اخبار فلسطين
موقع كل يوم -وكالة شهاب للأنباء
نشر بتاريخ: ٢ أب ٢٠٢٥
تقرير – شهاب
في ظل تصاعد جرائم الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة واستمرار الانسداد السياسي بشأن القضية الفلسطينية، استضافت فرنسا والمملكة العربية السعودية مؤتمرًا وزاريًا رفيع المستوى في نيويورك بهدف 'إحياء حل الدولتين' والدفع نحو تسوية سياسية شاملة.
وشارك في المؤتمر ممثلون عن أكثر من 15 دولة، من بينها فرنسا، بريطانيا، إسبانيا، كندا، أستراليا، أيرلندا، سلوفينيا، ومالطا، بالإضافة إلى حضور عربي تمثل في السعودية، الإمارات، ومصر، إلى جانب ممثلين عن السلطة الفلسطينية.
وفي ختام أعمال المؤتمر، صدر بيان مشترك أعربت فيه 15 دولة عن عزمها الاعتراف الرسمي بدولة فلسطين، داعية المجتمع الدولي إلى الانضمام لهذه الخطوة، مؤكدًا على ضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات، والالتزام بحل الدولتين على أساس قرارات الأمم المتحدة، مع التمهيد لترتيبات أمنية في قطاع غزة تحت إشراف دولي.
لكن عدداً من بنود البيان أثار جدلاً واسعًا، خصوصًا ما يتعلق بالمطالبة بـ'نزع سلاح الفصائل الفلسطينية في غزة'، و'إخضاع الأمن في القطاع لإشراف منسق أمني أمريكي وبعثة شرطة أوروبية'، وهو ما اعتبره مراقبون تكرارًا لتجربة الضفة الغربية دون معالجة جذور الصراع.
يرى متابعون أن مؤتمر نيويورك يعكس تحولًا نسبيًا في المزاج السياسي الدولي تجاه القضية الفلسطينية، لكنه ما زال يتحرك في إطار 'إدارة الأزمة' لا حلّها.
اصطفافًا ضمنيًا مع الاحتلال
الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني ماجد الزبدة وجّه انتقادات حادة إلى البيان الختامي الصادر عن مؤتمر نيويورك لإحياء حل الدولتين، والذي شهد مشاركة عدد من الدول الأوروبية والعربية، معتبرًا أن بعض ما ورد فيه يُمثّل 'اصطفافًا ضمنيًا مع الاحتلال الإسرائيلي' وتغافلًا خطيرًا عن الجرائم المرتكبة في غزة.
وأكد الزبدة على أن أي خطوة سياسية تدعم إقامة دولة فلسطينية تمثّل انتصارًا معنويًا للحق الفلسطيني، لكنها تبقى جوفاء ما لم تُرفق بإجراءات عملية تنهي السيطرة العسكرية الإسرائيلية على الأرض والمقدسات، وتوقف المشروع الاستيطاني.
وانتقد الزبدة 'المساواة الظالمة' بين الاحتلال الإسرائيلي كمعتدٍ، والمقاومة الفلسطينية كمدافع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، معتبرًا أن هذه المعادلة تدعم بشكل غير مباشر رواية الاحتلال وتُفرّغ البيان من أي مضمون حقوقي أو إنساني.
وأشار إلى أن تجريم المقاومة الفلسطينية وربطها بـ'الإرهاب'، وتضمين ذلك في بيان وقّعت عليه بعض الدول العربية وتركيا والسلطة الفلسطينية، لا يستهدف فقط فصيلًا بعينه مثل حركة حماس، بل يطال مجمل خيار الكفاح المسلح الذي خاضه الفلسطينيون منذ قرن دفاعًا عن حريتهم.
تكرار تجربة الضفة
وحذّر الزبدة من أن دعوة البيان إلى إشراف منسق أمني أمريكي وبعثات أوروبية على الأمن في غزة، يهدد بتحويل القطاع إلى نسخة أمنية مكرّرة من الضفة الغربية، حيث جُرّبت هذه التجربة ولم تحقق للفلسطينيين الأمن ولا الكرامة، بل عززت التنسيق الأمني وملاحقة المقاومة.
كما أبدى الكاتب استغرابه من الدعوات المطالِبة بـ'نزع سلاح المقاومة' في غزة دون ربط ذلك بإنهاء الاحتلال أو تقديم أي ضمانات لتحقيق وحدة وطنية فلسطينية، محذرًا من أن ذلك قد يُشعل صراعًا داخليًا جديدًا ويُقصي قوى فاعلة من المشهد السياسي الفلسطيني.
وأشار الزبدة إلى أن البيان تجاهل الاحتياجات الإنسانية العاجلة لسكان غزة، مثل إنهاء المجازر والإبادة الجماعية، ورفع الحصار المفروض منذ 18 عامًا، وإنهاء المجاعة التي تهدد أكثر من مليوني فلسطيني.
وشدد على أن الأولوية يجب أن تكون وقف العدوان ورفع اليد العسكرية الإسرائيلية عن القطاع، لا تثبيت سيطرتها من خلال حلول أمنية مشروطة.
وأكد على أن الشعب الفلسطيني 'لن يتنازل عن حقه في العيش بحرية وكرامة'، مشددًا على أن الحلول المجتزأة التي تتجاهل الاحتلال وحقوق الفلسطينيين لن تؤدي إلا إلى مزيد من التعقيد والانفجار.
تغيير شكلي
ومن جانبه، اعتبر الكاتب والمدوّن الفلسطيني مؤيد حازم أن الاعترافات الدولية الأخيرة بدولة فلسطين، وعلى أهميتها الرمزية، لا تزال تعبّر عن تصور ناقص لمفهوم الدولة الفلسطينية، محذّرًا من أن هذه الخطوات قد تنسجم مع مقاربات إسرائيلية تفرغ حل الدولتين من مضمونه الحقيقي.
وقال حازم إن 'الاعترافات المطروحة حاليًا تتماهى إلى حد كبير مع رؤية اليسار الإسرائيلي، التي تختزل الحقوق الفلسطينية في شكل من أشكال الإدارة الذاتية المحدودة، دون تمكين فعلي للشعب الفلسطيني من ممارسة سيادته الكاملة على أرضه وموارده'.
وأشار إلى أن جوهر هذه المبادرات يتمحور حول تغيير شكلي في المصطلحات، من 'السلطة' إلى 'الدولة'، دون أي تغيير حقيقي في الواقع السياسي أو القانوني، واصفًا ذلك بأنه 'إعادة إنتاج للسيطرة الإسرائيلية ولكن بمسميات جديدة'.
وشدّد حازم على ضرورة أن تكون أي خطوة نحو الاعتراف بالدولة الفلسطينية مشروطة بإنهاء الاحتلال، وتفكيك المنظومة الاستيطانية، وضمان الحقوق الوطنية الكاملة، لا أن تقتصر على تحسينات شكلية أو اعترافات رمزية لا تغيّر من واقع المعاناة والسيطرة.
تماهٍ مع الشروط الأميركية
من جهتها، انتقدت الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين ما ورد في 'إعلان نيويورك'، واعتبرت أنه يمثل استعادة كاملة للشروط الأميركية التي تفرّط بالثوابت الوطنية الفلسطينية، وتُعيد صياغة هوية الشعب الفلسطيني بعيدًا عن قرارات الشرعية الوطنية والدولية.
وقالت الجبهة، إن الإعلان أعاد إنتاج الشروط العشرة التي سبق أن قدمها مستشار الأمن القومي الأميركي الأسبق جيك سوليفان إلى القيادة الفلسطينية، بهدف 'تأهيلها للقبول بحل الدولتين' وفق رؤية تنسجم مع المعايير الأميركية وتتجاوز حقوق الشعب الفلسطيني كما أقرتها قرارات المجلس الوطني والمجلس المركزي وإعلان الاستقلال.
وأضافت الجبهة أن الإعلان تجاهل المرجعيات الواضحة مثل حدود الرابع من حزيران 1967، واستبدلها بصيغة فضفاضة حول 'حدود آمنة ومعترف بها'، كما أسقط مطلب الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي المحتلة، وشرّع بقاء المستوطنات من خلال التمييز بين من وصفتهم بـ'المستوطنين الصالحين والعاطلين'.
وانتقد البيان بشدة ما وصفه بـ'تجريم المقاومة' ووصفها بـ'الإرهاب'، معتبرًا أن ذلك يُشكّل تبنيًا للمعايير الأميركية وتجاهلاً للشرعية الدولية التي تكفل حق الشعوب في مقاومة الاحتلال.
كما رأت الجبهة أن المطالبة بنزع سلاح المقاومة دون إنهاء الاحتلال أو توفير حماية دولية للفلسطينيين تمثل إخلالاً بسيادة الدولة الفلسطينية المفترضة، وتضعف قدرتها على الدفاع عن شعبها.
وأعربت الجبهة عن رفضها ما وصفته بـ'التدخل الفج' في الشأن الفلسطيني الداخلي، من خلال تبنّي شروط السلطة لإجراء انتخابات المجلس الوطني، معتبرة أن ذلك يقوّض الحوار الوطني ويمنح الأفضلية السياسية لطرف واحد على حساب الشراكة الوطنية.
وفي ما يخص قضية اللاجئين، حذرت الجبهة من أن الإعلان تخلّى عن القرار الأممي 194، واستبدله بالدعوة إلى 'حل عادل ومتفق عليه'، ما يفتح الباب، بحسب البيان، أمام دور إسرائيلي في تقرير مصير اللاجئين، ويعيد إحياء طروحات دولية مرفوضة سابقًا، كـ'مؤتمر جنيف–البحر الميت' وصفقة ترامب.
رغم ذلك، اعتبرت الجبهة الديمقراطية أن إعلان عدد من الدول، ومنها فرنسا وبريطانيا ودول أوروبية أخرى، نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، هو تطور إيجابي لا يمكن التقليل من أهميته، لكنه يبقى غير كافٍ ما لم يُترجم إلى إجراءات عملية تفرض على إسرائيل الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، ووقف الاستيطان، وإنهاء الاحتلال، وتمكين الشعب الفلسطيني من إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس، وضمان حق اللاجئين في العودة إلى ديارهم.
ويبقى السؤال المطروح، هل سينجح هذا المؤتمر في فرض واقع سياسي جديد، أم أنه مجرد محاولة لتجميل صورة المجتمع الدولي أمام شعب يتعرض لإبادة على مرأى العالم؟