اخبار فلسطين
موقع كل يوم -فلسطين أون لاين
نشر بتاريخ: ٢٧ نيسان ٢٠٢٥
*﴿إِذ هَمَّت طائِفَتانِ مِنكُم أَن تَفشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُما وَعَلَى اللَّهِ فَليَتَوَكَّلِ المُؤمِنونَ﴾*
آل عمران122
إنها طبيعة بشرية أن يُلقى اللوم على الآخرين في أوقات الخلل، الزلل، والمحن، وهذا الأمر يزداد في الأزمات الكبرى.
في نار محرقة غزة التي ابتلعت الأخضر واليابس، ومع ما صاحبها من شح في الموارد { نَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } (البقرة 155)، ومع طول المحنة وتعدد أشكالها، وقسوة الظروف التي يعيشها أهل غزة، يتعدد اجتهاد الناس، وتكثر الآراء وتلاومهم، رغم أن الوقت ليس وقت اللوم، بل وقت تكاتف وتوحد الجهود.
فرغم أن أهل غزة والشمال يلقون اللوم على الأهل الذين خرجوا إلى جنوب غزة، إلا أن هذا التقدير ليس بالوقت المناسب. نعم، لأهل غزة والشمال فضل كبير في الثبات، فقد كانوا نقطة حسم في مواجهة خطة التهجير، وكان لهم دور مهم في المقاومة والبقاء، وهذا كان مطلوبًا.
لكن هذا لا يعني أن الظروف متساوية، فكل واحد منهم يحمل ظرفًا خاصًا به. كما قال الله تعالى: { وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا } (آل عمران 122).
أما الخروج من غزة في ظل هذه المحنة، فرغم أن أعداد من خرجوا قد لا تكون كبيرة، إلا أن الفرصة لم تكن متاحة للجميع. فكم من أهل غزة يملكون جنسية ثانية أو فرصة للحصول على فيزا لدولة أخرى، أو مال يسمح لهم بدفع آلاف الدولارات لعبور معبر رفح؟ للأسف، ازدهرت تجارة التنسيق للخروج من غزة التي تتطلب دفع الأموال الطائلة مقابل الخروج، وهو ما قد يؤثر على معنويات أهل غزة وصبرهم. لكن هذا الأمر يبقى موكولًا إلى الله تعالى { وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَن يَشَاءُ } (التوبة 15).
الخروج من غزة ليس أمرًا محمودًا في هذه الظروف، والعديد من الذين بقوا في غزة رغم امتلاكهم لفرص الخروج كان قرارهم بسبب ثباتهم وصبرهم. فالله ثبتهم في مواجهة المحن، كما قال في كتابه: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا } (إبراهيم 27).
النفوس البشرية ليست كاملة، كما كان أصحاب رسول الله ﷺ الذين مروا بمواقف مشابهة لأهل غزة في مقاومة الاحتلال. فقد عفا الله عنهم رغم ما وقع منهم في بعض المواقف، كما في قوله: { إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَ لَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ } (آل عمران 155). وهذا كان درسًا لهم ولنا في أهمية الصبر والثبات.
كما قال الله في شأن الصحابة: { حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَ لَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } (آل عمران 152). في تلك اللحظات العصيبة، لم يلتزم الجميع، لكن الله عفا عنهم.
وفي النهاية، لا يُكَلِّفُ اللهُ نفسًا إلا وُسْعَها. فما من أحد يستطيع أن يقدر ظروف كل حالة إلا الله؛ ومحاسبة كل حالة بمنطق (التولي يوم الزحف) تتم وفق دراستها كل حالة وحدها وليس بالمجموع.
وما كان من أقوال وأفعال وسلوك وثبات فهي منحة من الله تعالى، فالله وحده هو من يتقبل أو يعفو. وتبقى الكلمة الأخيرة: الصبر، الثبات، والتضحية منحة من الله تعالى يهبها لأهل الإيمان { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا } (إبراهيم 27).