اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٨ تموز ٢٠٢٥
الفئران المحرومة مما نسميه روح الجماعة، فإنها تبحث عن جحور للهروب في مواجهة الخطر، حتى ولو بلغ عددها المئات. وعلى النقيض من حالة الفئران هذه، التي لا تفكر إلا في حياتها الخاصة وتحرص على إنقاذ الموقف، نلاحظ أن الأسود تدافع عن عرينها، وتتصرف بشجاعة حتى لو كانت وحدها. لذلك، من الضروري النظر إلى مجتمع المعنى وليس مجتمع المادة. فالمسألة لم تكن يوما في الكمية بل في الكيفية.
عندما نفكر في الأمر، لو كان لدى الفئران وعي الوحدة، لاستطاعوا القضاء على الكائنات التي تهاجمها بالتعاون. لكن الأنانية مرض يجعلك تغني في وقت يقودك إلى الهلاك...
رب قلة شجاعة هزمت كثرة جبانة
نعم، علاقة الكثرة بالقوة علاقة معقدة. يخبرنا كتابنا المقدس أن كم من جماعو صغيرة تنتصر على جماعة قوية وكثيرة العدد. كم من حشود بلا شجاعة هُزمت أمام أقليات لا تعرف الخوف. وهناك أمثلة كثيرة على ذلك في التاريخ. مثلا؛ في معركة اليرموك، كان عدد الرومان يفوق عدد المسلمين أضعافًا كثيرة. ومع ذلك، فإن مثابرة وشجاعة القادة والجنود المسلمين قضت على هذا الفارق. وبالمثل، انتصر طارق بن زياد وجنوده على القوط الغربيين الذين كانوا كثيري العدد بفضل إيمانهم وشجاعتهم. وبالمثل، في ملاذكرد هزم الإمبراطور البيزنطي ديوجينس على يد ألب أرسلان الذي كان ممتلئًا بالإيمان والشجاعة رغم كثرة جنوده.
وحقيقة الأمر أن مثال الفئران يكشف أيضًا عن غياب مفهوم ”الإرادة الاجتماعية“. لقد أصبحت النزعة الفردية منتشرة على نطاق واسع لدرجة أن الجميع أصبح مكتفياً بذاته. ولا يُرى أن المصالح الفردية يتم تجاهلها لصالح ما هو في مصلحة المجتمع. ولذلك، حتى لو اجتمع مائة فأر معًا، فإنهم سيواجهون فشلا ذريعا وهزيمة نكراء أمام أسد شجاع.
إهمال المسؤولية الاجتماعية يؤدي إلى الشقاء
إن صناعة القوة وإدارتها بشكل صحيح لا يمكن أن تتحقق إلا من قبل أشخاص يتمتعون بحس المسؤولية الاجتماعية. ولذلك، من العبث أن نتوقع صناعة القوة من أفراد جردوا أنفسهم من الجانب الاجتماعي وتحولوا إلى ”وحوش الاستهلاك“ يعيشون من أجل ملذاتهم الخاصة. إن نهاية هذه الفردية/ الفردانية مريرة. فالفهم للحياة الذي لا يؤدي إلى تحقيق المسؤولية الاجتماعية يكفي للقضاء على أي مجتمع دون الحاجة إلى هجمات الأعداء. هذا هو حال الأمة اليوم. ونحن عندما نقول هذا لا نقصد الاستهانة بالأمة. وإنما نعبر عنه في سياق تقرير الموقف الصحيح. نعم إن هذه الأمة التي كانت في يوم من الأيام كالأسد بشجاعتها وعزيمتها، أصبحت اليوم تتكون من أفراد كالفئران يفكرون في مصالحهم الخاصة ويهتمون بإنقاذ الموقف واللحظة.
إن أوضح مظهر من مظاهر هذه الحالة المخزية التي أحدثها هذا المرض الذي يمكن أن نحدده بأنه حب الدنيا وكراهية الموت، هو ما تعيشه فلسطين اليوم. إن الأمة الإسلامية التي يبلغ تعدادها ملياري مسلم عاجزة عن مساعدة إخوانها وأخواتها الذين يتضورون جوعاً ويصارعون من أجل حياتهم تحت القنابل. إن الأسباب الرئيسية لهذا الوضع هي أن ثقتنا بالله تعالى قد اهتزت وتزعزعت، وأننا نطلب الشرف والمجد من غير الله، ولا نفكر إلا في أنفسنا ونغض الطرف عن محنة الأمة. وسيستمر هذا الوضع ما لم نستيقظ فرداً فرداً، وأسرة أسرة، ومدينة مدينة.
ولكم في التاريخ عبرة
وعلى الرغم من هذا الوضع المعقد والصعب، هناك بعض نقاط التحول الهامة في التاريخ التي تعطينا الأمل والإرشادات. إنها مسؤولية كبيرة تقع على عاتق كل واحد منا أن ينهض من جديد من خلال هذه الأمثلة وأن نتحلى بالعزيمة والإصرار. في فترة لم يكن للمسلمين فيها أي أمل في النهوض، قام صلاح الدين الأيوبي بتوحيد دمشق ومصر ثم زحف على الصليبيين. وحرر بيت المقدس من الأسر واسترد شرفنا المغتصب.
نعم مهما ظن الأعداء، فإن هذه الأمة قادرة على النهوض. وستتغلب على هذه الحالة بحراك الأسود التي ستخرج من بيننا والتي ستعطي الأمة شرفها. ولكن دعونا لا ننسى أن الفئران لا تلد الأسود وبالتالي لا يمكن أن تربيها. يجب أن نتخلص أولاً من طبيعة الفئران هذه ثم نربي الأسود... لقد حان الوقت، ليس لدينا ثانية واحدة لنضيعها.