لايف ستايل
موقع كل يوم -في فن
نشر بتاريخ: ٢٠ أيلول ٢٠٢٥
* د.أحمد مجدي ناقد وعضو هيئة تدريس بقسم الدراما والنقد المسرحي بكلية الآداب جامعة عين شمس
لم يكن يخطر في بال الروبوت روزوم أنه في يوم ما، سوف يصبح مهمته تربية أوزة، بعد أن قام بدون قصد بسحق عشها، مما تسبب في موت عائلتها، وعندما تخرج هذه الأوزة من البيضة حتى تستقبلها أمها في عالم البرية، لم تجد سوى روزوم أمامها، ليصبح من حينها هو أم الأوزة الصغيرة برايتبيل، ومعلمها الأمين في مواجهة ظروف البيئة القاسية.
وبعد غرق سفينة عملاقة كانت تحمل مجموعة من الروبوتات الذكية إلى بعض بلدان العالم، يجد الروبوت روزوم نفسه في جزيرة برية، بعد أن تقطعت به كل سبل العودة إلى مصنع الروبوتات، أو إيجاد روبوت آخر من نوعه، فجميع الروبوتات قد تحطمت في الحادثة ولم يبقّ غير روزوم.
يظهر المشهد الأول من خلال عين كاميرا فيديو مثبتة على وجه روزوم، تلتقط هذه الكاميرا بعض تحركات الحيوانات القارضة الذين يعبثون حول روزوم بعد تحطم السفينة التي تقله هو ومجموعة من الروبوتات الأخرى. يظهر روزوم وهو مستلقي داخل صندوق، ويشاهد الحيوانات من وجهة نظره POV ، تستكشف الحيوانات ما يوجد داخل الصندوق، بعد أن فقدوا الأمل في الحصول على أي شي صالح للأكل في حطام السفينة، ودون قصد يقوم حيوان منهم بالقبس على زر تشغيل روزوم، فينهض روزوم وتبدأ برمجته بشكل آلي لتنفيذ أوامر هؤلاء الحيوانات على اعتبار أنهم استدعوه لمساعدتهم، تهرب الحيوانات من روزوم ظنًا منهم أنه وحش عملاق يود التهامهم، لتبدأ حياة روزوم في محاولة التأقلم مع هذه البيئة الوحشية، حتى يحين وقت انقاذه من مصنع الروبوتات المصنعة له.
واستغل خاصة أنه يحمل جهاز استدعاء يمكن تشغيله في أي وقت، وفور تشغيله تبدأ إدارة المصنع بالبحث عنه عن طريق إتباع موقعه الإلكتروني. ولكنه أثناء ذلك يتعثر في عش عائلة برايتبيل ويتسبب في موت العائلة، عدا بيضة واحدة قام بأخذها معه حتى يحميها من الثعلب فينك الذي يود التهامها، وبعد مطاردة بين فينك وروزوم، يحتفظ روزوم بالبيضة، ويخرج منها برايتبال (الأوزة الصغيرة) ويقفز على جهاز الاستدعاء الخاص بروزوم ويحطمه بمنقاره، وحينها لا يجد روزوم مفرًا من البقاء على الجزيرة حتى يتم انقاذه.
يساعد روزوم 'الثعلب فينك' في التخلص من بعض الأشواك العالقة في جسده، فيقرر فينك بدوره أن يصاحب روزوم في رحلته الشيقة لتعليم برايتبال الصغير الأكل والسباحة والطيران، وهي المهام التي قام روزوم ببرمجة نفسه عليها، حتى يحين موعد عودته إلى مصنع الروبوتات.
يتناول الفيلم هنا رسم مختلف لشخصية الروبوت، حيث من المفترض أن الروبوتات مخصصة لمساعدة الإنسان، عبر تلقي أوامر معينة ولا يسمح لها أن تتخطى برمجتها بأي شكل من الأشكال، ولكن يبدو أن الحياة البرية والاحتكاك بالحيوانات، وبكثير من المواقف الإنسانية، مثل شعور روزوم بأنه بمثابة أم لبرايتبال، جعله يتصرف بحميمية مع الصغير، وهو ما يظهر في عدة مشاهد في الفيلم؛ مثل بناء روزوم منزل للصغير حتى يكون مصدرًا لحمايته من الحيوانات في الخارج، ويتطور الأمر بعد ذلك إلى انقاذ روزوم للحيوانات الموجودة في الغابة، بعد هبوب موجة قارسة من الصقيع، فيقوم بجمع الحيوانات مع الثعلب فينك، تحت سقف منزل كبير حتى يحتموا فيه من موجة الصقيع، وهو ما ينتج عنه تقرب الحيوانات من بعضها، ونزع فتيل الخلافات والتناحرات بينهم، وقد أصبحوا يعيشوا سويًا في جو يغلب عليه الأجواء الأسرية والحميمية، بما فيهم الحيوانات المفترسة التي كانت تعتبر الحيوانات الأخرى أهدافًا لها في سلسلة التنوع الغذائي.
وقد أصبح الجميع يتكاتفون معًا خلف روزوم لتخطي أزمة تغييرات المناخ الكبيرة التي تحدث في الغابة، لدرجة أن الجميع يقفون يدًا واحدًا أمام الروبوتات التي تظهر فجأة قادمة من المصنع وذلك للقضاء على روزوم واصطحابه معهم، فتتحول الغابة إلى ساحة للقتال، ينضم فيها الحيوانات إلى روزوم ويدافعون عنه كأنه واحدًا منهم أمام الروبوتات المعادية، وكلها قد تكون رسائل مقصودة من صناع العمل لبث روح الألفة والطمأنينة بداخلنا للتعامل مع عناصر الذكاء الاصطناعي والروبوتات في العصر الحديث، فقد كانت الروبوتات في بعض الأفلام مثل فيلم The Terminator تظهر بشكل ديستوبي تعكس مدى خوف البشر من انقلاب الروبوتات على الإنسان، ومدى بغض الروبوتات للحياة العضوية بشكل عام لذلك تتسبب في تدمير الأرض، ولكن يأتي هنا الطرح مغاير وذلك لإشاعة روح التعاطف مع بعض الكيانات الآلية التي قد تُظهر إخلاصًا ونبلًا أكثر من بعض الكائنات العضوية، مثل الروبوت روزوم الذي يتخذ صناع العمل من شعوره بالذنب تجاه تدمير حياة برايتبال محفزًا ومحركًا للأحداث، إذ يتحول روزوم من التركيز على مهامه الاستكشافية العملية الآلية، إلى السير نحو غاية أكبر من ذلك بكثير وهي مساعدة الصغير على تعلم أساسيات الحياة والانضمام لمجموعة من بني جنسه في هجرتهم الموسمية، ومن ثم الانخراط معهم واستعادة حياته بعد موت عائلته.
يبدو أن صناع العمل يحاولون هنا مزج المعالم الحضارية والتكنولوجية مع الحياة البرية، وهي الإضافة الحقيقية لصناع العمل لمحاولة الخروج عن الأفكار التقليدية التي تتناول مغامرات الحيوانات في الغابة، وذلك بوضع عنصر تكنولوجي وهو الروبوت روزوم، لكي يثبت أن فكرة النبل والتضحية والمساعدة لا تقتصر فقط على الإنسان أو حتى بعض الحيوانات، بحيث يستهدف صناع العمل التهدئة من روع القلق الثقافي والتكنولوجي السائد بشأن أجهزة الكمبيوتر والتطبيقات الإلكترونية التي تتغلف بمظاهر الوعي، وذلك بوضع عنصرًا تكنولوجيًا قادته الأقدار أن يكون منقذًا للغابة بأكملها وللصغير برايتبال، حيث لا يتصرف روزوم بشكل عملي وآلي يتوافق مع برمجته ولكنه يتخطى ذلك ويظهر جوانب إنسانية نبيلة، وهو طرح بالطبع قد يكون خياليًا لكنه كان مثيرًا للانتباه داخل العمل.
ويظهر روزوم بأنه لديه قدرات متفردة تجعله يستطيع التفكير وتطوير فطرته الأمومية التي من المفترض أنها خصيصة للإنسان والحيوان فقط، ولكنها تظهر هنا داخل روبوت، وهو طرح مختلف ومغاير عن أفلام التحريك التي نشاهدها في الغالب، حيث يقوم صناع العمل بتناول الموضوع بشكل منطقي وذكي وجذاب يأخذنا في رحلة نشهد فيها تطورًا في الوعي لهذا الروبوت روزوم الذي يشبه تطبيقات الذكاء الاصطناعي والـChat GPT، لكنه هنا يُظهر سلوكًا واعيًا مثل الإنسان البشري، حيث كلما تمر الأحداث داخل الفيلم، يقوم الروبوت روزوم بتطوير سلوكياته وشعوره تجاه ما حوله، مثلما يفعل الإنسان في حياته الطبيعي، وذلك في تفاعل كبير بين المدخلات الخاصة بالغابة التي يستقبلها روزوم وبين معالجته لهذه المدخلات وتطوير سلوكياته وأفعاله لتصبح رويدًا رويدًا قريبة من الانفعالات والأفعال البشرية، وهو ما يجعل مُصنّع روزوم، الذي يشك في تغير وتحول برمجيته العاطفية بشكل مغاير للمهام الموكلة إليها، إرسال روبوتًا آخر مع فريق من الروبوتات لاستعادته ومحو برمجته. لكن يتكاتف الحيوانات كلها معه لأنهم شعروا أنه كائن حي مثلهم وحتى لو جاء ذلك على حساب هدم النظام البيئي المستقر في الغابة، حيث تقوم الروبوتات المعادية بحرق مساحات شاسعة من أجل استعادة الروبوت، وهنا يبدأ روزوم ليس فقط في إدراك وفهم المشاعر التي يشعر بها، بل وتقديرها أيضًا حيث يقوم بالتصدي لأقرانه الروبوتات مضحي بعودته إلى مكانه التقليدي في سبيل البقاء مع الحيوانات ومع برايتبال.
ليصبح ذلك الروبوت مشابه للروبوتات شبيهة البشر التي يحاول البشر صناعتها لتحاكي الحياة البشرية والكيانات العضوية، في خطوة جديرة بالتأمل في نتائجها وتبعاتها، وذلك من خلال فيلم شيق ومثير مليء بالعواطف والمشاعر البشرية مدمجة داخل آلة تتصرف مثل الإنسان أو الحيوان.
ولذلك كان الفيلم من أفضل الأفلام التي تم ترشيحها لعدة جوائز عام 2025 وأبرزها جائزة الأوسكار(ترشح لثلاث جوائز أوسكار)، لتناوله طرحًا فلسفيًا يفتح أفاقًا كبيرة وتساؤلات عديدة مثل: هل يمكن أن تتطور الروبوتات الشبيهة للإنسان إلى هذه الدرجة، أم أنها محاولات لتسويق الفكرة الخيالية فقط؟