اخبار فلسطين
موقع كل يوم -شبكة قدس الإخبارية
نشر بتاريخ: ٢١ أيلول ٢٠٢٥
ترجمة خاصة - قدس الإخبارية: أعدّ الباحثان في معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي تومر فدلون وأستبان كلور، دراسة تكشف عن التداعيات الاقتصادية الخطيرة التي خلفتها الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. ورغم الصورة الرسمية التي تحاول إظهار الاقتصاد الإسرائيلي في موقع 'الصمود'، فإن الأرقام والمعطيات ترسم صورة قاتمة، تنذر بانزلاق نحو مسار قد يقود إلى 'عقد ضائع' بكل ما تحمله الكلمة من معنى .
فقد سجّل الناتج المحلي للفرد تراجعًا لافتًا، إذ انكمش في عام 2023 بنسبة 1.2% وفي عام 2024 بنسبة 0.4%، وهو ما أعاد مستويات المعيشة إلى ما كانت عليه قبل سنوات. هذا التراجع ترافق مع انخفاض الدخل المتاح للأسر وتآكل القدرة الشرائية، في وقت تتزايد فيه الضغوط المعيشية. بالنسبة للباحثَين، فإن هذا المؤشر وحده كافٍ للدلالة على أن الحرب تركت بصمة ثقيلة على نوعية الحياة اليومية للإسرائيليين .
وفي موازاة ذلك، ارتفعت نسبة الدين العام إلى الناتج المحلي لتتجاوز حاجز 70%، بعد موجات متتالية من الاستدانة لتمويل كلفة الحرب. ورغم أن النسبة لا تزال أقل من متوسط دول منظمة الـ OECD، فإن سرعة تراكم الدين والفوائد المرتفعة المرتبطة به تنذر بمصاعب جدية في العقود المقبلة. العجز المالي بدوره اتسع إلى أكثر من 6% عام 2024، مع توقع تجاوزه 7% في 2025، وهو مسار وصفه الباحثان بأنه غير قابل للاستدامة .
القطاع الخاص لم يكن بمنأى عن هذه التداعيات. ففي عام 2023 أُغلق 57 ألف محل وشركة، مقابل افتتاح 43 ألفًا فقط، وفي العام التالي استمر التوجه نفسه. حصيلة هذه الخسائر أفرزت فجوة تقدر بثمانية آلاف شركة مقارنة بالمسار الطبيعي للنمو، ما يعكس ضغوطًا عميقة على الأعمال الصغيرة والمتوسطة، ويضعف قدرة الاقتصاد على خلق فرص عمل جديدة .
أما البطالة، فرغم بقائها عند مستوى منخفض نسبيًا (قرابة 3%)، فإن السبب الرئيس يعود إلى استدعاء مئات آلاف جنود الاحتياط، وليس إلى ديناميكية اقتصادية طبيعية. قطاعات السياحة والخدمات في الشمال والجنوب تكبدت خسائر مباشرة، فيما باتت بعض القطاعات الأخرى رهينة لبرامج الدعم الحكومي. الباحثان حذّرا من أن أي تقليص في هذه البرامج قد يؤدي إلى قفزة مفاجئة في معدلات البطالة .
الهجرة برزت كجرس إنذار إضافي. إذ ارتفع صافي الهجرة السلبية إلى نحو 30 ألف شخص عام 2024، معظمهم من الفئة العمرية 25–49 عامًا، وهي الشريحة الأكثر إنتاجية في سوق العمل. الأخطر أن جزءًا كبيرًا من هؤلاء ينتمي إلى قطاع التكنولوجيا المتقدمة، ما يهدد بخسارة تدريجية لرأسمال بشري حيوي يقدَّر بنحو 300 ألف عامل. هذا النزيف البشري قد يقوّض الأسس التي يعتمد عليها الاقتصاد الإسرائيلي في النمو والضرائب .
ورغم ما قد يبدو من مؤشرات إيجابية، مثل صعود أسهم شركات الدفاع والبنوك في البورصة أو ارتفاع صادرات السلاح إلى مستوى قياسي تجاوز 14 مليار دولار عام 2024، فإن الباحثين شددا على أن هذه المكاسب محصورة في قطاعات محدودة، ولا تعكس حال الاقتصاد الكلي. فالأرباح الاستثنائية في الصناعات العسكرية أو المالية لا تعوّض عن تراجع الاستهلاك المحلي ولا توقف نزيف الشركات الصغيرة والمتوسطة .
في المحصلة، يخلص فدلون وكلور إلى أن الاقتصاد الإسرائيلي يعيش حالة 'صمود ظاهري' يخفي تحت سطحه أزمات متراكمة: تباطؤ النمو، تضخم الدين، إغلاق الأعمال، وهجرة الكفاءات. وإذا استمرت الحرب على هذا المنوال، فإن كلفتها الاقتصادية المباشرة وغير المباشرة قد تعصف باستقرار الاقتصاد لعقد كامل، وسط مخاطر إضافية من عقوبات أو مقاطعات دولية، بما يجعل الصورة المستقبلية أكثر قتامة .