اخبار فلسطين
موقع كل يوم -سما الإخبارية
نشر بتاريخ: ٥ أيار ٢٠٢٥
نشرت صحيفة “فايننشال تايمز” تقريرا أعده مراسلها جيمس شوتر من بلدة طمون في الضفة الغربية، أشار فيه إلى نقل إسرائيل حربها من غزة إلى الضفة الغربية، حيث تقول مؤسسات الأمم المتحدة إن ما يزيد عن 900 فلسطيني قتلوا بعد بداية الحرب في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.
وأشار بداية إلى تقرير “أولي” موجز من الجيش الإسرائيلي عن غارة بطائرة مسيرة على بلدة طمون المحاطة بالتلال وجاء فيه: “ضربت [طائرات سلاح الجو الإسرائيلي] خلية إرهابية في منطقة طمون والتفاصيل تتبع لاحقا”. وفي الواقع كان البيان خطأ، فقد استهدفت الغارة الإسرائيلية ثلاثة أبناء عمومة في البلدة، تتراوح أعمارهم ما بين 18 -23 عاما، بينما كانوا يتجمعون في الشارع المنحدر على بعد أمتار قليلة من الباب الأمامي لمنزل إيمان بشارات.
وعندما خرجت بشارات بعد لحظات واجهت مشهدا من الرعب الكامل. وكان جسد ابنها حمزة مليئا بالشظايا وقد قطع رأس ابن عمه رضا وتناثر جزء من دماغه. أما ابن العم الثالث آدم فلفظ أنفاسه الأخيرة بين ذراعيها. وقالت: “كان هناك دوي هائل، وكأن السماء بأكملها انفجرت، كانت هناك شظايا في كل مكان” مضيفة “الدم… كل ما رأيته. كان الأمر أشبه بمشهد من غزة أمامي”.
وتقول الصحيفة إن الغارة التي حدثت في 8 كانون الثاني/يناير والتي قال الجيش الإسرائيلي إنه تم التحقيق فيها وإرسالها إلى المدعي العام العسكري للمراجعة، جزء من تصعيد أوسع نطاقا من جانب حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بشكل أدى إلى ارتفاع حصيلة القتلى الفلسطينيين في الضفة الغربية إلى مستوى لم تشهده منذ عقدين من الزمن.
ورغم أن مستوى القوة التي تستخدمها إسرائيل في المنطقة لا يضاهي الدمار الذي أطلقته في غزة ردا على هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، فقد كثف الجيش الإسرائيلي عملياته في الضفة الغربية بشكل كبير خلال الأشهر الثمانية عشر الماضية أيضا.
وفي هذه العملية، استخدمت إسرائيل وبشكل متزايد تكتيكات وأسلحة نشرتها بشكل دائم في غزة ولكنها لم تستخدم في الضفة الغربية منذ سنوات، مما دفع منظمات حقوق الإنسان وجماعات الإغاثة إلى التحذير من تحويل العمليات الإسرائيلية في الضفة إلى غزة جديدة.
وبعد توقف دام 17 عاما، استأنف الجيش الإسرائيلي الغارات الجوية في الضفة الغربية، حيث نفذ عشرات الهجمات باستخدام مسيرات حربية وطائرات مروحية عسكرية، وفي حالة واحدة على الأقل، طائرة مقاتلة. وفي وقت سابق من هذا العام، نشرت إسرائيل دبابات هناك لأول مرة منذ أكثر من عشرين عاما، حيث شنت عملية ضد المسلحين في مخيمات اللاجئين في جنين وطولكرم ونور شمس.
وتعلق الصحيفة أن النهج الجديد لحكومة نتنياهو ترك حصيلة كبيرة على السكان، وبحسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة، فقد قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 900 شخص في الضفة الغربية ومنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر بشكل جعل عامي 2023 و2024 من أكثر الأعوام دموية. وقتل الفلسطينيون في نفس الفترة 30 مستوطنا وجنديا. إلا أن أعداد الضحايا هي جزء من القصة، فقد دمرت العملية الإسرائيلية بنى تحتية وجرفت الشوارع وهدمت البيوت وشردت الآلاف من المواطنين.
وترافق مع العملية، قيود واسعة على حرية الحركة وخنق الاقتصاد مما قلب الحياة في الضفة الغربية التي يعيش فيها 3.3 مليون نسمة. وتقول المحامية ديانا بوتو التي عملت سابقا مستشارة للرئيس محمود عباس: “ما يريده الإسرائيليون هو الخضوع” و”كل هذا هو آلية لإرسال رسالة إلى الفلسطينيين أنه يجب عليهم الاستسلام بدون شروط”.
ويزعم المسؤولون الإسرائيليون أن العملية في الضفة الغربية ضرورية لاقتلاع المسلحين الفلسطينيين في المناطق التي فقدت فيها السلطة الوطنية السيطرة. ويقول الجيش إن استخدامه للغارات الجوية والذي استؤنف في حزيران/يونيو 2023 ثم تصاعد بشدة بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر كان ردا على “تهديد متزايد” من المسلحين وهو ما عكس قوة صدامهم مع القوات الإسرائيلية. ويزعم الجيش أن عملياته ملتزمة بالقانون الدولي.
ويقول مايكل ميليشتين، الضابط السابق في الاستخبارات الإسرائيلية إن الرد على استخدام المسلحين للقنابل البدائية، يعكس نهجا جديدا في تفكير الدوائر الإسرائيلية في مرحلة ما بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر. وقال: “إنه درس تعلمه كثيرون: لا يمكن السماح لأي تحد أو تهديد بالظهور فبمجرد تحديده، يجب اتخاذ رد حازم وقوي جدا”.
لكن آخرين يقولون إن الاستخدام المفرط للقوة ناجم عن السياسة الإسرائيلية. ويعتمد ائتلاف نتنياهو على دعم مجموعتين من اليمين المتطرف بقيادة المستوطنين القوميين المتطرفين، بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير، اللذين يريدان ضم الضفة الغربية وضغطا على نتنياهو لتبني نهج أكثر عدوانية في المناطق المحتلة.
وكانت العملية الجديدة في الضفة الغربية قد بدأت بعد الموافقة على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة في كانون الثاني/يناير، وهو ما عارضه كل من سموتريتش وبن غفير. ونقلت الصحيفة عن إبراهيم دلالشة، مدير مركز “هورايزون” للدراسات السياسية في رام الله قوله إن “بعض العوامل عملية، ولكن هناك أيضا أبعادا سياسية لها”. و”لم يكن استخدام طائرة إف-16 ضد مخيم طولكرم لأسباب عملياتية فحسب، إذ كان بإمكانهم استخدام مسيرة، كان الأمر أشبه باستخدام مدفع لقتل ذبابة”.
وفي الواقع، تعتبر جماعات حقوق الإنسان أن تصرفات إسرائيل في الضفة الغربية غير متناسبة. وفي الشهر الماضي، اتهم مكتب حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إسرائيل بـ “تجاهل مثير للقلق لحياة الفلسطينيين” وتنفيذ “عمليات قتل غير قانونية” في الأراضي الفلسطينية، بحجة أن أفعالها هناك لا يمكن تبريرها بموجب الإطار القانوني المعمول به. لكن ليس استخدام الجيش الإسرائيلي المفرط للقوة هو الذي أدى إلى تغيير وجه الحياة في الضفة الغربية فحسب، فمنذ 7 تشرين الأول/أكتوبر، أقام الجيش أيضا العشرات من الحواجز ونقاط التفتيش الجديدة في جميع أنحاء الضفة، مما زاد من عدد “عقبات الحركة” إلى أكثر من 800، وفقا لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، وأدى لتحويل الرحلات القصيرة إلى رحلات طويلة تستغرق ساعات طويلة ولا يمكن التنبؤ بها.
وفي الوقت نفسه، تصاعدت أعمال العنف التي يرتكبها المستوطنون اليهود في الضفة الغربية. وبحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، نفذ المستوطنون منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر أكثر من 2,200 هجوم على الفلسطينيين مما أسفر عن وقوع إصابات أو أضرار بالممتلكات وتعطيل موسم قطف الزيتون، وإلحاق الضرر بسبل العيش، وإجبار العشرات من المجتمعات البدوية والرعوية على النزوح.
ويقدر الناشطون أن عنف المستوطنين وتوسيع المستوطنات والقيود على الحركة ومصادرة الأراضي أدت إلى منع الفلسطينيين من الوصول إلى مئات الآلاف من الدونمات من أراضيهم منذ هجمات تشرين الأول/أكتوبر.
وبدت القيود واضحة على سكان القرى والبلدات مثل بشارات التي تعيش في طمون، البلدة التي تبعد 20 كيلومترا عن مدينة نابلس. فقبل الحرب، كانت تذهب إلى المدينة في رحلة يومية، أما اليوم فهي لا تتجرأ، فالمخاطر كثيرة مثل مهاجمة المستوطنين أو مواجهة الجيش أو الانتظار لساعات عند نقاط التفتيش.