عسكري بين أي مقاومة والجيش المستعمر المحتل.
وبين 'سريوي' أن الجيش لديه دولة وقوى تدعمه ويملك كل أنواع الأسلحة، خلافا للمقاومة التي تتفوق بإرادة القتال أولا، وإيمانها بالقضية التي تمثل المسألة الأساسية لديها، 'وهذا ما جعلها تصمد لهذه اللحظة'.
وقال: 'الفلسطيني مستعد ليضحي لأجل قضيته وشعبه؛ وتقرير مصيره؛ فهذا العنصر الأقوى لدى المقاومة؛ التي تتجسد في إرادة استشهادية؛ وفي تضيحة لا متناهية بالقتال'.
وأكدّ أن المقاومة لا تستطيع في التكتيك العسكري الفوز بالمعارك الحاسمة التي تخطط لها الجيوش، مبينا أن المقاومة تسلك مسار حرب الاستنزاف والكمائن والإغارات ونصب العبوات الناسفة.
وذكر أن المقاومة نفذت الإغارة الكبيرة في السابع من أكتوبر 2023 ثم اعتمدت خطتها الدفاعية في عمليات إغارة محدودة في مناطق معينة في مراكز القيادة، وجر العدو لبقع هدم وكمائن خاصة في مناطق القتال المتقاربة؛ وأجبرت جيش الاحتلال على الالتحام مع قوات المقاومة التي تتفوق في هذه الحالة على جنود الاحتلال.
وأوضح أن الجزء الأساسي من الخطة أن تنفذ المقاومة عملية إغارة مؤلمة، ومن ثم تستدرجه لخطة استنزاف لموقع المعركة التي تحددها هي.
ويرى أن مواقع سيطرة الاحتلال تحولت من مواقع هجومية لمواقع دفاعية محضة؛ ما دفعه للانكفاء على خطط احترازية دون القدرة على توظيفها لمناطق الإغارة الدائمة أو السيطرة الأمنية والمدنية المطلقة على السكان.
وأشار إلى أن صمود المقاومة لعامين في كمائن الاستنزاف، يشير لخطة دفاعية قوية تقترب من الخطة الهجومية التي شكلت صدمة كبيرة للعالم على قدرة الشعب الفلسطيني ومقاومته في الدفاع.
مقاومة مرنة
من جهته؛ قال الخبير العسكري الأردني نضال أبو زيد؛ إنّ دخول المقاومة الحرب في عامها الثاني دليل على أنّ سرعة إنتاج المقاومة لنفسها كانت أكبر من سرعة الاحتلال في تدمير المقاومة.
وأوضح أبو زيد'، أنّ هذا الصمود يعبر عن حالة المرونة لدى المقاومة في إعادة انتاج نفسها.
وبين أن هذه المرونة منحتها القدرة من الانتقال التدريجي من الهجوم للدفاع ومن الاغارة للكمائن؛ ومن الحرب للاستنزاف.
وذكر أن المقاومة تقاتل بنظام العقد القتالية، كل عقدة مستقلة بأخرى وترتبط ببعضها بطرق عنقودية، وهي تختلف عن الجيوش التي تحتاج لهياكل عمودية، ولهذا الجيش الإسرائيلي منذ اليوم الأول يقاتل بنفس التكتيك.
ويرى أن جيش الاحتلال يقاتل بأدوات وتكتيكات تقليدية أمام مقاومة تطور من ذاتها وتعيد إنتاج أدواتها وتكتيكاتها، وتستفيد من المراحل المتعددة لاعتماد وسائل وآليات وتكتيكات قتالية ناجعة.
خبرات ميدانية متراكمة
من جهته؛ قال العميد العسكري السوري هيثم حسون إن المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة أظهرت خلال العامين الماضيين قدرة متطورة على التعلم والابتكار التكتيكي.
وأكد 'الحسون'، أن الخبرات الميدانية المتراكمة مكنت الفصائل من مجابهة تفوق جيش الاحتلال في الوسائط والأسلحة بطرق غير متوقعة وفعّالة.
ويرى أن المشهد الميداني دلّ على تحول واضح في أساليب القتال، من هجمات تقليدية إلى اعتماد متزايد على الكمائن والعمليات النوعية.
وأوضح العميد 'الحسون'، أن الكمائن شكلت أحد الأعمدة التكتيكية التي أثبتت جدواها في مواجهة التفوق العددي والعتادي للعدو، مبيناً أن المقاومة استطاعت بأبسط الإمكانيات أن تبني كمائن هندسية ونارية مدروسة بعناية، مستخدمة أساليب خداع وتضليل متدرجة نجحت في إرباك استطلاع جيش الاحتلال وتعطيل عملياته.
وأشار إلى أن هذه الكمائن لم تكتفِ بإيقاع خسائر مادية وبشرية فحسب، بل كانت لها أثر معنوي ملموس على صفوف القوات وقيادات جيش الاحتلال.
وتناول 'الحسون'، في حديثه مستوى التنسيق بين أساليب الكمائن والقتال الدفاعي الأخرى، مشيداً بـ«الخلط النموذجي» الذي اتبعته المقاومة في مزج الكمائن بالكمائن النارية، الكمائن الهندسية، ومناورات الظهور المفاجئ.
وقال إن اختيار السلاح المناسب لكل حالة والظهور في أوقات وأماكن غير متوقعة كانا عاملين أساسيين في تحويل نقاط الضعف النسبية إلى مزايا تكتيكية لصالح المقاومة.
وبيّن العميد الحسون أن المقاومة اعتمدت كذلك على أساليب استدراج مدروسة استهدفت أفراداً ووحدات معادية عبر تمويه وتضليل مكشوف أو مستور، مما سمح للتحركات الدفاعية أن تتحول إلى فرص هجومية مضادة.
وقال إن هذه الأساليب ساهمت في خلق حالة من الحذر والتردد لدى قوات الاحتلال أثناء محاولتها التمركز وبناء منشآت تحصينية داخل القطاع أو على حدوده.
ورأى 'الحسون' أن هذه الخبرات الميدانية المتجددة أسهمت في إفشال مخططات الاحتلال الرامية إلى إقامة اختلال طويل الأمد أو تنفيذ مشاريع تهجير قسري وإعادة احتلال جزئي أو كامل لقطاع غزة.
وأكد أن المقاومة نجحت في إبطال كثير من النوايا الاستراتيجية للاحتلال من خلال ضرب قدراته اللوجستية والعملياتية في ميدان المعركة.
ويرى أن نجاحات الكمائن وأساليب التضليل تشكل درسًا عمليًا في كيفية تحييد التفوق التكنولوجي والعددي لقوات الاحتلال عبر تكتيكات بسيطة لكنها محكمة الصنع، وفق تعبيره.