اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٧ أب ٢٠٢٥
ما يجري في غزة ليس مجرد حرب عسكرية، بل هو تطبيق عملي لسياسة إبادة جماعية عبر هندسة المجاعة. فالاحتلال أغلق القطاع بشكل شبه كامل لأشهر طويلة، ومنع إدخال الغذاء والدواء، وقيّد حركة المساعدات، ثم رافق ذلك بحملة تدمير واسعة استهدفت المدن والبلدات والمخيمات. رفح، وخانيونس، وشمال غزة، والأحياء الشرقية لمدينة غزة تحولت إلى خرائب، في حين حُشر أكثر من مليوني فلسطيني في مساحات ضيقة غرب مدينة غزة وجنوب القطاع.
هذا التدمير الممنهج يرافقه خطاب تضليلي يزعم الحرص على “القانون الدولي والإنساني”، كإعلان بناء “مدينة إنسانية” في رفح بعد تدميرها بالكامل.
إنها محاولة لشرعنة جريمة الإبادة عبر أدوات إنسانية مزيفة.
تصريحات نتنياهو عن “إسرائيل الكبرى” تكشف السياق الأعمق لهذه السياسات.
ليست القضية إذًا فقط في تدمير غزة، بل في إعادة هندسة الخريطة الديموغرافية والجغرافية بما يخدم مشروعًا توسعيًا يستهدف فلسطين والأردن وسيناء وصولًا إلى المحيط العربي.
إبادة غزة وتجويعها تُقدَّم كخطوة على طريق هذا المشروع: إخضاع الفلسطينيين، تهجيرهم، والسيطرة على الأرض.
وما الحرب الجارية إلا أداة لتحقيق هذا الحلم الأيديولوجي، الذي يشارك فيه اليمين الصهيوني تحت غطاء المصالح الحزبية والحكومة الائتلافية.
رغم الخسائر البشرية والمادية الجسيمة، ظل الفلسطينيون في غزة عنوانًا للصمود. على مدار عامين، لم ينجح الاحتلال في تحقيق أهدافه المعلنة، وظلت المقاومة قادرة على المناورة وفرض معادلات ردع.
الرهان الإسرائيلي على “كسر غزة” عبر الجوع لم يتحقق، بل أدى إلى مزيد من التلاحم الشعبي حول خيار المقاومة. كما أن أي محاولة لاحتلال القطاع ستفتح الباب أمام مواجهة شعبية واسعة، قد تستعيد مشهد الانتفاضات السابقة، حيث يصبح كل فلسطيني جزءًا من المعركة.
الدول العربية المهددة بلسان نتنياهو والمجتمع الدولي حتى الآن يكتفي ببيانات رفض شكلية، بينما تُمنح إسرائيل غطاء أمريكيًا مفتوحًا.
هذا التواطؤ هو ما سمح باستمرار الإبادة حتى الآن. لكن ضغوط الرأي العام العالمي، وتآكل صورة إسرائيل كـ”ضحية”، بدأت تُحدث شروخًا في الموقف الغربي.
أما العرب، فبين من يكتفي بالتنديد، ومن يخشى انفجارًا إقليميًا أكبر، لم يرتقِ الموقف بعد إلى مستوى الفعل.
ومع ذلك، تظل المقاومة تعوّل على الشعوب التي خرجت بالملايين رفضًا للإبادة، باعتبارها قوة ضغط أخلاقية وسياسية متنامية.
ما يحدث في غزة اليوم هو إبادة مُهندَسة ومجاعة مُخطط لها، لا تنفصل عن مشروع “إسرائيل الكبرى” الذي يسعى نتنياهو واليمين الصهيوني لتحقيقه. لكن هذه المخططات، كما أثبتت تجارب العقود الماضية، تصطدم دومًا بجدار الصمود الفلسطيني.
غزة، رغم كل الجراح، تظل عقبة أمام مشروع الإبادة والتهجير، وصوتها سيبقى شاهدًا على أن حلم “إسرائيل الكبرى” لن يتحقق على أنقاض الأطفال والنساء، بل سيتحول إلى عبء تاريخي على من حاولوا فرضه بالقوة.