اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ١ أيار ٢٠٢٥
{ إِن يَمسَسكُم قَرحٌ فَقَد مَسَّ القَومَ قَرحٌ مِثلُهُ
﴿وَتِلكَ الأَيّامُ نُداوِلُها بَينَ النّاسِ﴾
وَلِيَعلَمَ اللَّهُ الَّذينَ آمَنوا وَيَتَّخِذَ مِنكُم شُهَداءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمينَ}آل عمران140
إنه تداول بين شدة ورخاء، وكشف للمعادن ومستوى الثقة بالله تعالى، وتمايز الصفوف. أيام الله تتعاقب، وفي كل مرحلة يكشف لنا عن معادن الناس، وما أصابهم إنما هو بأمره، ولا يريد بهم إلا خيرًا. وهو تداول بين العلو والانحدار في الأمم والدول، تنتهي ولها أعمار كأعمار البشر، فتشيخ وتموت. ونحن اليوم نشرف بمعايشة زوال واندحار للعلو، وفي ذات الوقت، نرقب بعيون الأمل عودة أمة الخيرية { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ } (آل عمران 110) إلى المكان الذي أراده الله عز وجل لها، وفي طليعتها شعب فلسطين وغزة الذين ثبتوا في وقت الزلزلة والمحنة، فيستحقون بذلك نصر الله واستخلافه في الأرض.
التداول سنة الله ماضية وغلابة، ومن سنن الله القاهرة أن دوام الحال من المحال، وبقاء الأمر على ما هو عليه مستحيل. الثبات حالة لا مقام لها، والتغيير هو الثابت الوحيد. في قوله تعالى: { وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } (آل عمران 139)، { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ } (آل عمران 140)، وفي ذلك، غزة ليست استثناء من هذه السنة الإلهية. اليوم، تصمد غزة المحاصرة، الموجوعة حد المحروقة، والمصلوبة حد الذبح على مرأى العالم الذي يقيده صمته ويُرهَن لنظام دولي ظالم.
بعد سنوات عجاف من الحصار والقتل والدمار، وأكثر من سنة عسرة كاملة في محرقة إبادة { وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الفَسَادَ } (البقرة 205)، لن تمضي الأيام على هذا الحال، والله عز وجل يصنع غزة على عينه فتتحقق بها سنة الله في التداول بين الناس. فلسطين والأمة، عبر نموذج غزة وصبرها العجيب ومقاومتها الباسلة، ستكون أمام دورة حياة جديدة: عزة لغزة وللقدس، وذلة لعصابات الإبادة { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُواْ } (آل عمران 112).
ومن ذلك تداول أمة أصابها الوهن وغثاء السيل، لتعود إلى حيث أرادها الله عز وجل: { وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُوا شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ } (البقرة 143). وهو أيضًا تمايز لهذه الأمة: صف مع يهود البقرة من عرب النفاق، وصف إلى جانب المستضعفين في غزة وفلسطين. تداول أيضًا للنظام الدولي الذي ارتهن للصهيونية، ليحقق قريبًا نظام دولي أكثر عدالة، ليس عنوانه أمريكا ولا يهود الإفساد، { وَيُهْلِكُ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الفَسَادَ } (البقرة 205).
لعله الخير يكمن في الشر، في هتاف النبي ﷺ في قراءة أي مشهد فيه محنة وابتلاء وشدة. هي أقدار الله تعالى، التي لا نعلم مآلاتها، { وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا } (الكهف 68). وفي شدة الكرب والضراء، نردد { مَتَى نَصْرُ اللَّهِ } (البقرة 214). فيغرقنا نقاش سياسي عن احتمالات وسيناريوهات المحرقة، وندعو الله ونمني النفس بأن تكون نهاية هذا الكابوس الذي وقع على رأس غزة.
واليوم، يقيننا راسخ أن الله لن يضيعنا، فقد خرجت غزة بخيرة رجالها ونسائها وأطفالها من حفظة كتاب الله تعالى، وأعدت عدتها على مدار عقود في طريق ذات الشوكة. ولا نظن بربنا إلا خيرًا: { فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ } (الصافات 87). نستشعر في قلوبنا أن الله يعد لغزة ما لا تدركه عقول أبنائها ولا العالم من خير وعزة وكرامة. فنفوض الأمر لصاحب الأمر، ونتعمق في قلوبنا أن 'الأمر كله لله'.
نراقب وعد الله وقدره المشرف، إنه الاستعمال لا الاستبدال. { إِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } (محمد 38). وعاقبة ذلك وفق سنن الله تعالى، الغلابة والتمكين. لا نمكن حتى نبتلى، وهذا الاستعمال في أشرف عملية تحرير للأرض المقدسة،بشر بها ربنا تبارك وتعالى { فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوؤُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا } (الإسراء 7).