اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكـالـة مـعـا الاخـبـارية
نشر بتاريخ: ٧ تشرين الأول ٢٠٢٥
الكاتب: رزق عطاونة
بعد مرور عامين من الابادة الجماعية والحرب المدمرة على قطاع غزة في أكتوبر 2023 بات واضحًا أن المجتمع الفلسطيني يمر بتحولات بنيوية عميقة طالت كل جانب من جوانب الحياة، فالمشهد في القطاع اليوم يعكس “الانهيار الشامل” في البنى التحتية والاقتصاد والخدمات مقابل حالة من الصمود الاجتماعي والتمسك بالحياة رغم القسوة. هذه الحرب لم تترك أثرًا مادياً فقط، بل أعادت تشكيل العلاقات الاجتماعية، والثقة بالحكم، وصورة الإنسان الفلسطيني في مواجهة الإبادة والدمار.
الاقتصاد الغزي يعاني اليوم من تدهور هو الأعمق منذ فرض الحصار عام 2007 حيث تشير تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) بالتعاون مع لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا (ESCWA) إلى أن نسبة الفقر في فلسطين وصلت إلى 58.4% بعد الحرب، فيما فقد نحو 1.74 مليون شخص مصادر دخلهم أو انزلقوا إلى دائرة الفقر حديثًا. كما تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 26.9% مقارنة بما قبل الحرب، ما يعني أن التنمية تراجعت قرابة عشرين عامًا إلى الوراء ، ويُظهر هذا التدهور أن الاقتصاد في غزة لم يعد قابلًا للتعافي دون تدخل وطني ودولي منسق، يعيد الاعتبار لدور الإنتاج المحلي والتشغيل الذاتي.
أما على صعيد البنية التحتية، فقد خلّفت الحرب دمارًا هائلًا قدر بنحو 30 مليار دولار، وفق تقديرات البنك الدولي والأمم المتحدة شملت المنازل ،المرافق الصحية، المؤسسات التعليمية، وشبكات المياه والكهرباء وتشير التقارير إلى أن 72% من الأضرار لحقت بالمساكن، فيما انهارت قطاعات حيوية مثل الصحة والتعليم والمياه هذا الحجم من الدمار لا يمكن تجاوزه دون خطة إعادة إعمار شاملة تقوم على أسس الحوكمة الرشيدة، وتضمن العدالة في توزيع الموارد والمساعدات.
وعلى المستوى الإنساني، يعيش أكثر من 1.9 مليون فلسطيني نازحين داخل القطاع في ظروف غير إنسانية، حيث تحولت المدارس والمستشفيات والاراضي الزراعية إلى ملاجئ مكتظة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة. في الوقت ذاته، تعاني المنظومة الصحية من عجز كامل، مع نقص حاد في الطاقم الطبي والأدوية والمعدات الطبية، وتفشي الأمراض المرتبطة بسوء التغذية والمياه الملوثة. منظمة اليونيسيف حذرت من أن نحو 65 ألف طفل يعانون من سوء تغذية حاد وأن الصحة النفسية للأطفال تتدهور بسرعة وسط غياب خدمات الدعم والرعاية النفسية.
كما أن التعليم بدوره تعرض لضربة قاسية فآلاف المدارس تضررت أو دمرت كليًا مما ترك مئات الآلاف من الطلاب خارج مقاعد الدراسة هذا الانقطاع الممتد يهدد بضياع جيل كامل من الفلسطينيين ويقوّض أحد أهم مقومات الصمود الوطني كما أن الفضاء الثقافي في غزة أصيب بالشلل بعد تدمير مراكز ثقافية ومكتبات عامة كانت تمثل ذاكرة المدينة ووجهها الحضاري.
في ظل هذا الواقع تظهر الحاجة الملحة إلى نظام حكم رشيد قادر على إدارة عملية التعافي والإعمار بكفاءة ومسؤولية وطنية إن غياب التنسيق بين الجهات الفلسطينية المختلفة يعمق حالة الفوضى ويحول دون توحيد الجهود لإغاثة المتضررين ومن هنا تبرز مسؤولية منظمة التحرير الفلسطينية في قيادة الإطار الوطني الجامع لجهود التعافي بما يشمل الفصائل، البلديات واللجان الشعبية للمخيمات، ومنظمات المجتمع المدني دور المنظمة يجب أن يتجاوز الجانب التمثيلي السياسي ليشمل الإشراف على تخطيط وإدارة المساعدات وضمان الشفافية والمساءلة.
كما يتحمل المجتمع الدولي مسؤولية كبرى في دعم عملية التعافي ليس عبر الإغاثة المؤقتة فقط بل من خلال تمويل مستدام يربط الإعمار بالتنمية والتمكين الاقتصادي على العالم أن يدرك أن إعادة إعمار غزة ليست مشروعًا هندسيًا بل عملية سياسية واجتماعية شاملة تتطلب تعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية وإنهاء الانقسام الذي أعاق لسنوات قدرة الفلسطينيين على إدارة شؤونهم بحرية.
إن عملية التعافي وإعادة الإعمار لن تكون ممكنة دون مصالحة وطنية ومجتمعية شاملة تضع المصلحة العامة فوق الاعتبارات الحزبية والفصائلية وتستعيد ثقة المواطن في مؤسساته الوطنية فكل بيت يُعاد بناؤه وكل مدرسة تُرمم يجب أن تكون خطوة نحو إعادة بناء الثقة والوحدة وبقدر ما يشارك كل مواطن فلسطيني في هذا الجهد بقدر ما يمكن تحويل الألم إلى طاقة بناء والدمار إلى فرصة لاستعادة الحياة والسيادة.