اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١٨ نيسان ٢٠٢٥
عندما تسلّم إيال زمير قيادة أركان جيش الاحتلال الإسرائيلي تعهّد بتحقيق 'نصر حاسم' يُنهي وجود المقاومة في قطاع غزة، لكنه بعد نحو شهر من توليه منصبه يجد نفسه مضطرًا إلى تخفيض سقف التوقعات، في وجود أزمة عميقة تعصف بالبنية العسكرية للجيش، أبرزها النقص الحاد في القوى البشرية، وتراجع الاستجابة في صفوف قوات الاحتياط.
ولم يكن تراجع زمير في خطاباته مجرّد خطوة تكتيكية، بل هو انعكاس لأزمة استراتيجية بدأت تتجلّى بوضوح داخل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، ما يطرح تساؤلات جوهرية: هل وصل جيش الاحتلال إلى حافة الانهيار؟ وهل يمكن لحكومة نتنياهو مواصلة الحرب بالرغم من هذا الواقع المتآكل؟
ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، الاثنين الماضي، عن مسؤولين عسكريين أن زمير أبلغ رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو أن نقص الجنود المقاتلين قد يحدّ من قدرة الجيش على تحقيق طموحات القيادة السياسية في غزة، وسط استمرار القتال مع حركة حماس.
وأكد المسؤولون أن زمير، الذي تولّى مؤخرًا قيادة الجيش، أبلغ نتنياهو ومجلس وزرائه أن الاستراتيجيات العسكرية وحدها لا تكفي لتحقيق الأهداف المعلنة في غزة، لا سيما في ظل غياب مسار دبلوماسي مكمّل.
ونقلت الصحيفة عن مسؤول عسكري إسرائيلي كبير، لم تُسمّه، قوله إن زمير 'لا يُزيّف الحقائق، بل يطالب القيادة بالتخلّي عن بعض أوهامها'، على حدّ تعبيره.
انهيار كبير
من جهته، قال الخبير العسكري والاستراتيجي نضال أبو زيد، إن 'كل البروباغندا الإعلامية التي يروّجها الاحتلال لتصوير تماسك جيشه، لا تصمد أمام الواقع الميداني والاعترافات الصادرة من أعلى المستويات العسكرية، والتي تكشف عن أزمة بنيوية حقيقية، خاصة في ما يتعلق بالقوى البشرية'.
وأشار أبو زيد، لـ 'فلسطين أون لاين'، إلى تزايد مشكلات قوات الاحتياط وتراجع نسب الاستجابة للنداءات العسكرية، ما يجعل من أي عملية عسكرية شاملة في قطاع غزة 'أمرًا مستحيلًا من الناحيتين العسكرية والتخطيطية'.
وأضاف: 'إيال زمير، الذي جاء إلى قيادة الأركان متحمّسًا لاجتياح غزة وفرض حكم عسكري عليها، وجد نفسه يصطدم بواقع عملياتي يفتقر إلى الأدوات الأساسية لتنفيذ هذا المخطط'.
وكشف تقرير إسرائيلي حديث أن جيش الاحتلال يواجه أكبر أزمة رفض للخدمة منذ عقود، إذ توقف أكثر من 100 ألف إسرائيلي عن أداء الخدمة الاحتياطية، ويرفض بعضهم الانضمام للحرب على غزة بدوافع 'أخلاقية'.
وذكرت مجلة +972 الإسرائيلية أن الأرقام المتداولة بشأن استعداد جنود الاحتياط للخدمة غير دقيقة، مشيرة إلى أن النسبة الحقيقية قد لا تتجاوز 60%، بينما تفيد تقارير أخرى بأنها تقارب 50%.
من سيقاتل؟
وفي الوقت الذي كانت تراهن فيه تل أبيب على دعم عسكري أميركي عبر جسر جوي يزوّدها بالأسلحة والدبابات والذخائر، تساءل أبو زيد: 'من سيشغّل هذه المعدات؟ الأميركي لا يمكنه القتال نيابة عن الإسرائيلي'.
ويرى أبو زيد أن ما يقوم به زمير ووزير الجيش يوآف غالانت هو 'إجرام ممنهج بحق المدنيين'، ظنًّا منهما أن ذلك سيدفع الحاضنة الشعبية في غزة إلى التخلي عن المقاومة، لكن الوقائع أثبتت العكس.
وأشار إلى وجود تململ داخل الوحدات العسكرية، حيث قدّم جنود من سلاح الجو عريضة تطالب بوقف إطلاق النار، وقع عليها قادة سابقون، من بينهم داني حالوتس، إضافة إلى جنود من سلاح الدروع، والطبابة، والعاملين في سلك التعليم العسكري.
وأوضح أن هذه المطالب لا تنبع فقط من دوافع ميدانية، بل تعكس شعورًا بأن 'الحرب تُدار لأسباب سياسية وشخصية، وتخدم بنيامين نتنياهو وحده'. وتابع: 'كل المؤشرات على الأرض لا تخدم الاحتلال، بل تعزز من مكانة المقاومة، نتيجة للصمود الأسطوري الذي يبديه الشعب الفلسطيني، والتكتيكات العسكرية الفعالة التي تنفذها فصائل المقاومة'.
وأشار الخبير العسكري إلى أن حتى السيطرة الإسرائيلية على بعض المناطق جنوب قطاع غزة – مثل المنطقة جنوب محور موراج – تواجه إخفاقًا واضحًا، لأن 'الاحتلال لا يملك ما يلزم لتحقيق ثلاث ركائز أساسية: السيطرة، التثبيت، والتطهير، وهي مهام تحتاج إلى أعداد كبيرة من الجنود لا تتوفّر حاليًا'.
ويعتقد أبو زيد أن تصاعد الخطاب العسكري لدى قادة الاحتلال مؤخرًا يعكس إشارات مباشرة من المؤسسة العسكرية إلى القيادة السياسية بضرورة التوجّه إلى طاولة المفاوضات، قائلاً: 'عندما تصل الجيوش إلى نقطة اللا نهاية، تصبح الحاجة إلى قرار سياسي حاسم ملحّة'.
وأوضح أن 'الجيش لا يملك قرار بدء الحرب أو إنهائها، بل السياسي هو من يقرر، والعسكري ينفذ'، مضيفًا أن ما يصدر اليوم من المؤسسة العسكرية يُعدّ ضغطًا مباشرًا على نتنياهو لاتخاذ قرار.
مأزق نتنياهو
سياسيًا، يرى أبو زيد أن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يواجه مأزقًا مزدوجًا؛ فهو لا يستطيع المضي في عملية عسكرية شاملة لتحرير الأسرى الإسرائيليين بالقوة، ولا يمكنه التراجع والقبول بالعودة إلى المفاوضات، لأن ذلك يعني خسارة دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة مثل سموتريتش وبن غفير، التي تملك 13 مقعدًا في الكنيست.
ويرجّح أبو زيد أن يلجأ نتنياهو إلى 'المخرج الأميركي'، عبر الادعاء بأنه يتعرّض لضغوط من إدارة الرئيس بايدن تدفعه إلى القبول بوقف القتال والعودة إلى التفاوض، مع 'خفض سقف المطالب الإسرائيلية، خصوصًا فيما يتعلق بقضية الأسرى'.
ويضيف: 'نحن أمام أيام حاسمة قد تحمل ملامح جديدة في شكل التعاطي مع غزة. وأعتقد أن المقاومة ستسعى لتكريس مطلبها الأساسي: الوقف النهائي للعمليات العسكرية، وقد تجد الفرصة مواتية الآن لتحقيق هذا الهدف، وسيضطر نتنياهو إلى الذهاب إلى المفاوضات مكرهًا لا راغبًا'.
وفي ما يتعلق بالأسرى الإسرائيليين المتبقين في غزة، يؤكد أبو زيد أن معظمهم ينتمون إلى 'نخب المجتمع الإسرائيلي، لا سيما العسكريين والجنرالات'، مضيفًا أن 'ذكاء المقاومة يتجلى في احتفاظها بهذه الفئة، وعلى رأسهم الجنرال نمرود ألوني، أحد أبرز القادة العسكريين، والذي لم يتم الكشف عن مصيره حتى الآن'.
وأوضح أن 'السياسيين الإسرائيليين يدركون جيدًا أن قيمة الجندي في المفاوضات ليست كقيمة كبار السن أو المدنيين الذين أُفرج عنهم سابقًا، وأن التفاوض على هذه الأسماء سيحتاج إلى ثمن باهظ، من الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال'.